لماذا...جعل الله قيام الساعة ووقتها غير معلوم؟

الأحد 6 يناير 2019 - 10:27 بتوقيت مكة
لماذا...جعل الله قيام الساعة ووقتها غير معلوم؟

تكرّر السؤال عن الساعة في القرآن الكريم ثلاث مرات، منها اثنتان في هذه الآية، والثالثة في الآية الشريفة (42) من سورة النازعات ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا﴾. ويستفاد من هذا التكرار أن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله كثيراً حول هذا الأمر...

آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

يقول تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 187). تكرّر السؤال عن الساعة في القرآن الكريم ثلاث مرات، منها اثنتان في هذه الآية، والثالثة في الآية الشريفة (42) من سورة النازعات ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا﴾. ويستفاد من هذا التكرار أن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله كثيراً حول هذا الأمر، ولكن ما كان هدف سائليه؟ هل كانوا حقاً يسعون وراء فهم موضوع ما، ويهدفون إلى أن يزيدوا إلى معلوماتهم شيئاً جديداً، أو أن هدفهم كان أغراضاً أخرى فاسدة؟

سبب النزول

توجّه جمع من مشركي العرب (العاص بن وائل والنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط) إلى نجران، وهي مدينة تقع بالقرب من مكة، للّقاء بعلمائها والتوصل إلى أساليب جديدة في محاربة الرسول صلى الله عليه وآله، وسألوهم: ماذا ينبغي أن نفعل حتى نقضي على مصداقية الرسول بين أصحابه؟ فأجابوهم قائلين: إنَّ إحدى أعقد هذه المسائل، أن تسألوه عن زمان قيام الساعة. وإنكم تستطيعون أن تحقِّقوا بذلك هدفكم، لأنه إن ادّعى أنَّه يعلم وقت الساعة فهو كاذب لأن الله لم يطلع هذا الأمر على أي ملك مقرب أو نبي مرسل. فرجع هؤلاء المشركون وطرحوا هذا السؤال على رسول الله صلى الله عليه وآله بهدف إحراجه، فنزلت هذه الآية الشريفة، وردّت عليهم بأن وقت قيام الساعة من الأمور التي لا يعلمها إلا الله وأن رسوله صلى الله عليه وآله غير مطلع عليه(1).

يوم القيامة

هناك موضوعان ينبغي الاهتمام بهما والتأمل حولهما:

-1 ثقيل ومزلزل

إنَّ أمر القيامة ليس بسيطاً بل ثقيل ومزلزل، حيث ينهار كلُّ شيء على أعتابه، حتى الجبال الراسيات الشامخات التي تُزال عن أماكنها مع ما لها من عظمة بل إنّها تُقذف في السماء وتتحول إلى غبار وتراب، وتشتعل النيران وتدمّر الزلازل كل شيء وتقلب الكرة الأرضية رأساً على عقب، فيموت الجميع خوفاً وفرقاً، وتنتهي الدنيا بهذه الطريقة.

-2 يأتي بغتة

إنَّ بدء يوم القيامة لا يكون بالتدريج، بل يكون بشكل مفاجئ وبدون خبر مسبق، إذ يمكن وصف يوم القيامة بزلزال يحدث فجأة ويقضي على آلافِ الأشخاص.كونوا مستعدين إن رسالة الآية الشريفة لجميع مخاطبيها تتمثَّل بـ:

أولاً: لا تسألوا عن أشياء لا تنفعكم.

ثانياً: كونوا على استعداد دائم للموت، لأنَّ القيامة إذا دقَّت ساعتها فإنها لا تمهل الإنسان أية فرصة أبداً. فما دامت الفرصة مؤاتية لكم فاعملوا واهتمّوا بما تعملون به، وتوبوا من ذنوبكم، وعوّضوا ما اقترفتم من ذنوب بالأعمال الصالحة، وأعيدوا الحقوق إلى أصحابها، وأبرئوا ذممكم من هؤلاء الذين تعدّيتم على حقوقهم، وأدّوا حقوقكم الشرعية، واقضوا صلواتكم وصيامكم، ولا تقصّروا في أداء كفَّاراتكم ونذوركم وعهودكم التي في ذمتكم؛ لأنَّ وقت الزلزال غير معيّن، وعندما يبدأ فلن يعود هناك أية فرصة.

فلسفة عدم معرفة وقت قيام الساعة

قد يتساءل بعضهم عن سبب جعل بعض الأمور مجهولة وغير معلومة، ولِمَ جعل الله قيام الساعة ووقتها غير معلوم؟ وما فلسفة ذلك؟ والجواب: إنه إذا كان قيام الساعة ووقتها معلوماً ومحدداً لأصيب الناس بالغفلة، ولكنه إذا كان مجهولاً وغير معلوم عندها يكون الناس دائماً في انتظار ذلك اليوم لحظة بلحظة ولا يبتلون بالغفلة، وهكذا نهاية عمر الإنسان غير معلومة ولا يستطيع أي شخص أن يعرف لحظة موته، ما يمنعه عن الغفلة عن نفسه. إن الموت يأتي بغتة، ويأخذ بتلابيب روح الإنسان فجأة. وإن السكتات القلبية والجلطات الدماغية التي كثرت في هذه الأيام لهي من أكثر الشواهد على ذلك، إذ إن الجلطة لا تختص بشخص يعاني من مرض قلبي أو دماغي، بل إنها قد تصيب الشخص السليم الذي ليس له سابقة في المرض القلبي والدماغي، فلذا يجب على الإنسان أن يكون مستعداً للموت كل لحظة وأن يهيئ نفسه لذلك السفر. ولكي لا نصاب بالغفلة، علينا أن نعمل على حفظ سجل أعمالنا طاهراً ونظيفاً وأن نتوب بأسرع ما يمكن من ذنوبنا ومعاصينا وأن نخفف عن كاهلنا أثقال تلك الذنوب.

القصد من السؤال:

إن أسئلة الناس، وبلحاظ قصدهم، تقسم إلى نوعين:

1-الأسئلة التي تطرح بهدف التعلم والفهم والمعرفة.

2-الأسئلة التي تطرح بغرض العناد. أحياناً يكون السؤال حول أصل العالم بعد الموت، وكيف يستطيع الإنسان أن يبعث من جديد بعد موته وبعد دفنه في التراب.

مثل تلك القصة التي أخذ فيها الأعرابي عظاماً نخرة بيده، وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وذرّ تلك العظام النخرة أمامه على الأرض، ثم سأله: من يقدر على أن يبدل هذه العظام الرميمة النخرة مرة أخرى إلى إنسان؟ فأجابه الله عزّ وجلّ على لسان رسوله: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ (يس: 79).

إن مثل هذا السؤال يطرح بهدف التعلم والمعرفة، ولذلك لما سمع ذلك الأعرابي ذلك الجواب المحكم والمنطقي من الله عزّ وجلّ قَبِله ورجع إلى بلده. ولكن أحياناً يكون الغرض من السؤال هو العناد، كالسؤال عن زمن قيام الساعة، لأن هذا السؤال ليس فقط بلا فائدة للإنسان، بل إذا أجيب عليه أضرّه، لذا يجب ترك طرح مثل هذه الأسئلة، ويجب السؤال عن الأعمال والأفعال التي تؤدي إلى نجاة الإنسان وإنقاذه يوم القيامة، وأن نسأل عن أعمال تبعدنا عن النار، وتقرِّبنا وتدلّنا إلى الجنة(2).

لذا يجب أن نسأل عن أمور تعود بالفائدة علينا ونتجنب العناد، واللجاج، مثل من يسأل عن زمن ظهور الإمام المهدي(عج)، وهو أمر لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ، فبدل ذلك يجب أن نكون مستعدين ومنتظرين لذلك اليوم ونقوم بالأعمال التي تجعلنا من أنصاره وأعوانه وجنوده، وعندها لا يهمّنا أيّان ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ما دمنا مستعدين.

الهوامش:

(1) البرهان في تفسير القرآن، ج2، ص622، الحديث 41119.

(2) مثل هذا النوع من الأسئلة، يمكن أن نراه في الروايات، وذلك على سبيل المثال، حين أتى شخص إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو متوجه إلى أحد الحروب، فوصل إليه وأخذ بزمام دابته وقال له: علمني عملاً يا رسول الله أدخل به الجنة، فأجابه صلى الله عليه وآله: "عامل الناس كما تحب أن يعاملوك ولا تعاملهم مثلما تكره أن يعاملوك". ميزان الحكمة، ج2، باب550، حديث 2550.

المصدر:مجلة بقية الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 6 يناير 2019 - 10:27 بتوقيت مكة