من هم الراسخون في العلم؟

الثلاثاء 14 مايو 2019 - 09:15 بتوقيت مكة
من هم الراسخون في العلم؟

قال تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران : 7] .



هذا التعبير القرآني ورد في موضعين. هذا أحدهما هنا والآخر في سورة النساء ، إذ يقول { لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء : 162[

 

وبحسب المعنى اللغوي لهذه الكلمة ، فإنّها تعني الذين لهم قدم ثابتة في العلم والمعرفة.

 

طبيعي أن يكون معنى الكلمة واسعاً يضمّ جميع العلماء والمفكّرين ، إلاَّ أنّ بين هؤلاء أفراداً متميّزين لهم مكانتهم الخاصّة ، ويأتون على رأس مصاديق الراسخين في العلم وتنصرف إليهم الأذهان عند استعمال هذه الكلمة قبل غيرهم.

 

وهذا هو الذي تقول به بعض الأحاديث التي تفسّر الراسخين في العلم بأنّهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمّة الهُدى (عليهم السلام) ، فقد سبق أن قلنا إنّ لكلمات القرآن ومفاهيمه معاني واسعة ، ومن مصاديقها البارزة الشخصيّات النموذجية السامية التي تُذكر أحياناً وحدها في تفسير تلك الكلمات والمفاهيم.

 

عن بريد بن معاوية قال : قلت لأبي جعفر «الباقر» (عليه السلام) : قول الله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران : 7 ، 8] قال : «يعني تأويل القرآن كلّه ، إلاَّ الله والراسخون في العلم ، فرسول الله أفضل الراسخين ، وقد علّمه جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله منزلاً عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه» (1(.

 

وهناك أحاديث كثيرة أُخرى في أُصول الكافي (2) وسائر كتب الحديث بهذا الشأن ، جمعها صاحبا تفسير «نور الثقلين» وتفسير «البرهان» في ذيل هذه الآية.

 

وكما قلنا فإنّ تفسير الراسخين بالعلم بأنّهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمّة الهُدى (عليهم السلام) لايتعارض مع المفهوم الواسع الذي يشمله هذا التعبير ، فقد نقل عن ابن عبّاس أنّه قال «أنا أيضاً من الراسخين في العلم» (3) إلاَّ أنّ كلّ امريء يتعرّف على أسرار تأويل آيات القرآن بقدر سعته العلمية ، فالذين يصدرون في علمهم عن علم الله اللامتناهي لا شكّ أعلم بأسرار تأويل القرآن ، والآخرون يعلمون جزءاً من تلك الأسرار.

_____________________

1ـ تفسير العيّاشي : ج 1 ص 164. واصول الكافي ، ج1 ، ص186و213 و416

2ـ اُصول الكافي : ج 1 ص 213.

3- تفسير مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث : وشرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج6 ، ص 405 .

 

المصدر : كتاب التفسير الامثل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 14 مايو 2019 - 09:14 بتوقيت مكة