خطبة النبي محمد (ص) في غدير خُم والبيعة لعلي (ع)

الأحد 17 يوليو 2022 - 09:38 بتوقيت مكة
خطبة النبي محمد (ص) في غدير خُم والبيعة لعلي (ع)

أهل البيت-الكوثر: في السنوات الأخيرة من حياة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) الشريفة ابدا جهداً واهتماماً كبيراً في سبيل تعيين مصير الدين والمجتمع الإسلاميّ. فتأكيده المتكرّر في التذكير بحديث الثقلين، وتشبيه منزلة أمير المؤمنين عليّ (ع) بمنزلة هارون (ع) في حديث المنزلة، ونزول آية التطهير وتفسيرها والتعريف بأهل البيت (عليهم السلام)، كلّ ذلك يصنّف من جملة هذه الجهود.

وترتسم قمّة هذا النشاط في وقعة الغير. وحسب ما صرّح به علماء مدرسة الخلافة، فقد نقلت الوقعة بنحو متواتر في المصادر القديمة والمعتبرة الحديثيّة والتاريخية.

في شهر ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة وقبل ثلاثة أشهر من وفاة الرسول الأكرم (ص) وعند رجعته من الحج، جمع الرسول (ص) الناس في صحراء قاحلة في منطقة تسمّى بـ(خمّ) وتحدّث لهم.

وإنّ الالتفات إلى الخصائص التي واكبت الحدث والقرائن التي رافقته، تبيّن لنا غاية النبيّ الأكرم (ص) من منحاه في الخطبة ومعناها ومضمونها.

فالرسول الأكرم (ص) لم ينطق بـ(من كنتُ مولاه فعليّ مولاه) في اجتماع خاصّ وبين أسرته وإنّما أعلنه في خطاب عامّ بعد صلاة الظهر بحضور جمع غفير من المسلمين الذي اجتمعوا في تلك الصحراء القاحلة بخمّ بأمر من الرسول وكانوا ينتظرون خطبته.

أشير في صحيح مسلم ـ ثاني الكتب المعتبرة لدى مدرسة الخلافة ـ إلى خطاب النبيّ الأكرم (ص) وخطبة الغدير (۱) كما أشار أحمد بن حنبل(۲) وابن هشام (۳) ـ من مؤرّخي التأريخ الإسلاميّ، وابن كثير الدمشقي (۴) ـ من أكثر محدّثي مدرسة الخلافة تشدّداً، إلى خطبة الرسول الأكرم (ص). ولكن لم تذكر هذه المصادر إلاً جزءاً من مضامين هذه الخطبة ولم تأت بكامل نصّها للأسف.

ولكن المصادر الشيعيّة نقلت روايات عديدة حول خطبة النبيّ الأكرم (ص) ممّا يشتمل على المضامين المتشتّتة المتواجدة في مصادر مدرسة الخلافة الروائيّة. فقد ذكر ثقة الإسلام الكلينيّ (رض) في رواية بأسانيد عديدة ومعتبرة خطبة قصيرة عن النبيّ الأكرم (ص) (۵).

ونجد في أسناد هذه الرواية خمسة من أصحاب الإجماع ممّا يجعل الرواية في مستوى عالي من الإتقان والاعتبار. كما نقل الشيخ الصدوق بأسناد معتبرة رواية جامعة في خطبة النبيّ الأكرم (ص) تشتمل على مجموع ما ورد في روايات أهل السنّة حول هذه الخطبة (۶). ونجد رواية مفصّلة أخرى حول خطبة الغدير في كتب روضة الواعظين والاحتجاج والتحصين واليقين أيضا (۷) . وهنا نذكر نصّ رواية الشيخ الصدوق التي تشتمل مضافاً إلى اعتبارها السنديّ على مضامين رائعة:

(حَدَّثَنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوَليد رضي اللّه عنه قال: حَدَّثَنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخَطَّاب، ويعقوب بن يزيد جميعاً، عن محمد بن أبي عُمَير، عن عبد اللّه بن سِنان، عن مَعرُوفِ بن خَرَّبُوذ، عن أبي الطُفَيل عامِر بن واثِلَة، عن حُذَيفَة بن أُسَيدِ الغِفاري: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) مِن حَجَّةِ الوِداعِ ونَحنُ مَعَهُ، أَمَرَ أَصحابَهُ بِالنُّزُولِ، فَنَزَلَ القَومُ مَنازِلَهَم، ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى بِأَصحابِهِ رَكعَتَينِ، ثُمَّ أَقبَلَ بِوَجهِهِ إِلَيهِم فَقالَ لَهُم:

" اِنَّهُ قَد نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ اَنِّي مَيِّتٌ وَاَنَّكُم مَيِّتُونَ، وَكَاَنِّي قَد دُعِيتُ فَأَجَبتُ، وَاِنِّي مَسؤُولٌ عَمَّا اُرسِلتُ بِهِ اِلَيكُم، وَعَمَّا خَلَّفتُ فيكُم مِن كِتابِ اللَّه وَحُجَّتِهِ، وَاَنَّكُم مَسؤُولُونَ عَمَّا اُرسِلتُ بِهِ اِلَيكُم وعَمَّا خَلَّفتُ فيكُم مِن كِتابِ اللَّهِ وحُجَّتِهِ، واَنَّكُم مَسؤُولُونَ فَما اَنتُم قائِلُونَ لِرَبِّكُم؟

قالُوا: نَقُولُ: قَد بَلَّغتَ ونَصَحتَ وجاهَدتَ، فَجَزاكَ اللَّهُ عَنَّا اَفضَلَ الجَزاءِ.

ثُمَّ قالَ لَهُم: اَلَستُم تَشهَدُونَ اَن لا اِلهَ اِلا اللَّهُ، واَنِّي رَسُولُ اللَّهِ اِلَيكُم، وَاَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، واَنَّ النَّارَ حَقٌّ، واَنَّ البَعثَ بَعدَ المَوتِ حَقٌّ؟ فَقالُوا: نَشهَدُ بِذلِكَ. قالَ: اَللَّهُمَّ اشهَد عَلى ما يَقُولُونَ. اَلا واِنِّي اُشهِدُكُم اَنِّي اَشهَدُ اَنَّ اللَّهَ مَولايَ واَنَا مَولى كُلِ‏ مُسلِمٍ، واَنَا اَولَى بِالمُؤمِنينَ مِن اَنفُسِهِم، فَهَل تَقِرُّونَ [لِي‏] بِذلِكَ وتَشهَدُوُنَ لِي بِهِ؟

فَقالُوا: نَعَم، نَشهَدُ لَكَ بِذلِكَ.

فَقالَ: اَلا مَن كُنتُ مَولاهُ فَاِنَّ عَلِيّاً مَولاهُ، وهُوَ هذا.

ثُمَّ اَخَذَ بِيَدِ عَليٍّ فَرَفَعَها مَعَ يَدِهِ حَتَّى بَدَت آباطُهُما، ثُمَّ قالَ:

اَللَّهُمَّ والِ مَن والاهُ، وعادِ مَن عاداهُ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ واخذُل مَن خَذَلَهُ.

اَلا واِنِّي فَرَطُكُم واَنتُم وارِدُونَ عَلَيَّ الحَوضَ [ حَوضِي ] غَداً، وهُوَ حَوضٌ عَرضُهُ ما بَينَ بُصرى وصَنعاءِ، فِيهِ اَقداحٌ مِن فِضَّةٍ، عَدَدَ نُجُومِ السَّماءِ. اَلا، واِنِّي سائِلُكُم غَداً، ماذا صَنَعتُم فيما اَشهَدتُ اللَّهَ بِهِ عَلَيكُم فِي يَومِكُم هذا، اِذا وَرَدتُم عَلَيَّ حَوضِي؟ وماذا صَنَعتُم بِالثَّقَلَينِ مِن بَعدِي؟ فَانظُرُوا كَيفَ تَكُونُونَ خَلَّفتُمُونِي فيهِما حِينَ تَلقُونِي؟

قالُوا: وما هذانِ الثَّقَلانِ يا رَسُولَ اللَّهِ؟

قالَ: اَمَّا الثَّقَلُ الاَكبَرُ فَكِتابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، سَبَبٌ مَمدُودٌ مِنَ اللَّهِ ومِنِّي فِي اَيديكُم، طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ والطَّرَفُ الآخَرُ بِاَيديكُم، فيهِ عِلمُ ما مَضى وما بَقِيَ اِلى اَن تَقُومَ السَّاعَةُ وأمَّا الثَقَلُ الأَصغَرُ فَهُوَ حَليفُ القُرآنِ وهُوَ عَليّ‏ بنِ أبي‏ طالِب وعِترَتُهُ، وَاِنَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتَّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ.

قالَ مَعرُوفُ بنِ خَرَّبُوذ: فَعَرَضتُ هذا الكَلامَ عَلی اَبِي جَعفَر (ع) فَقالَ: صَدَقَ اَبُو الطُفَيل، هذا كَلامٌ وَجَدناهُ فِي كِتابِ عَلِيٍّ وعَرَفناهُ (8).

----------------------------------------------

الهامش

۱-  صحيح مسلم: ج ۴ ص ۱۸۷۳ الرقم ۲۴۰۸.

۲- مسند ابن حنبل: ج ۷ ص ۸۶ الرقم ۱۹۳۴۴.

۳- السيرة النبوية: ج ۴ ص ۴۲۲.

۴- البدایة والنهایة: ج ۵ ص ۲۲۷.

۵ -الكافي: ج ۱ ص ۲۸۹.

۶- الخصال: ص ۶۵ ح ۹۸.

۷ -روضة الواعظين: ص ۸۹ ـ ۱۰۱، الاحتجاج: ص ۶۶ ـ، التحصين: ص ۵۷۸، اليقين: ص ۳۴۳.

8 - الخصال: ص ۶۵، ح ۹۸،  بحارالانوار: ج۷۳ ص ۱۲۱.

إقرأ أيضا: بيعة الغدير ... مطالعة في موسوعة الغدير للعلامة الأميني

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 16 يوليو 2022 - 10:48 بتوقيت مكة
المزيد