مع المجالس الحسينية المكتوبة..المجلس الثاني من اليوم الثالث..نياحة الزهراء على الحسين!

الخميس 13 سبتمبر 2018 - 17:00 بتوقيت مكة
مع المجالس الحسينية المكتوبة..المجلس الثاني من اليوم الثالث..نياحة الزهراء على الحسين!

فقال : رأيت مولاتنا(عليها السلام) في النوم فقالت لي : امض إلى بغداد واطلبه وقل له : نح على ابني بشعر الناشي الذي يقول فيه ...

عبد الله ابن الحاج حسن آل درويش

أحسن الله لكم العزاء أيها الموالون للعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين ، فأيُّ مصيبة أعظم من مصيبة سيّد الشهداء(عليه السلام) التي بكت وناحت لها الزهراء البتول(عليها السلام) وحقّ لها أن تبكي ليلا ونهاراً على الغريب العطشان ، ومن قتل من أهل بيته(عليهم السلام) فيا لها من وقعة قُتلت فيها الرجال ، وذُبحت فيها الأطفال ، وهُتكت فيها النساء ، وحُملت حريم رسول الله(صلى الله عليه وآله) على الأقتاب بغير غطاء ولاوطاء ، يطاف بهم البلدان ، فأيّ عين لا ترقأ مدامعها عليهم ، وأيّ قلب لا يتصدع لمصيبتهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ) .

رجالُكُم قُتِلوا من غيرِ ذي سبب        وأهلُكُم هُتِكوا جهراً على البُدُنِ

ذكر القاضي التنوخي ، قال : حدَّثني أبي ، قال : خرج إلينا يوماً أبو الحسن الكاتب ، فقال : أتعرفون ببغداد رجلا يقال له : ابن أصدق؟ قال : فلم يعرفه من في المجلس غيري ، فقلت : نعم ، فكيف سألت عنه؟ فقال : أيَّ شيء يعمل؟ قلت : ينوح على الحسين(عليه السلام) ، قال : فبكى أبو الحسن ، وقال : إن عندي عجوزاً ربَّتني ، من أهل كرخ جدان ، عفطية اللسان ، الأغلب على لسانها النبطية ، لا يمكنها أن تقيم كلمة عربية صحيحة ، فضلا عن أن تروي شعراً ، وهي من صالحات نساء المسلمين ، كثيرة الصيام والتهجّد ، وإنها انتبهت البارحة في جوف الليل ، ومرقدها قريب من موضعي ، فصاحت بي : يا أبا الحسن ، فقلت : مالك؟ فقالت : الحقني ، فجئتها ، فوجدتها ترعد ، فقلت : ما أصابك؟ فقالت : إني كنت قد صلّيت وردي فنمت ، فرأيت الساعة في منامي كأني في درب من دروب الكرخ ، فإذا بحجرة نظيفة بيضاء ، مليحة الساج ، مفتوحة الباب ، ونساء وقوف عليها ، فقلت لهم : من مات؟ وما الخبر؟ فأومأوا إلى داخل الدار ، فدخلت فإذا بحجرة لطيفة ، في نهاية الحُسن ، وفي صحنها امرأة شابة لم أر قط أحسن منها ، ولا أبهى ولا أجمل ، وعليها ثياب حسنة بياض مروي لين ، وهي ملتحفة فوقها بإزار أبيض جداً ، وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً ، فقلت : من أنت؟ فقالت : لا عليك ، أنا فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وهذا رأس ابني الحسين(عليه السلام) ، قولي لابن أصدق عنّي أن ينوح :

لم أمرِّضْه فأسلو          لا ولا كان مريضا

فانتبهتُ فزعةً ، قال : وقالت العجوز : لم أمرِّطه ـ بالطاء ـ لأنها لا تتمكَّن من

إقامة الضاد ، فسكّنت منها إلى أن نامت ، ثم قال لي : يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل ، قد حمّلتك الأمانة ، ولزمتك ، على أن تبلِّغها له ، فقلت : سمعاً وطاعة لأمر سيّدة نساء العالمين(عليها السلام) .

قال : وكان هذا في شعبان ، والناس إذا ذاك يلقون جهداً جهيداً من الحنابلة إذا أرادوا الخروج إلى الحائر ، فلم أزل أتلطَّف حتى خرجت ، فكنت في الحائر ليلة النصف من شعبان ، فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته ، فقلت له : إن فاطمة(عليها السلام)تأمرك بأن تنوح بالقصيدة التي فيها :

لم أمرِّضه فأسلو        لا ولا كان مريضا

وما كنت أعرف القصيدة قبل ذلك ، قال : فانزعج من ذلك ، فقصصت عليه وعلى من حضر الحديث ، فأجهشوا بالبكاء ، وما ناح تلك الليلة إلاّ بهذه القصيدة ، أولها :

أيّها العينانِ فيضا        واستهلاّ لا تَغيضا

وهي لبعض الشعراء الكوفيين ، وعدت إلى أبي الحسن ، فأخبرته بما جرى .

قال أبي ، وابن عياش : كانت ببغداد ، نائحة مجيدة حاذقة ، تعرف بخلب ، تنوح بهذه القصيدة ، فسمعناها في دور بعض الرؤساء ، لأن الناس إذ ذاك كانوا لا يتمكّنون من النياحة إلاّ بعزّ سلطان ، أو سراً ، لأجل الحنابلة ، ولم يكن النوح إلاّ مراثي الحسين وأهل بيته(عليهم السلام) فقط . . قالا : فبلغنا أن البربهاري قال : بلغني أن نائحة يقال لها : خلب ، تنوح ، اطلبوها فاقتلوها(نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ، التنوخي : 2/230 ـ 233)

وذكر ياقوت الحموي (المتوفّى سنة 655) في معجم الأدباء في ترجمة علي بن عبدالله بن وصيف الناشي الحلاء (المتوفّى سنة 366) قال : قال ابن عبدالرحيم : حدَّثني الخالع ، قال : كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبيّ في مجلس الكبوذي في المسجد الذي بين الورَّاقين والصاغة ، وهو غاصّ بالناس ، وإذا رجل قد وافى وعليه مرقعة ، وفي يده سطيحة وركوة ، ومعه عكّاز ، وهو شعث ، فسلَّم على الجماعة بصوت يرفعه ، ثم قال : أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ، فقالوا : مرحباً بك وأهلا ، ورفعوه ، فقال : أتعرفون لي أحمد المزوق النائح؟ فقالوا : ها هو جالس.فقال : رأيت مولاتنا(عليها السلام) في النوم فقالت لي : امض إلى بغداد واطلبه وقل له : نح على ابني بشعر الناشي الذي يقول فيه :

بَني أحمد قلبي لكم يتقطَّعُ     بمثلِ مُصَابي فيكُمُ ليس يُسْمَعُ

قال : وكان الناشي حاضراً فلطم لطماً عظيماً على وجهه ، وتبعه أحمد المزوق والناس كلهم ، وكان أشدّ الناس في ذلك الناشي ثم المزوق ، ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم إلى أن صلّى الناس الظهر ، وتقوَّض المجلس ، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئاً منهم فأبى ، وقال : والله لو أُعطيت الدنيا ما أخذتها ، فإنني لا أرى أن أكون رسول مولاتي(عليها السلام) ثم آخذ عن ذلك عوضاً ، ثم انصرف ولم يقبل شيئاً .

قال ياقوت : وهذه القصيدة بضعة عشر بيتاً ، وذكر منها قوله :

عجبتُ لكم تُفنون قتلا بسيفِكم          ويسطو عليكم مَنْ لكم كان يَخْضَعُ

فما بقعةٌ في الأرضِ شرقاً ومغرباً      وليس لكم فيها قتيلٌ ومَصْرَعُ

ظُلِمتم وقُتِّلتم وقُسِّم فيئُكُم           وضاقت بكم أرضٌ فلم يحمِ موضعُ

كأنَّ رسولَ اللهِ أوصى بقتلِكم            وأجسامِكُمْ في كلِّ أرض توزَّعُ(1)

وقد ذكر السماوي أن السروري ذكر بعضها كما في المناقب وهي قوله :

جسومٌ على البوغاءِ ترمى وأرؤسٌ      على أرؤسِ اللُّدْنِ الذوابلِ تُرْفَعُ

توارون لم تأوِ فراشاً جنوبُكم             ويُسْلِمُني طيبُ الهجوعِ فأهجعُ

قال : وظفرت في بعض الكتب بزيادة في القصة ، وهي أن الناشي لما سمع كلام الرسول أجهش بالبكاء ، وحلف أنه نظمها لليلته ، وأنه لم يسمعها منه أحد ، ثم أرسل عليها إلى داره وناح بها المزوق والحاضرون(ظرافة الأحلام ، السماوي : 46 ـ 47).

وقال الحموي : حدَّثني الخالع ، قال : اجتزت بالناشي يوماً وهو جالس في السراجين ، فقال لي : وقد عملت قصيدة قد طلبت ، وأريد أن تكتبها بخطّك حتى أخرجها ، فقلت : أمضي في حاجة وأعود ، وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه ، فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبدالعزيز الشطرنجي النائح ، فقال لي : أحبّ أن تقوم فتكتب قصيدة الناشي البائية ، فإنا قد نُحنا بها البارحة بالمشهد ، وكان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة ، فقمت ورجعت إليه وقلت : هات البائية حتى أكتبها .

فقال:من أين علمت أنها بائية وما ذكرت بها أحداً؟ فحدَّثته بالمنام فبكى، وقال : لا شك أن الوقت قد دنا ، فكتبتها فكان أولها :

رجائي بعيدٌ والمماتُ قريبُ              ويخطىءُ ظنّي والمنونُ تُصيبُ

قال ياقوت : مات الناشي في صفر سنة خمس وستين وثلاث مائة ، وأرّخه ابن النجار عن الصابي وغيره سنة ست وستين وأنه مات فجأة(معجم الأدباء ، الحموي : 13/293 ـ 294).

وذكر العلامة السماوي عليه الرحمة أن السيد حيدر الحلي عليه الرحمة الشاعر المعروف ، المتوفَّى سنة 1306 بالحلة ، المدفون في النجف الأشرف ، قال : رأيت في المنام ذات ليلة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ، فأتيت إليها لأسلِّم عليها ، فلمّا دنوت منها قالت لي :

أناعيَ قتلى الطفِّ لا زلتَ ناعيا             تُهيجُ على طول الليالي البواكيا

أَعِدْ ذكرَهم في كربلا إن ذكرَهم                    طوى جزعاً طيَّ السِّجِلِّ فؤاديا

قال : فأخذني البكاء ، فانتبهت وأنا أحفظ البيتين ، فجعلت أتمشى في بهو لي وأردّدها وأبكي ، ففتح الله عليَّ أن قلت :

وَدَعْ مقلتي تحمرُّ بعد ابيضاضِها            بِعَدِّ رزايا تتركُ الدمعَ داميا

ستنسى الكرى عيني كأنَّ جُفُونَها      حَلَفْنَ بمَنْ تنعاه أن لا تلاقيا

وتعطي الدموعَ المستهلاّتِ حقَّها         محاجرُ تبكي بالغوادي غواديا

قال : ثم أتممت القصيدة ، ومنها قوله عليه الرحمة :

وأعضاءُ مجد ما توزَّعت الظبا                بتوزيعها إلاَّ الندى والمعاليا

لئن فرَّقتها آلُ حرب فلم تكن           لِتَجْمَعَ حتَّى الحشر إلاَّ المخازيا

لقد ألزمت كفَّ البتولِ فؤادَها          خطوبٌ يَطِيحُ القَلْبُ منهنَّ واهيا

أبا حسن حَرْبٌ تقاضتك دَيْنَها             إلى أن أساءت في بنيك التقاضيا

قال العلاّمة الشيخ محمد السماوي رحمه الله تعالى : أخبرني الشيخ الفاضل التقيّ الشيخ محمد رضا النجفي الغراوي ، قال : اتّفق لي سنة 1353 أني نظمت موشّحة في نصف شعبان في تهنئة بولادة الحسين(عليه السلام) في أول شعبان من تلك السنة لنذر كان عليَّ مطلعُها :

رَقَصَتْ أغصانُ طوبى طَرَبَا                       وَشَدَتْ أطيارُها أبهى الغِنَا

وَحُمَيَّا البُشْرِ شَعَّت حَبَبَا               مُذْ تعاطى الحورُ أكوابَ الهنا

فأكملت نسيبها وابتدأت بذكر الولادة المباركة ، فرأيت في المنام السيّدة الزهراء صلوات الله عليها ، وأمامها طفل صغير عليه ثياب سود ، فقالت لي : لا تمدح ابني في تهنئة الميلاد ولكن ارثه وقل :

بأبي المقتولَ غمّاً بالظما            ماله ريٌّ سوى فيض الدِّما

منعوا قُرَّةَ عيني وِرْدَه                 عجباً مَهْرِي عليه حُرِّما

قال : فانتبهت وفي حفظي البيتان ، فإذا هما يليقان بوزن الموشّحة التي نظمت بعضاً منها ، فرثيت بأمرها(عليها السلام) الحسين(عليه السلام) ، وضمَّنت البيتين المذكورين ، فكانت موشحة أولها يعد النسيب تهنئة وآخرها رثاء وندبة ، وهي :

بَدْرُ سَعْد أشرق الكونُ له                إذ له بُرْجاً غدا سَعْدُ السُّعُودْ

المصدر:المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 13 سبتمبر 2018 - 16:50 بتوقيت مكة