من سيرة النبي ابراهيم(ع)..."حسبي من سؤالي علمه بحالي.."

الجمعة 28 سبتمبر 2018 - 12:54 بتوقيت مكة
من سيرة النبي ابراهيم(ع)..."حسبي من سؤالي علمه بحالي.."

 وعندما لا يحقق المتعصبون شيئا عن طريق المنطق، فسوف يتوسلون بالقوة فورا، وقد طبقت هذه الخطة في حق إبراهيم تماما يقول القرآن الكريم: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾...

آية الله مكارم الشيرازي

تكلمنا في المقالة السابقة كيف أن النبي إبراهيم عليه  أوصل النمروديين في تلك المحكمة التاريخية إلى طريق مسدود، فمرة دخل إليهم عن طريق فطرتهم، وتارة خاطب عقولهم، وأخرى وعظم، وأحيانا وبخهم ولامهم. والخلاصة، فإن هذا المعلم الكبير قد دخل من كل الأبواب، وإستخدم كل طاقته، إلا أن من المسلم أن القابلية شرط في التأثير، وكان هذا قليل الوجود بين أولئك القوم للأسف.

تابعوا معنا في هذه المقالة ،ماذا حدث بعد ذلك...

مع أن عبدة الأوثان أُسقط مافي أيديهم نتيجة إستدلالات إبراهيم العملية والمنطقية، وإعترفوا في أنفسهم بهذه الهزيمة، إلا أن عنادهم وتعصبهم الشديد منعهم من قبول الحق، ولذلك فلا عجب من أن يتخذوا قرارا صارما وخطيرا في شأن إبراهيم، وهو قتل إبراهيم بأبشع صوره، أي حرقه وجعله رمادا.

 هناك علاقة عكسية بين القوة والمنطق عادة، فكل من إشتدت قوته ،ضعف منطقه، إلا رجال الحق فإنهم كلما زادت قوتهم يصبحون أكثر تواضعا ومنطقا.

 وعندما لا يحقق المتعصبون شيئا عن طريق المنطق، فسوف يتوسلون بالقوة فورا، وقد طبقت هذه الخطة في حق إبراهيم تماما يقول القرآن الكريم: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾.

 إن المتسلطين المتعنتين يستغلون نقاط الضعف النفسية لدى الغوغاء من الناس لتحريكهم  عادة  لمعرفتهم بالنفسيات ومهارتهم في عملهم! وكذلك فعلوا في هذه الحادثة، وألقوا شعارات تثير حفيظتهم، فقالوا: إن آلهتكم ومقدساتكم مههدة بالخطر، وقد سحقت سنة آبائكم وأجدادكم، فأين غيرتكم وحميتكم؟! لماذا أنتم ضعفاء أذلاء؟ لماذا لا تنصرون آلهتكم؟ "أحرقوا إبراهيم وانصروا آلهتكم "إذا كنتم لا تقدرون على أي عمل- ما دام فيكم عرق ينبض، ولكم قوة وقدرة.

 أنظروا إلى كل الناس، إنهم يدافعون عن مقدساتهم، فما بالكم وقد أحدق الخطر بكل مقدساتكم؟!

 والخلاصة، فقد قالوا الكثير من أمثال هذه الخزعبلات وأثاروا الناس ضد إبراهيم بحيث أنهم لم يكتفوا بعدة حزم من الحطب تكفي لإحراق عدة أشخاص، بل أتوا بآلاف الحزم وألقوها حتى صارت جبلا من الحطب ثم أشعلوه فإتقدت منه نار مهولة كأنها البحر المتلاطم والدخان يتصاعد إلى عنان السماء لينتقموا من إبراهيم أولا، وليحفظوا مهابة أصنامهم المزعومة التي حطمتها خطته وأسقطت أبهتها!!

 لقد كتب المؤرخون هنا مطالب كثيرة، لا يبدوا أي منها بعيدا...

ضجيج الملائكة:

إن الناس سعوا أربعين يوما لجمع الحطب، فجمعوا منه الكثير من كل مكان، وقد وصل الأمر إلى أن النساء اللاتي كان عملهن الحياكة في البيوت، خرجن وأضفن تلا من الحطب إلى ذلك الحطب، ووصى المرضى المشرفون على الموت بمبلغ من أموالهم لشراء الحطب، وكان المحتاجون ينذرون بأنهم يضيفون مقدارا من الحطب إذا قضيت حوائجهم، ولذلك عندما أشعلوا النار في الحطب من كل جانب إشتعلت نار عظيمة بحيث لا تستطيع الطيور أن تمر فوقها.

 من البديهي أن نارا بهذه العظمة لا يمكن الإقتراب منها، فكيف يريدون أن يلقوا إبراهيم فيها، ومن هنا اضطروا إلى الإستعانة بالمنجنيق، فوضعوا إبراهيم عليه وألقوه في تلك النار المترامية الأطراف بحركة سريعة.

 عندما وضعوا إبراهيم على المنجنيق، وأرادوا أن يلقوه في النار، ضجت السماء والأرض والملائكة، وسألت الله سبحانه أن يحفظ هذا الموحد البطل وزعيم الرجال الأحرار.

 إن جبرئيل جاء للقاء إبراهيم، وقال له: ألك حاجة؟ فأجابه إبراهيم بعبارة موجزة: "أما إليك فلا" إني أحتاج إلى من هو غني عن الجميع، ورؤوف بالجميع.

 وهنا إقترح عليه جبرئيل فقال: فاسأل ربك، فأجابه: "حسبي من سؤالي علمه بحالي". ناجى إبراهيم ربه في تلك الساعة:"يا أحد يا أحد، يا صمد يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، توكلت على الله".

 النار حديقة غناء:

وعلى كل حال، فقد ألقي إبراهيم في النار وسط زغاريد الناس وسرورهم وصراخهم، وقد أطلقوا أصوات الفرح ظانين أن محطم الأصنام قد فني إلى الأبد وأصبح ترابا ورمادا.

 لكن الله الذي بيده كل شيء حتى النار لا تحرق إلا بإذنه، شاء أن يبقى هذا العبد المؤمن المخلص سالما من لهب تلك النار الموقدة ليضيف وثيقة فخر جديدة إلى سجل إفتخاراته، وكما يقول القرآن الكريم: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.

 والمعروف أن النار قد بردت بردا شديدا إصطكت أسنان إبراهيم منه، وحسب قول البعض: إن الله سبحانه لو لم يقل: سلاما، لمات إبراهيم من شدة البرد. وكذلك نقرأ في رواية مشهورة أن نار النمرود قد تحولت إلى حديقة غناء. حتى قال البعض إن تلك اللحظات التي كان فيها إبراهيم في النار، كانت أهدأ وأفضل وأجمل أيام عمره.

 لا يخفى أن الوضع قد إختلف تماما ببقاء إبراهيم سالما، وخمدت أصوات الفرح، وبقيت الأفواه فاغرة من العجب، وكان جماعة يتهامسون علنا فيما بينهم حول هذه الظاهرة العجيبة، وأصبحت الألسن تلهج بعظمة إبراهيم وربه، وأحدق الخطر بوجود نمرود وحكومته، غير أن العناد ظل مانعا من قبول الحق، وإن كان أصحاب القلوب الواعية قد إستفادوا من هذه الواقعة، وزاد إيمانهم مع قلتهم.

المصدر:التفسير الأمثل

إقرأ أيضا:من سيرة النبي ابراهيم(ع)...إبراهيم في محكمة النمروديين

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 28 سبتمبر 2018 - 12:53 بتوقيت مكة
المزيد