شاركوا هذا الخبر

عراقجي: الحاج قاسم كان مهندس محور المقاومة في المنطقة

أكّد وزير الخارجية الإيراني أنّ الحاج قاسم سليماني كان مهندس «محور المقاومة» في المنطقة، مشيرًا إلى أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستواصل دعمها الأخلاقي والسياسي والقانوني لخطاب المقاومة.

عراقجي: الحاج قاسم كان مهندس محور المقاومة في المنطقة

الكوثر_ايران

سيد عباس عراقجي، وزير الخارجية، ألقى اليوم الاثنين كلمةً في المؤتمر الدولي «الفريق قاسم سليماني؛ الدبلوماسية والمقاومة».

وفيما يلي النصّ الكامل لكلمته:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحضور الكرام،

المفكّرون والضيوف الأعزّاء،

في ذكرى استشهاد القائد الكبير الشهيد الفريق قاسم سليماني، اسمحوا لي أن أتحدّث لا عن شخصه فحسب، بل عن «إرثه» في السياسة الخارجية. لقد كان الحاج قاسم مهندس «محور المقاومة» في المنطقة، غير أنّ آثار هذه الهندسة تتجاوز بكثير السياسات الجارية والمقاربات التنفيذية في السياسة الخارجية. وأعتقد أنّ فكر الحاج قاسم، بوصفه تجسيدًا لآمال الثورة الإسلامية والمبادئ الحاكمة للدستور الإيراني، ينبثق من الأساس النظري ومنطلقات السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما يمكن تسميته بـ«الدبلوماسية المرتكزة على المقاومة».

اقرأ أيضا:

إنّ الدبلوماسية الناجحة والفاعلة هي مزيج متوازن من الشجاعة والحكمة في التفاعل مع الآخرين. فبدون أدوات الدبلوماسية لا تنتظم العلاقات، ولا يتحقّق توازن القوى بمختلف أبعاده. والتفاوض هو فنّ الدبلوماسية، وتعزيز الدبلوماسية يعني خفض الكلفة، وترسيخ المكتسبات، وتحقيق الانتصار في السلم والحرب على حدّ سواء. غير أنّ الدبلوماسية وحدها لا تكفي؛ فالعامل الحاسم فيها هو «مكوّنات القوّة الوطنية».

إنّ القوّة الوطنية لأيّ كيان سياسي تحدّد موقعه في النظام الدولي وترسم حدود سلوكه. فالفاعل الذي لا تمتلك قدراته وزنًا إقليميًا أو عالميًا، لا يستطيع بلوغ أهدافه عبر الدبلوماسية. فالدبلوماسية لا تُنتج مصالح من «العدم»، بل إنّ القدرات الوطنية هي التي تولّد المصالح القومية، وتوسّعها وتحميها.

وفي النظام العالمي المضطرب الراهن، حيث يسعى اللاعبون بشتّى الوسائل إلى اكتساب القوّة والحفاظ عليها وتعزيزها وإظهارها، لا يمكن النظر إلى القوّة ومكوّناتها من زاوية أحادية. فالقوّة الوطنية تتجلّى بأشكال متعدّدة، غير أنّ ثمة بُعدًا مهمًا لم يُسلّط عليه الضوء بما يكفي، وهو «القوّة المعنوية»، وأهمّ عناصرها القدرة على صناعة الخطاب. فالخطاب هو منظومة فكرية متماسكة ومنظّمة تُبنى على القيم والإدراكات والثقافة والمعتقدات السائدة في المجتمع، وتتحوّل إلى لغةٍ متداولة في الحياة العامة.

إنّ الخطاب الغالب في أيّ مجتمع، من خلال توجيه المنظومات الفكرية والإدارية، يؤثّر مباشرة في مصير الشعب والدولة. والدول التي تنجح في بناء خطابٍ مناسب لأهدافها، تصل إلى غاياتها بوتيرة أسرع. وبعض الدول قادرة على صناعة خطابٍ على المستوى الإقليمي أو حتى الدولي والعالمي، وتحويله عبر عملية إقناع واسعة إلى خطابٍ سائد يخدم أهدافها العابرة للحدود. ويُعدّ «خطاب الثورة الإسلامية» و«خطاب المقاومة» من أبرز نماذج صناعة الخطاب لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية على المستويات الوطنية والإقليمية وما فوق الإقليمية.

أيّها الحضور الكرام، إنّ «الدبلوماسية المرتكزة على المقاومة» تشكّل الأساس النظري للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويُعدّ «محور المقاومة» أحد أبعادها. وكان القائد سليماني التجسيد العملي للمقاومة، إذ إنّ حضوره الثابت والحكيم في ميادين الدفاع عن إيران والأمّة شكّل، بحدّ ذاته، سدًّا منيعًا في مواجهة أمواج التهديدات والمؤامرات. لقد أدرك ببصيرةٍ عميقة أنّ الأمن الحقيقي والمستدام لا يتحقّق خلف الجدران العالية ولا في مستودعات السلاح، بل يتجذّر في إراداتٍ صلبة تستمدّ قوّتها من الإيمان والتضحية، وقادرة على الصمود أمام أيّ تهديد أو مكيدة. فالإيمان بالحقّ والعدالة هو الذي يمنح الأفراد والشعوب القدرة على التحمّل والوقوف في وجه كلّ استكبار ومخطط خبيث.

ومن هذا المنطلق، لم يقتصر الإرث الثمين للقائد سليماني على التخطيط العملياتي الدقيق والانتصارات الميدانية، بل إنّه، برؤيةٍ استراتيجية عابرة للحدود، أخرج خطاب المقاومة من إطار المفاهيم النظرية والشعارات، وحوّله إلى قوّة ملموسة وفاعلة ومغيّرة لمعادلات الجغرافيا الحسّاسة والمضطربة في الشرق الأوسط. وقد أثبت أنّ المقاومة خيارٌ استراتيجي، بل السبيل الوحيد أمام الشعوب التي تضع كرامتها فوق كلّ اعتبار.

إنّ دبلوماسية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بوصفها دبلوماسيةً قائمة على المقاومة، سعت على الدوام إلى إيصال رسالة العدالة ومواجهة الاستكبار والدفاع عن حقوق المستضعفين والشعوب المظلومة — وهي جوهر خطاب المقاومة — بلغة دقيقة، موثّقة، مقنعة، وضمن أطر القانون الدولي، إلى المجتمع الدولي.

واليوم، وفي مرحلةٍ مفصلية من تاريخ العالم، حيث يتحوّل النظام الدولي من «نظام قائم على القانون» إلى «نظام قائم على القوّة»، وتطغى مقولة «السلام عبر القوّة» على «السلام عبر الدبلوماسية»، ويعود «قانون الغاب» ليحكم العلاقات الدولية، تبرز الطبيعة المناهضة للهيمنة والساعية إلى العدالة في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بوضوحٍ أكبر من أيّ وقت مضى، لتقف في مواجهة قوى الاستكبار القائمة على القهر، وتحافظ على صوت الحقّ حيًّا.

إنّ سرّ البقاء والتأثير والنجاح في هذا المسار الشائك يكمن في مفهومٍ محوري وحاسم: المقاومة والصمود. فبدون الثبات، لا تصل أيّ قضيةٍ عادلة إلى غايتها، ولا يدوم أيّ تحرّك في وجه هيمنة القوى المتغطرسة. ويمكن الجزم بأنّ التحدّي الأهمّ اليوم في السياسة الداخلية والخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية يتمثّل في الحفاظ على هذا الصمود وتعزيزه وتعميقه على مختلف المستويات. غير أنّ المقاومة لا ينبغي حصرها في بعدها العسكري، بل يجب الالتفات إلى تجلّياتها المتنوّعة في مجالات الاقتصاد المقاوم، والدبلوماسية النشطة والذكية، والصمود الثقافي والفني، والتقدّم العلمي والتكنولوجي، والقوّة الناعمة والإعلامية، وغيرها، ضمن مقاربات خلاّقة ومتناسبة.

فالمقاومة الاقتصادية تعني تقليص الاعتماد، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتطوير العلاقات الاقتصادية، وتنويع الموارد، وتجاوز الاقتصاد الأحادي. والمقاومة الثقافية تعني صون الهوية، ومواجهة الغزو الناعم، وإنتاج المعرفة والفكر المحلّي. أمّا المقاومة في ميدان الدبلوماسية، فتعني عدم الانحراف عن المصالح والأهداف الوطنية رغم كلّ الضغوط، والتحلّي بالذكاء في التفاعل، وكسر احتكار التواصل، وتقديم رواية موثّقة ومقنعة عن المواقف الحقّة إلى العالم. إنّ هذه الرؤية الشاملة ترتقي بالمقاومة من مجرّد استراتيجية دفاعية إلى نموذجٍ تقدّمي وبنّاء للتنمية الوطنية والتأثير الإقليمي.

أيّها السيدات والسادة، إنّ القلب النابض والمحور الأخلاقي المركزي لحركة المقاومة برمّتها هو، بلا شك، مقاومة الاحتلال التاريخي والتوسّعي والعنصري الذي يمارسه الكيان الصهيوني. فهذه المقاومة تشكّل ردًّا مشروعًا وقانونيًا وإنسانيًا على عقودٍ من احتلال الأرض، وتشريد الشعوب، والانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان، وقتل الأطفال، وتدمير المنازل، وفرض سياسات الفصل العنصري.

لقد أثبتت تجارب التاريخ المعاصر بوضوح أنّ أيّ مبادرة أو خيار، من دون وجود قوّة ردعٍ شعبية وميدانية، لن يحقّق نتيجة. واليوم، تجاوزت المقاومة الفلسطينية، ولا سيّما بالاعتماد على قدراتها الذاتية، كونها فعلًا محلّيًا محدودًا، لتتحوّل إلى لاعبٍ حاسم ومؤثّر ومغيّر لمعادلات الأمن والسياسة في المنطقة بأسرها، وأسقطت إلى الأبد وهم «الكيان الذي لا يُقهر».

وستواصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية دعمها الأخلاقي والسياسي والقانوني لخطاب المقاومة. وعلى خلاف التصوّرات التي ترسم مستقبل المنطقة تحت هيمنة مطلقة للكيان الصهيوني، فإنّ حقائق المنطقة والعالم تؤكّد أنّ المقاومة باتت واقعًا جيوسياسيًا لا يمكن إنكاره، وأحد أبرز الفاعلين في تشكيل نظام الشرق الأوسط المستقبلي؛ نظام يجب أن يقوم على الإرادة الحرّة لشعوب المنطقة، واحترام سيادة الدول، والعدالة، والتعاون الثنائي ومتعدّد الأطراف، لا على الإكراه والهيمنة ومخططات القوى العابرة للأقاليم.

وفي هذا الطريق الطويل والمشرّف، يبقى نهج الشهيد سليماني — نهج العقلانية، والتضحية، والحكمة، والمقاومة الفاعلة والذكية — منارة هداية وخارطة طريق لنا. وبالاقتداء بهذه النماذج، وبالثقة بالله، والاعتماد على قوّة الشعب، سنواصل مسيرتنا.

دام اسم القائد سليماني خالدًا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة