شاركوا هذا الخبر

عسقلان، المدينة التي لم تمت | راديو غزة

هل جربت أن تمشي في مدينة لا تراها؟ مدينة اندثرت، لكنك تسمع صوتها في ذاكرة أهلها، ترى حجارتها في جدران مدن أخرى، وتشُم عبيرها في حكايا الجدات، في ملامح الراحلين، وفي أسماء الشهداء. هنا... نتحدث عن عسقلان. المدينة الفلسطينية الساحلية التي لم تكن مجرد مدينة، بل كانت حصنًا، وكانت رباطًا، وكانت فداءً.

خاص الكوثر - راديو غزة

🔹 بين عكا وعسقلان

إن كانت عكا المدينة الثكلى، والقلعة التي ظلت تحرس ساحل فلسطين الشمالي، فإن عسقلان كانت مرابط ثغر البلاد على الساحل الجنوبي... بوابة الجنوب، وسد البحر أمام غزاته.

عكا بقيت بأسوارها، أما عسقلان فاختارت أن تبقى فكرةً... بعد أن دُمّرت في "صلح الرملة" عام 1192م.

هُدمت عسقلان، لكنها لم تمت. من بين أنقاضها، وُلِدت قرى حملت ذاكرتها: المجدل، الجورة، حمامة... كشجرةٍ عتيقةٍ، اقتُلِعت، ولكنها أصرت أن تعود كأغصانٍ جديدةٍ من ذات الجذور.

🔹 عسقلان، مدينة الاسم والمعنى

عُرفت عسقلان بهذا الاسم منذ عصور الكنعانيين، وربما كان معناه "المهاجرة"، أو "الحجارة الضخمة"، أو كما جاء في لسان العرب: أعلى الرأس.

ويقال: "للشام غرتان: غزة وعسقلان." وعندما فتحها المسلمون بقيادة عمرو بن العاص سنة 640م، صارت حصنًا أمام البحر، وقلعةً في وجه الغزاة.

🔹 المدينة التي لا تنام

أُسقطت عسقلان بيد الصليبيين سنة 1153م، بعد خمسين عامًا من سقوط القدس، وكانت آخر مدينة ساحلية تسقط.

لكنها لم تعرف النوم.

أهلها كانوا مرابطين، مهاجرين من قبائل عربية، وفيئين لمكانٍ تحول من مدينةٍ إلى فكرة.

ضريح الشيخ عوض في شمال المدينة، بقي شاهدًا على جهادهم، حيث استُشهد في حروب صلاح الدين، ودفن حيث قاتل.

وضريح الشيخ محمد، الفلاح الذي لبى نداء الجهاد، وترك محراثه، وقاتل بمذراة القمح، واستُشهد في وادٍ صار يُعرف بـ"وادي الدم"، حيث صار لون النمل أحمر... من كثرة الدماء.

🔹 مقبرة الأبطال

في عسقلان، توجد مقبرة قريش، التي تشبه المقابر العسكرية في أيامنا.

مرقدٌ للمرابطين من ريف غزة وديار بئر السبع، الذين أوصوا أن يُدفنوا فيها... في المدينة التي لم تعد مدينةً، ولكنها بقيت ذاكرةً لا تموت.

🔹 عسقلان في غزة

حجارة عسقلان، بعد أن خُرّبت، حُمّلت لبناء بيوت غزة.

عسقلان، المدينة التي لم تمت. مدينة فلسطينية ساحلية، تاريخها يمتد لآلاف السنين، مرت بتحديات وصراعات، لكنها ظلت حية في ذاكرة شعبها.

بعد نكبة 1948، هجّر الاحتلال أهالي قرى عسقلان، لكنهم لجأوا إلى غزة، حاملين معهم ذكرياتهم وتاريخهم. من المجدل والجورة وحمامّة، خرج القادة والمجاهدون، مستمرين في حمل الراية.

من هناك، برزت أسماء مثل الشيخ أحمد ياسين، إسماعيل هنية، حنفي فرحات، وأحمد بحر، الذين حملوا مشعل المقاومة.

🔹 عسقلان لا تزال حاضرة في القلوب والعقول، في أسماء الفصائل، قصائد المقاومة، مقابر الشهداء، لهجة الناس، وفي ذاكرة الرمل والبحر والبيوت. هي المدينة التي انهارت جدرانها، لكن روحها لم تهزم.

ختامًا، عسقلان لم تمت. هي معنا، فينا، وعلى وعدها أن لا يسقط الحصن مرتين.

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة