الكوثر - حكاية القدس
وبعد سنواتٍ عجاف في الزنازين، يخرج أحمد من الأسر ليس طفلا كما دخل؛ بعدما شُوّهت طفولته بالتعذيب والترهيب، بل شابا يبلغ من العمر 23 عاما، يحمل في ذاكرته من الأوجاع ما لا يُنسى وما لا يُمحى.
مشهد الطفل أحمد مناصرة وهو يتعرض للتحقيق القاسي من دون وجود محامٍ أو ولي أمر انتشر كالنار في الهشيم، إذ كانت جملة "مش متذكر" هي ما عُرف به، عندما سرّب الاحتلال مقطع فيديو له، وهو يجيب ضابط التحقيق عن تفاصيل ما حدث معه عند اعتقاله وإصابته، بعد استشهاد ابن عمه حسن مناصرة في القدس المحتلة عام 2015.
وظهر أحمد في المقطع باكيا وهو يواجه محققا فظا بقوله "مش متأكد" و"مش متذكر"، في وقت ظل فيه المحقق يصرخ بصوت عال في وجه مناصرة بغية زعزعته ونيل اعترافات مجانية منه تعزز رواية الاحتلال.
اقرأ ايضاً
كان ذلك عندما كان أحمد يبلغ من العمر 13 عامًا و9 أشهر، ومنذ ذلك الوقت وهو أسير لدى الاحتلال، بعدما صدر بحقه حكم بالسجن 12 عامًا، خُفِّف لاحقا إلى 9 سنوات ونصف. لكن الزمن خلف القضبان لا يُقاس بالأرقام، بل بما يتركه في الروح من شروخ لا تُرى.
كيف أفرج عن أحمد مناصرة؟
أفرجت سلطات الاحتلال عن الشاب أحمد مناصرة بشكل مفاجئ ومن دون تنسيق سابق مع عائلته، وذلك في منطقة بئر السبع التي تبعد عشرات الكيلومترات عن مدينة القدس، مسقط رأسه ومكان إقامة عائلته.
الإفراج لم يكن من سجن نفحة كما كان متوقعا، بل نُقل إلى منطقة نائية دون إبلاغ العائلة، وذلك ما أثار كثيرا من التساؤلات حول نية الاحتلال في طريقة الإفراج.
ولدى وجوده في الشارع بعد الإفراج، التقى أحمد أحد الشبان الذي لاحظ حالته وتواصل فورا مع عائلته، وصلت العائلة إليه.
وقبيل عودته إلى منزله، استدعي أحمد إلى مركز تحقيق المسكوبية، في خطوة تُفهم ضمن سياسة الترهيب التي يتعرض لها، سواء عبر التهديد بمنع إقامة استقبال له، أو منعه من التواصل مع الإعلام.
ووفقًا لتقرير "منظمة العفو الدولية"، يعاني مناصرة من صدمات نفسية وجسدية حادة نتيجة للتعذيب الذي تعرض له منذ يوم اعتقاله قبل 9 سنوات، قائلة إنه إلى اليوم، يعاني من آلام مزمنة في الرأس واضطرابات نفسية خطيرة تحتاج إلى دعم وعلاج مستمر.