الكوثر - مناسبات
من أبرز المبادئ التي شدّد عليها الإمام: التواضع، فقد أشار إلى فضل الجلوس دون طلب الشرف والسلام على كل من يمرّ به الإنسان، معتبرًا ذلك علامة على تواضع المؤمن وسمو أخلاقه، كما حذّر من المزاح الزائد والضحك من دون تعقل، لأنهما قد يجرّان الإنسان إلى التجرؤ على المحظورات أو الانتقاص من قيمته.
وشمل اهتمامه تعليم الناس ضبط النفس والتحلّي بالصبر، مع التحذير من الغضب الذي وصفه بأنه مفتاح كل شر، ومن الحقد والأنانية التي تضعف الروابط الاجتماعية. كما ركّز على قيمة الصدق في القول والعمل، والتزام الإنسان بأداء الأمانة تجاه الناس، سواء كانوا صالحين أو فجارًا، باعتبار ذلك علامة على الورع والوراثة الحقة للدين.
اقرأ ايضاً
وتطرقت الأحاديث أيضًا إلى العلاقات الاجتماعية، حيث أوصى الإمام بحب الأبرار والبغض للفجار باعتدال، وحذر من صداقة الجاهل، وبيّن أن الودّ مع المؤمنين والاعتماد على الله في التعامل مع الناس يجلب البركة، ويكون حجة على الكافرين، كما بيّن أهمية الصداقة القائمة على الورع والكرم والحلم، والبعد عن مدح غير المستحق، والحرص على نسيان سيئات الآخرين وتذكّر إحسانهم.
ومن حيث العبادة، شدّد الإمام على أن العبادة الحقة ليست بمجرد كثرة الصلاة أو الصيام، بل بالتفكّر في أمر الله، ومراعاة ما أمر الله به في كل شؤون الحياة، والسعي إلى معرفة الحكمة وراء الأوامر الإلهية، كما أوصى بالاستمرار في ذكر الله، والتأمل في الموت، والتلاوة المستمرة للقرآن، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما فيها من ثواب عظيم.
كما عالج الإمام مسائل التزكية الداخلية، مثل حرمة الرغبات التي تذل الإنسان، وضرورة ترك الذنوب، والانصراف عن المظاهر الدنيوية الفارغة، والحذر من المجالس التي لا ينفع فيها العلم، مع التركيز على دور الإنسان في تقويم نفسه قبل تقويم الآخرين، وبيّن أن الإنسان يجب أن يكون زينة في الأرض للخير، ولا يكون سببًا للفساد أو الشر، فالخيرات تثمر سعادة، والشرور تؤدي إلى الندامة.
كما تناول الإمام موضوع العلم والفقه، مؤكدًا على أن الفقهاء الصالحين هم قدوة للناس، والاقتداء بهم يكون واجبًا، مع الحذر من اتباع الفسقة من الذين يسيئون تفسير الدين، وبيّن أن معرفة الأحكام والقصص النبوية وأحاديث الأئمة السابقين يجب أن تكون تحت إشراف من يتقنها ويعرف الغاية منها، حتى لا يُحرف الدين أو تُشوّه مقاصده.
وأخيرًا، ركّزت أحاديثه على التأمل في الحياة والموت، وأهمية صلاة الليل، واتباع الأدب في التعامل مع الآخرين، والحرص على الصدق والوفاء، والحذر من المبالغة في الإكرام أو التعظيم الذي يثقل على الناس.
وبهذه التعاليم، رسم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) خارطة طريق للعيش الصالح، تجمع بين التقوى والعبادة والعمل الاجتماعي القويم، لتنشئة مجتمع قائم على الأخلاق والإيمان والعدل.