الكوثر_مناسبات
لقد عاش كل شخص لحظات في حياته حيث اختار بين الخير والشر، الامتنان ونكران الجميل، الصبر والجزع، أو المغفرة والانتقام.
إن هذه الاختيارات لا تشكل مصير الفرد فحسب، بل تؤثر أيضًا على الهوية الروحية للإنسان. وأن أولئك الذين يسيرون في هذا الطريق بوعي يظهرون تدريجياً علامات العبودية في كيانهم ويصلون إلى موقف حيث لا يحررون أنفسهم من الظلمات فحسب، بل يصبحون أيضاً مصدر نور هاد للآخرين.
اقرأ أيضا:
لذلك فإن كل اختيار هو بمثابة بذرة مزروعة في تربة وجود الإنسان، وتظهر ثمارها في السلوك، الكلام والتفكر مع مرور الزمن . وتعتبر هذه الثمار مرآة للمعتقدات والقيم التي زرعها الإنسان في حياته.
عندما يفضل الإنسان الخير على الشر ويتغلب على التحديات بالامتنان والصبر، فإنه في الواقع اتخذ خطوة نحو التقرب من الله وقاد روحه نحو النور والكمال. وهذا المسار، على الرغم من كونه مليئا بالصعود والهبوط، ولكنه يصبح منصة للنمو والمعنويات لأولئك الذين لديهم هدف نبيل.
سئل الإمام الرضا (ع) عن خيار العباد، فَقالَ عليه السلام:
"اَلَّذينَ اِذا اَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا، وَاِذا اَساؤُوا اسْتَغْفَرُوا، وَاِذا اُعْطُوا شَكَرُوا، وَاِذَا ابْتَلَوْا صَبَرُوا، وَاِذا غَضِبُوا عَفَوا". (تحف العقول، ص 445).
يصور هذا الحديث الشريف نفس الاختيارات الواعية وردود الفعل الحكيمة التي تميز العباد الصالحين عن غيرهم. إنهم صادقون ليس فقط في أفعالهم، بل أيضًا في نواياهم ودوافعهم؛ لأنهم يعلمون أن العبودية الحقيقية تتجاوز الأداء الظاهري للعبادة، وتتجذر في أعماق السلوك، الكلام، وحتى العواطف البشرية.
إن الخصائص التي يذكرها الإمام الرضا (عليه السلام) تدل على منظومة أخلاقية متوازنة وكاملة:
-الشكر على النعم، دليل على معرفة المنعم.
-الصبر على الشدائد هو مظهر من مظاهر الإيمان بالحكمة الإلهية.
-العفو عند الغضب مظهر من مظاهر الكرامة وعزة النفس.
وهذه ليست مجرد سمات فردية، بل هي أسس مجتمع إلهي يتصرف فيه البشر على أساس القيم السامية وليس على أساس ردود الفعل الغريزية.