شاركوا هذا الخبر

زيارات السيد حسن نصرالله إلى إيران وتشكّل علاقة حزب الله مع الجمهورية الإسلامية

في عام 1361 هـ.ش (1982 م)، قرر نصرالله السفر إلى قم للمرة الأولى، وأقام فيها ثلاثة أشهر. لكنه عاد إلى لبنان بسبب أحداث داخلية بعد اغتيال السيد محمد باقر الصدر على يد نظام صدام، وظهور خلافات بين لبنانيين وحزب البعث العراقي – فرع بيروت، المعروف باسم "طلائع لبنان العربي الاشتراكي" بقيادة عبد المجيد الرافعي.

زيارات السيد حسن نصرالله إلى إيران وتشكّل علاقة حزب الله مع الجمهورية الإسلامية

خاص الكوثر_مقالات

دخول شاب لبناني إلى قم

في عام 1366 هـ.ش (1989 م)، وصل شاب لبناني إلى مدينة قم لمتابعة دراسته الحوزوية، ومكث فيها عامين. ذلك الشاب الذي سيصبح لاحقاً إحدى الشخصيات البارزة والمؤثرة في لبنان والعالم العربي: السيد حسن نصرالله.

لم تكن هذه الرحلة مجرد محطة دراسية له، بل شكلت نقطة الانطلاق للعلاقة الاستراتيجية بين حزب الله في لبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

فقد تركت تجاربه الشخصية ولقاءاته مع العلماء والقادة العسكريين الإيرانيين الأساس لعلاقة تعاون مستمرة. عاد نصرالله عام 1368 هـ.ش إلى لبنان بسبب تصاعد التوترات هناك.

وُلد السيد حسن نصرالله في شرق بيروت، ودرس في الحوزة العلمية في مدينة بعلبك. انضم لاحقاً إلى حركة "أمل"، وعندما كان في الحادية والعشرين من عمره، قام برحلة إلى طهران عام 1360 هـ.ش حيث التقى بالإمام الخميني، الذي عيّنه ممثلاً له في الأمور الشرعية واستلام الحقوق الشرعية. كما زار طهران سنة 1361 هـ.ش بصفته مشرفاً على الفريق الرياضي لحركة أمل.


أول رحلة إلى إيران

في عام 1361 هـ.ش (1982 م)، قرر نصرالله السفر إلى قم للمرة الأولى، وأقام فيها ثلاثة أشهر. لكنه عاد إلى لبنان بسبب أحداث داخلية بعد اغتيال السيد محمد باقر الصدر على يد نظام صدام، وظهور خلافات بين لبنانيين وحزب البعث العراقي – فرع بيروت، المعروف باسم "طلائع لبنان العربي الاشتراكي" بقيادة عبد المجيد الرافعي.


في تلك الرحلة الأولى، التي قام بها منفرداً، واجه صعوبات أمنية: فقد تم توقيفه في مطار مهرآباد، وبقي يومين رهن الاعتقال، حيث خضع لتحقيق حول هويته ونشاطاته السياسية وصلاته بلبنان. ثم أُفرج عنه مع اعتذار السلطات الإيرانية. وقد قال في مقابلة لاحقاً:


 "دخلت مطار مهرآباد، وكان المسؤول الأمني الذي يفتش الناس يضع سلسلة ذهبية ويحلق لحيته. الذين لم تكن لهم لحى أو نساؤهم سافرات مروا بسهولة، بينما أُوقفنا نحن، أصحاب العمائم واللحى، ومنعونا من المغادرة. نقلونا ليلاً إلى معتقل كان في مبنى صادر من النظام السابق، وبقيت يومين هناك. لم أُحتجز في حياتي كلها إلا في الجمهورية الإسلامية، وكان ذلك الأمر مؤلماً لي جداً".


ويذكر حميد داوود آبادي في كتاب السيد العزيز أن هذه الحادثة وقعت في أوائل الثمانينات، حين كانت شؤون الأمن والاستخبارات في عهدة "مكتب المعلومات في رئاسة الوزراء" قبل تأسيس وزارة الاستخبارات، بإشراف خسرو قنبري تهراني وسعيد حجاريان، الذين كانوا على خلاف مع الحرس الثوري، فقاموا بمثل هذه الإجراءات.
بعد سنوات، عاد السيد حسن نصرالله إلى قم ليتابع دراسته الدينية، وتعلم اللغة الفارسية كي يتمكن من تعزيز علاقته مع علماء إيران وقادتها السياسيين والعسكريين.


التعرّف إلى العلماء ودور إيران في لبنان

بعد اجتياح العدو الصهيوني للبنان عام 1982، أُرسلت قوات من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان لمساندة اللبنانيين والسوريين في بناء مقاومة داخلية. يذكر نصرالله في مقابلاته أن هذه القوات كانت في البداية تشارك ميدانياً في القتال، ثم بقيت كمستشارين ومدربين.

في تلك الفترة، التقى نصرالله قادة إيرانيين بارزين مثل قاسم سليماني وحسين أمير عبد اللهيان، فترسخت علاقاته مع الحرس الثوري والعلماء الإيرانيين، وكان لذلك دور حاسم في تأسيس وتعزيز حزب الله.


مهمة سياسية وتمثيل حزب الله في إيرانفي عام 1368 هـ.ش، عاد نصرالله إلى قم بإذن من آية الله خامنئي، وتولى مهمة ممثل حزب الله في إيران، حيث تابع نشاطات سياسية وتعليمية للحزب، إضافة إلى دراسته. كانت هذه المهمة بمثابة الأساس لبناء علاقة رسمية وثابتة بين حزب الله والجمهورية الإسلامية.


وبعد عامين، رغم توصية السيد القائد ببقائه في قم، أصرّ السيد عباس الموسوي (الأمين العام لحزب الله آنذاك) على عودته إلى لبنان لإدارة الأزمة الداخلية. فاستفاد نصرالله من تجاربه وصلاته التي بناها في إيران لترسيخ علاقة الحزب بها.


رحلات متعددة ولقاءات مع قادة إيران

قام السيد حسن نصرالله بعدة زيارات إلى إيران التقى خلالها بالقيادة العليا:


اللقاء الأول مع الإمام الخميني في حسينية جماران أوائل الثمانينات.

لقاءات متكررة مع الامام الخامنئي منذ عام 1365 هـ.ش.

اجتماعات تنسيقية مع قادة الحرس الثوري، منهم الشهيد قاسم سليماني.

إقامته في طهران وقم لمتابعة مهامه كممثل لحزب الله.

هذه اللقاءات جعلته يعتبر إيران بلداً شقيقاً وداعماً للبنان والمقاومة، وظل وفياً لمصالحها الإقليمية.


تأثير الرحلات على سياسات حزب الله
تبني فكر الجمهورية الإسلامية والالتزام بقيادة الامام الخامنئي.
التنسيق الاستراتيجي مع إيران سياسياً وعسكرياً.
بناء شبكة علاقات مباشرة مع المسؤولين الإيرانيين.
تعزيز صورة حزب الله في لبنان كمقاومة مرتبطة بمحور إقليمي قوي.

 

المقاومة وعلاقتها بإيران

يقول السيد حسن نصرالله: "ما يربط حزب الله بإيران هو المقاومة في لبنان، بما تحمله من مصالح أمنية وكرامة وحرية". ويؤكد أن السفارة الإيرانية لم تتدخل يوماً في قرارات الحزب.
وفي الذكرى الثالثة والأربعين لانتصار الثورة الإسلامية، سُئل: بأي شعور تحتفلون بهذه المناسبة؟ فأجاب:

"يستحضر الإنسان تلك الأيام من الفرح العظيم بانتصار الثورة. أتذكر عام 1979 حين كان العالم كله، صديقاً كان أم عدواً، يتابع حركة الإمام الخميني في باريس. كان قلب عشرات الملايين معه وهو يعود إلى طهران، والجميع قلق من مصير الطائرة. ثم الاستقبال الشعبي المليوني الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً هذه من أيام الله الكبرى".

القيادة في إيران من وجهة نظر نصراللهيرى أن أبرز ما يميز قيادة إيران، سواء الإمام الخميني أو آية الله خامنئي، هو أنها قيادة شعبية حقيقية أفرزتها ثورة جماهيرية، وأن إيران مثال لدولة مستقلة ذات سيادة كاملة. ويعتبرها قوة إقليمية كبرى لها إنجازات في المجالات العلمية والتكنولوجية والزراعية والعسكرية والاقتصادية، ما يدل على كفاءة قيادتها ونظامها.


استقلالية القرار عند حزب الله ودور إيران

في مقابلة عام 2022، شدّد قائلاً: "يقال أحياناً إن إيران تقرر عن حزب الله أو أن بيننا خلافات، وهذا خطأ. حزب الله هو صاحب القرار، ومصالح لبنان هي الأولوية. نعم، إيران صديقة وحليفة، لكنها لا تفرض قراراتها علينا، كما أن أنصار الله في اليمن يتخذون قراراتهم بأنفسهم". وأضاف: "إيران دعمت دوماً المقاومة، وساعدت لبنان دون أن تتدخل في شؤونه الداخلية".


خلاصة

إن رحلات السيد حسن نصرالله إلى إيران لم تُشكل فقط مساره العلمي والفكري، بل أرست العلاقة الاستراتيجية بين حزب الله والجمهورية الإسلامية. فقد أتاحت له دراسته في الحوزة، وتعلمه اللغة الفارسية، ولقاءاته المتكررة مع العلماء وقادة الحرس الثوري، أن يؤسس لحزب الله موقعاً سياسياً ومقاوماً مؤثراً في لبنان، وعلاقة ثابتة وعميقة مع إيران، ما يزال تأثيرها واضحاً حتى اليوم.


الكاتبة: السيّدة مریم پیشنمازي

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة