وكان ترامب قد أعلن أن هذه هي "أكبر عقوبات خرجت إلى حيز التنفيذ في التاريخ". وبدأت إدارة ترامب بفرض اجراءات الحظر على إيران، في بداية تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، بعدما أعلن الرئيس الأميركي عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، في أيار/مايو الماضي، بعد ثلاث سنوات من التوقيع عليه سوية مع الدول الكبرى، بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا.
وتمنع اجراءات الحظر الجديدة بيع المنظومة الدولية دولارات لإيران وشركات إيرانية، وشراء أو بيع الريال الإيراني خارج حدود إيران، وبيع الذهب والمعادن الثمينة لإيران. كذلك تم فرض حظر على بيع طائرات مدنية وسيارات إلى شركات إيرانية. والمرحلة الحالية من الحظر موجهة ضد النفط الإيراني
ولفتت دراسة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أمس الأحد، إلى أنه مقارنة بالعقوبات التي فرضتها على إيران إدارة باراك أوباما، ووصل سعر برميل النفط حينها إلى 100 دولار، فإن تلك العقوبات لم تؤثر على أسعار النفط، لكن في حينه بدأت أسعار النفط تنخفض لأسباب لا علاقة لها بالقضية الإيرانية، وبينها تباطؤ نسبي للاقتصاد الصيني والتكنولوجيا الأميركية الحديثة لإنتاج النفط. كما أن الاتفاق النووي ساهم في انخفاض آخر لأسعار النفط. وسوق النفط مختلف جدا اليوم عما كان عليه في عهد أوباما.
وقالت الدراسة إن النفط الإيراني كان يشكل 5% من مجمل إنتاج النفط في العالم حتى توقيع الاتفاق النووي، وإن هذه النسبة أخذت تتراجع بعد انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق. والنفط الإيراني اليوم، من حيث التصدير والإنتاج، أقل أهمية مما كان عليه في العام 2012، لأن العقوبات تأتي في مناخ اقتصادي مختلف كليا عن العام 2012. ويُنتج في العالم أكثر من 100 مليون برميل يوميا، الأمر الذي يقلل تأثير النفط الإيراني. كما أن التباطؤ النسبي في أسواق متطورة عموما والصين خصوصا، يؤدي إلى انخفاض معين في الطلب.
كما أن إنتاج السعودية للنفط ارتفع بطلب أميركي لسد النقص من النفط الإيراني. ورجحت الدراسة الإسرائيلية أن "تورط النظام السعودي بقضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، دفعت أيضا لاستجابة سعودية لطلب الإدارة الأميركية بالتدخل في سعر النفط العالمي، رغم أن السعودية ادعت أن ثمن منخفض أكثر مما ينبغي ليس مصلحة سعودية وستتم دراسة تقليص الإنتاج".
لكن هل بإمكان الولايات المتحدة وقف تصدير النفط الإيراني؟ وفقا للدراسة الإسرائيلية، فإن الإعفاء المؤقت الذي منحه البيت الأبيض لثماني دول – هي الهند، تركيا، الصين، اليابان، تايوان، كوريا الجنوبية، إيطاليا واليونان – سيجعل تصدير النفط الإيراني يصمد لإنتاج مليون برميل في اليوم على الأقل. كما أن الإيرانيين مقتنعون بقدرتهم على مواصلة تصدير النفط. وبحسب الدراسة، فإنه بإمكان إيران تصدير النفط من خلال تهريبه وإخفاء تنقل ناقلات النفط التي تحمل نفطا إيرانيا، أو برا بواسطة حاويات إلى دول مجاورة بينها تركيا وباكستان وأفغانستان وروسيا. وهناك شبكات تهريب روسيا تساعد على نقل النفط من إيران إلى سورية. وبحسب الدراسة، فإن "نقل النفط هذا يساعد إيران، ضمن أمور أخرى، على تمويل أنشطة حزب الله وحماس".
إضافة إلى ما تقدم، فإن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى الالتفاف على الحظر في المجال المالي بواسطة بناء مسار دفع، من أجل تمكين شركات أوروبية مواصلة تنفيذ صفقات تجارية مع إيران. وهذا المسار ليس ذا علاقة بالشركات الكبيرة، التي خرجت من إيران وبينها بنوك كبرى، إلا أن أهميته الأساسية سياسية، كجزء من المجهود الأوروبي لضمان بقاء إيران في الاتفاق النووي.
واعتبرت الدراسة أن فاعلية اجراءات الحظر ستقاس بحجم مدخولات إيران من النفط. وهذا متعلق بالقدرة الأميركية على إيصال حجم تصدير إيران للنفط إلى "مستوى الصفر" والحفاظ على أسعار نفط معقولة، خلافا للتوقعات الإيرانية.
وخلصت الدراسة الإسرائيلية إلى أنه "حتى نجاح العقوبات اقتصاديا لا يضمن حدوث تغيير في سياسة إيران، التي تقدر قيادتها أن إدارة ترامب معنية بتغيير النظام في طهران وأن نيته ليست باتجاه تسوية جديدة. ويذكر أن إيران صمدت في الماضي في وجه عقوبات شديدة جدا من التنازل عن عناصر جوهرية في سياستها، والحديث عن دولة اختبرت عقوبات، وتعلمت كيفية الالتفاف عليها. وعدا ذلك، فإنه في أعقاب الاتفاق النووي ورفع العقوبات في العام 2016، ارتفعت أرصدة إيران بالعملة الأجنبية إلى 100 مليار دولار، ويفترض بهذه الاموال أن تساعد ايران على الصمود الاقتصادي حتى بعد انتهاء فترة الإعفاء المؤقت من تطبيق العقوبات، الذي منحته الولايات المتحدة لثماني دول. بل إنه ليس مؤكدا أن هذه الدول ستتعاون مع الإدارة الأميركية وتتوقف عن استيراد النفط من إيران. من هنا، فإن طريق إيران نحو ’دمار اقتصادي’، مثلما تعهد الرئيس دونالد ترامب، طويلة جدا".