الكوثر_ايران
سيد عباس عراقجي أوضح في هذه المقابلة أن قنوات التواصل مع ستيف وِيتكوف كانت مفتوحة خلال الفترات الماضية، وأن وسطاء متعدّدين ينقلون الرسائل بين الطرفين، لكنه شدّد على أن إيران ليس لديها حالياً قراراً بالعودة إلى طاولة المفاوضات، بسبب غياب أي نية جدية من جانب الولايات المتحدة.
وفي معرض حديثه عن الأوضاع الإقليمية، شدد عراقجي على أن إيران لم تتدخل يوماً في الشؤون الداخلية اللبنانية، مؤكداً أن دعم طهران للبنان يأتي في إطار التعاون والعلاقات المتبادلة، وليس التدخل في القرار السيادي.
اقرا ايضا:
التفتيش على المنشآت النووية المتضررة
وعن عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أوضح وزير الخارجية أن التفتيش مستمر في المنشآت غير المستهدفة، دون أي إشكال. أما المنشآت التي تعرضت لهجمات، فأكد أن إطاراً تفاوضياً جديداً يجب وضعه بين إيران والوكالة لتنظيم عملية التفتيش في هذه المواقع.
وأكد عراقجي أن إيران ليست ضد المفاوضات من حيث المبدأ، مذكّراً بأن طهران تفاوضت عام 2015 حتى التوصل إلى الاتفاق النووي، كما كانت منخرطة في مفاوضات عام 2025 قبل الهجوم الذي استهدفها.
وأضاف: المفاوضات الحقيقية تعني الحوار وليس الإملاء. حينما تعلن واشنطن تخليها عن مطالبها المفروضة، واستعدادها لحوار حقيقي يفضي إلى نتائج متوازنة ومربحة للطرفين، فلن نقول لا. لكننا لا نرى أي مؤشر على ذلك حتى الآن.
نصّ المقابلة كما يلي:
الصحفي: سيسيل كولر وجاك باري، المواطنان الفرنسيان اللذان أُدينا بتهمة التجسس في إيران، أُفرج عنهما في 28 أكتوبر بعد ثلاث سنوات ونصف من الاحتجاز، وهما الآن في سفارة فرنسا بطهران بانتظار الحصول على تصريح لمغادرة الأراضي الإيرانية. وفي المقابل، طلبتم مبادلة مواطنة إيرانية، مهدية أسفندياري، التي اعتُقلت في فرنسا في فبراير بتهمة الترويج للإرهاب وأُفرج عنها بكفالة. في منتصف سبتمبر كنتم قد أعلنتم أنكم قريبون جداً من المرحلة النهائية لهذه المبادلة. هل أنتم موجودون الآن في باريس لإنجاز هذه المبادلة فعلاً؟
عراقجي: مبادلة السجناء استناداً إلى المصالح الوطنية مسألة شائعة نسبياً في العلاقات الدولية. هذا الأمر لا يثير الدهشة وليس جديداً. هذه المبادلة جرت مفاوضتها بيننا وبين فرنسا. تم التوصل إلى اتفاق، ونعم، نحن ننتظر استكمال جميع الإجراءات القانونية والقضائية في البلدين. آمل وأعتقد أن هذا سيتم خلال شهر أو شهرين، تبعاً للمسار القضائي. أعتقد أنه سيصل إلى نهايته وستُنجز المبادلة. نعم، ستتم عملية التبادل. محاكمة مهدية أسفندياري، وفقاً للإجراءات، يجب أن تُعقد في منتصف يناير في فرنسا.
الصحفي: ماذا عن وضع جاك باري وسيسيل كولر؟ ومتى ستنتهي مساراتهم القضائية؟
عراقجي: محاكمتهم أُجريت بالفعل وأُصدرت الأحكام، ولكن كما قلت لكم، وفق قانون إيران وقوانين كثير من الدول، يمكن مبادلة السجناء استناداً إلى المصالح الوطنية. عملية التبادل تُحدَّد في إطار المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. وكل شيء جاهز. نحن ننتظر اكتمال الإجراءات القضائية في فرنسا. لذلك، في منتصف يناير، ستُنجز هذه المبادلة في أقصى الحالات. آمل حدوث ذلك. كل شيء يعتمد على قرار المحكمة الفرنسية.
الصحفي: هل لديكم موافقة رسمية من الحكومة الفرنسية بأن قرار المحكمة سيكون في هذا الاتجاه؟
عراقجي: في تبادل السجناء بين الدول هناك طرفان دائماً. هناك قرار سياسي يجب أن يصدر عن المسؤولين، وهناك أيضاً قرار قضائي يصدر عن المؤسسات القضائية. وهذان المستويان مستقلان تماماً عن بعضهما. بالطبع يجب أن يكون هناك نوع من التنسيق. ومن جانب إيران تم إجراء هذا التنسيق. ونحن الآن ننتظر الجانب الفرنسي.
الصحفي: أنتم هنا أيضاً لبحث موضوع آخر: المفاوضات في هذا الشأن، سواء مع الولايات المتحدة أو أوروبا، متوقفة. «دونالد ترامب» رئيس الولايات المتحدة يكرر أنه يأمل التفاوض مع إيران. والآن وقد أعلن هو أيضاً أنه مستعد للتفاوض، هل هناك مفاوضات جارية مع الولايات المتحدة؟ قبل حرب يونيو، كنتم قد تفاوضتم مع مبعوثه الخاص «ستيف وِيتكوف». هل لديكم الآن اتصالات معه أو مع أعضاء آخرين من الإدارة الأمريكية لاستئناف المفاوضات؟
عراقجي: انظروا، لا توجد الآن أي مفاوضات؛ لكن قنوات الحوار بيننا وبين السيد وِيتكوف كانت قائمة. وسطاء مختلفون أيضاً ينقلون الرسائل. ولكننا الآن لا نملك أي قرار للتفاوض. لماذا؟ لأن الطرف الأمريكي لا يمتلك إرادة لمفاوضات حقيقية ومنصفة. نحن مستعدون للتفاوض؛ وكنا دائماً مستعدين. في عام 2015 تفاوضنا وتوصلنا إلى الاتفاق النووي.
وفي عام 2025 كنا نتفاوض أيضاً حين هاجمتنا الولايات المتحدة وإسرائيل. نحن دائماً مستعدون للتفاوض، ولكن للتفاوض الحقيقي والجاد. التفاوض يعني الحوار، وليس الإملاء. ومتى ما أعلنت الحكومة الأمريكية أنها مستعدة للتخلي عن مطالبها المفروضة، وأنها جاهزة لحوار حقيقي وجاد يفضي إلى مصالح متبادلة ونتيجة رابحة للطرفين، فإننا لا نقول «لا». لكننا الآن لا نرى هذه الاستعدادات لدى أمريكا.
الصحفي: هل تؤكدون أنكم في الأسابيع الأخيرة تواصلتم مع «ستيف وِيتكوف» أو «ماركو روبيو»، حتى لو لم تكن هناك مفاوضات؟
عراقجي: لا، منذ فترة ليست لدينا أي اتصالات أو تبادل رسائل. لأننا، كما قلت، توصلنا إلى أن الجانب الأمريكي لا يمتلك إرادة حقيقية للتفاوض. كلما توفرت هذه الإرادة، يمكننا فوراً تنشيط القنوات. ولكن الآن لسنا في عجلة؛ ننتظر. سننتظر حتى يكون الأمريكيون مستعدين لتفاوض حقيقي، وليس مجرد طرح مطالب مبالغ فيها.
الصحفي: الرئيس الإيراني «مسعود بزشكيان» كتب مؤخراً رسالة إلى ولي عهد السعودية «محمد بن سلمان»، وقيل إنه أعلن فيها استعداده لحل الخلاف النووي عبر الدبلوماسية. وقال ولي العهد السعودي إنه سيفعل كل ما يستطيع لتحقيق اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران. هل أصبحت السعودية، التي كانت لديكم معها علاقات صعبة، أحد الوسطاء بين واشنطن وطهران؟
عراقجي: هناك عدة نقاط: أولاً، رسالة رئيس جمهوريتنا إلى السيد بن سلمان لم تكن لها أي علاقة بالموضوع النووي. كانت هذه الرسالة حول شؤون الحج، وشكر السعودية على الاستضافة الجيدة جداً للحجاج الإيرانيين في العام الماضي، والاستعداد لمواسم الحج المقبلة.
في ما يخص الملف النووي، أكد عراقجي: نحن نثق تماماً بالسعودية. علاقاتنا تحسنت على مرّ السنوات، والثقة بيننا تتزايد يوماً بعد يوم. إيران والسعودية تتفقان على مستوى رفيع بشأن السلام والاستقرار الإقليمي. التعاون بين دول المنطقة، وخاصة إيران والسعودية بصفتهما قوتين كبيرتين، يلعب دوراً محورياً في استقرار المنطقة.
لكن فيما يخص الملف النووي، المشكلة ليست في غياب الوسيط؛ المشكلة هي في النهج والسلوك الأمريكي. حتى يتغير هذا السلوك، كيف يمكن التفاوض؟ هذا الأمر لا علاقة له بالوسطاء. كثير من دول المنطقة، وخاصة الدول الصديقة، حاولت أن تلعب دور الوسيط، ونحن على تواصل مع جميعهم ونقدّر جهودهم، لكن أكرر: المشكلة في مكان آخر.
الصحفي: موضوع آخر يتعلق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية. مجلس المحافظين أقر الأسبوع الماضي قراراً يطالب إيران بالتعاون الكامل والسريع، بما في ذلك الإعلان عن كمية مخزونات اليورانيوم المخصب وتوفير الوصول إلى المنشآت. لماذا ترفضون ذلك؟
عراقجي: السبب واضح؛ مجلس المحافظين، بصفته هيئة سياسية، أصدر هذا القرار، خلافاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي هي هيئة فنية. هذا القرار صدر دون الأخذ بالاعتبار للحقائق الواقعية القائمة، بل حتى دون النظر إلى أن منشآتنا النووية السلمية تعرضت لهجمات. تم تجاهل الحقائق الميدانية، في حين أن القرار صدر دون النظر إلى عدوان إسرائيل والولايات المتحدة علينا، وكأن الحرب لم تحدث. هذا خطأ.
لقد أظهرنا حسن نيتنا سابقاً للتعاون مع الوكالة، بما في ذلك في القاهرة، بمبادرة من الأصدقاء المصريين. حضر السيد غروسي إلى القاهرة وتوصلنا إلى اتفاق مع الوكالة يعرف باسم "اتفاق القاهرة". تم تحديد إطار للتعاون. وقد قبل السيد غروسي والوكالة أن الحقائق الميدانية الجديدة مختلفة، وأن التعاون يجب أن يتم بناءً على هذه الظروف الجديدة.
سألت السيد غروسي: هل لدى الوكالة بروتوكول لتفتيش المنشآت النووية السلمية التي تعرّضت للقصف؟ فأجاب: لا، لأن مثل هذه الحالة لم تحدث من قبل. لذلك، اتفقنا على وضع أساليب جديدة، وهذا هو "اتفاق القاهرة".
في الظروف الحالية، الاقتراب من هذه المنشآت خطير: خطر هجوم أمريكي، خطر الذخائر غير المنفجرة، خطر التلوث الإشعاعي أو الكيميائي. الاقتراب من هذه المواقع التي تم قصفها ليس بالأمر السهل. لذلك، يجب وضع إطار وبروتوكول جديد، والوكالة توافق على هذا الواقع. لكن هذا الموضوع لم يُؤخذ في الاعتبار في قرار مجلس المحافظين.
الصحفي: هل ستسمحون بعودة المفتشين؟
عراقجي: التفتيش على المنشآت غير العسكرية التي لم تتعرض لهجمات مستمر ولا توجد مشكلة في ذلك. أما بالنسبة للمنشآت المتضررة، كما ذكرت سابقاً، يجب وضع إطار جديد، ويجب التفاوض بشأنه مع الوكالة. آمل أن لا تتخذ الدول الأعضاء في مجلس المحافظين قرارات خاطئة تجعل هذا المسار أكثر صعوبة.
الصحفي: برأيكم، هل إسرائيل تستعد لشن هجمات جديدة على المنشآت النووية الإيرانية؟ هل ما زلتم قلقين، أم تعتقدون أن الهجمات الجديدة مستبعدة؟
عراقجي: خلال العامين الماضيين، هاجم الكيان الإسرائيلي سبع دول. لذلك، احتمال وقوع هجوم جديد أو حرب جديدة قائم. لكن إذا استهدف إيران مجدداً، هل سيحققون النصر؟ إذا فعلت شيئاً وفشلت، فالمنطق يقول ألا تكرر الأمر. الحقيقة هي أنه في الهجوم السابق، عمل نظام الدفاع لدينا بشكل جيد، لكن الكيان الإسرائيلي أيضاً لم يعمل بكفاءة كاملة. صواريخنا تمكنت من استهداف أهدافها بدقة، خصوصاً في الأيام الأخيرة من الحرب حيث أصابت صواريخنا أهدافها بقوة ودقة أكبر.
الأمريكيون والإسرائيليون الذين طالبوا بالاستسلام غير المشروط لإيران في اليوم الأول، استسلموا في الأيام الأخيرة وطلبوا وقف إطلاق النار. نحن في حرب الـ12 يوماً أظهرنا قدراتنا الدفاعية جيداً. بصراحة، لا أعتقد أنهم يريدون تكرار هذا الهزيم السابقة.
الصحفي: مع ذلك، يُقال إن إيران ضعفت بسبب أحداث لبنان وسوريا.
عراقجي: فيما يخص لبنان، نحن لم نتدخل مطلقاً في الشؤون الداخلية للبنان. الجيش اللبناني وحزب الله هم من يقررون بأنفسهم. المسؤولون اللبنانيون، بمن فيهم الرئيس ورئيس الوزراء، حسبما شاهدت في الأخبار، أدانوا هذا الهجوم وقالوا إنهم سيستخدمون جميع الأدوات لحماية المواطنين اللبنانيين. أن إيران ضعفت نتيجة أحداث لبنان؟ لا، هذا غير صحيح.
هذا لا يتوافق مع الواقع. بالضبط هذه الانطباعات والمفاهيم الخاطئة شجعت إسرائيل على مهاجمتنا، بينما رأت أن إيران ما زالت قوية.
الصحفي: في سوريا، الرئيس الجديد «أحمد الشرع» قوبل باستقبال تاريخي في واشنطن. يريد الانضمام إلى التحالف ضد داعش، بينما كان في السابق مقاتلاً جهادياً. منذ توليه السلطة، طرد ما يسمى بـ"الميليشيات الإيرانية". لم يدن الهجمات الإسرائيلية على إيران. برأيكم، هل هو تهديد لإيران أم عدو لإيران؟
عراقجي: نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا. أعتقد أن سوريا اليوم تواجه مشاكل كثيرة، وهذه الحالة تهدد السلام والاستقرار الإقليمي. ما نريده هو سوريا موحدة، بحكومة واحدة ومستقرة. وإلا ستكون المنطقة كلها معرضة للخطر. مطلبنا هو إنهاء احتلال سوريا من قبل إسرائيل. للأسف، بعد سقوط بشار الأسد، شرعت إسرائيل في احتلال سوريا. المناطق التي احتلتها في سوريا أكبر بكثير من قطاع غزة. اليوم، سوريا تحت الاحتلال الإسرائيلي.
إسرائيل تحتل غزة، فلسطين وسوريا. الخطر الحقيقي هو إسرائيل التي جعلت المنطقة غير مستقرة بأفعالها. فيما يخص سوريا، نحن فقط مراقبون. ما نريده هو وحدة سوريا وسلامة أراضيها. ونتمنى أن تصبح سوريا مرة أخرى مركزاً للاستقرار وليس مركز أزمة.