مع ابن تيمية...في يوم المباهلة

الجمعة 31 أغسطس 2018 - 09:45 بتوقيت مكة
مع ابن تيمية...في يوم المباهلة

ابن تيميّة أيضاً يعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله في قضية المباهلة غير هؤلاء الأربعة ، يعترف بهذا ، وراجعوا كتابه منهاج السنّة ،إلاّ أنّه يقول...

السيد علي الحسيني الميلاني

لو أنّ مدّعياً يدّعي أو متعصّباً أو جاهلاً يقول كما قال ابن تيميّة في منهاج السنّة (1)بأنّ رسول الله إنّما أخرج علي وفاطمة و الحسن و الحسين معه ، ولم يخرج غيرهم ، ويعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله غير هؤلاء ، يعترف ابن تيميّة ، واعتراف ابن تيميّة في هذه الايام وفي أوساطنا العلميّة وفي مباحثنا العلميّة له أثر كبير ، لانّ كثيراً من الخصوم يرون ابن تيميّة "شيخ الإسلام"، إلاّ أنّ بعض كبارهم قال: من قال بأنّ ابن تيميّة شيخ الإسلام فهو كافر !!

المهم ،ابن تيميّة أيضاً يعترف بعدم خروج أحد مع رسول الله في قضية المباهلة غير هؤلاء الأربعة ، يعترف بهذا ، وراجعوا كتابه منهاج السنّة ،إلاّ أنّه يقول بأنّ عادة العرب في المباهلة أنّهم كانوا يخرجون أقرب الناس إليهم ، كانوا يخرجون معهم إلى المباهلة من يكون أقرب الناس إليهم ، كانت عادتهم أن يخرجوا الأقرب نسباً وإنْ لم يكن ذا فضيلة ، وإن لم يكن ذا تقوى ، وإنْ لم يكن ذا منزلة خاصة أو مرتبة عند الله سبحانه وتعالى ، يقول هكذا .

لكنّه يعترض على نفسه ويقول : إنْ كان كذلك ، فلم لم يخرج العباس عمّه معه ؟ والعباس في كلمات بعضهم ـ ولربّما نتعرّض إلى بعض تلك الكلمات في حديث الغدير ـ أقرب إلى رسول الله من علي ، فحينئذ لِمَ لمْ يخرج معه؟

يقول في الجواب : صحيحٌ ، لكنْ لم يكن للعباس تلك الصلاحية والقابليّة واللياقة لان يحضر مثل هذه القضية ، هذا بتعبيري أنا ، لكن راجعوا نصّ عبارته هذا النقل كان بالمعنى ، يقول بأنّ العباس لم يكن في تلك المرتبة لان يحضر مثل هذه القضيّة ، يقول ابن تيميّة فلذا يكون لعلي في هذه القضية نوع فضيلة .

بهذا المقدار يعترف ، ونغتنم من مثل ابن تيميّة أن يعترف بفضيلة لعلي في هذه القضيّة .

ولو أنّك راجعت الفضل ابن روزبهان الخنجي ، ذلك الذي ردّ كتاب العلاّمة الحلّي رحمه الله بكتاب أسماه إبطال الباطل ، لرأيته في هذا الموضع أيضاً يعترف بثبوت فضيلة لعلي لا يشاركها فيها أحد (2) .

يقول ابن تيميّة : لم تكن الفضيلة هذه لعلي فقط ، وإنّما كانت لفاطمة والحسنين أيضاً ، إذن ، لم تختصّ هذه الفضيلة بعلي ؟

وهذا كلام مضحك جدّاً ، وهل الحسنان وفاطمة يدّعون التقدم على علي؟ وهل كان البحث في تفضيل علي على فاطمة والحسنين، أو كان البحث في تفضيل علي على أبي بكر؟ أو كان البحث في قبح تقدم المفضول على الفاضل بحكم العقل ؟

والعجب أنّ ابن تيميّة يعترف في أكثر من موضع من كتابه منهاج السنّة بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، يعترف بهذا المعنى ويلتزم ، ولذلك يناقش في فضائل أمير المؤمنين لئلاّ تثبت أفضليّته من الغير .

ثمّ مضافاً إلى كلّ هذا ، ترون في قضيّة المباهلة أنّ رسول الله يقول لعلي وفاطمة والحسنين : «إذا أنا دعوت فأمّنوا»(3) ، أي فقولوا آمين ، وأيّ تأثير لقول هؤلاء آمين ، أن يقولوا لله سبحانه وتعالى بعد دعاء رسول الله على النصارى أن يقولوا آمين ، أيّ تأثير لقول هؤلاء؟ ألم يكف دعاء رسول الله على النصارى حتّى يقول

رسول الله لفاطمة والحسنين وهما صغيران أن يقول لهم قولوا آمين؟

إذن ، كان لعلي ولفاطمة وللحسنين سهم في تقدّم الإسلام ، كان علي شريكاً لرسول الله في رسالته .

وهذا معنى ﴿ ... فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ... ﴾ (4)، فهارون كان ردءاً يصدّق موسى في رسالته ، وهارون كان شريكاً لموسى في رسالته .

وهذا معنى : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي» . إنّ الأحاديث هذه كلّها تصب في مصبّ واحد ، ترى بعضها يصدّق بعضاً ، ترى الآية تصدّق الحديث ، وترى الحديث يصدّق القرآن الكريم ، وهكذا الأمر فيما يتعلّق بأهل البيت :

رسول الله يجمع أهله تحت الكساء فتنزل الآية المباركة آية التطهير ، وفي يوم الغدير ينصب عليّاً ويعلن عن إمامته في ذلك الملا فتنزل الآية المباركة : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ﴾(5)

وأي ارتباط هذا بين أفعال رسول الله والآيات القرآنيّة النازلة في تلك المواقف ، ترون الارتباط الوثيق ، يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ... ﴾(6) ويخرج رسول الله بعلي وفاطمة والحسن والحسين فقط،وهذا هو الارتباط بين الوحي وبين أفعال رسول الله وأقواله .

إذن ، فالآية المباركة غاية ما دلّت عليه هو الأمر بالمباهلة ، وقد عرفنا معنى المباهلة ، لكن الحديث دلّ على خروج علي وفاطمة والحسن والحسين مع رسول الله .

الآية المباركة ليس فيها إلاّ كلمة : (وأنفسكم) لكن الحديث فسّر تفسيراً عملياً هذه الكلمة من الآية المباركة ، وأصبح علي نفس رسول الله ، ليس نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي ، فكان كرسول الله ، كنفس رسول الله ، فكان مساوياً لرسول الله ، ولهذا أيضاً شواهد أُخرى ، شواهد أُخرى من الحديث في مواضع كثيرة .

يقول رسول الله مهدّداً إحدى القبائل : «لتنتهنّ أو لأرسل إليكم رجلاً كنفسي» ، وكذا ترون في قضيّة إبلاغ سورة البراءة ، إنّه بعد عودة أبي بكر يقول : بأنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إليه بأنّه لا يبلّغ السورة إلاّ هو أو رجل منه ، ويقول في قضيّة :"علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي" ، وهو حديث آخر ، وهكذا أحاديث أُخرى يصدّق بعضها بعضاً .

إلى هنا ينتهي البحث عن دلالة آية المباهلة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وإنْ شئتم المزيد فهناك كتب أصحابنا من الشافي للسيد المرتضى ، وتلخيص الشافي ، وكتاب الصراط المستقيم للبيّاضي ، وكتب العلاّمة الحلّي رحمة الله عليه ، وأيضاً كتب أُخرى مؤلّفة في هذا الموضوع .

الهوامش:

1-منهاج السنة 7 / 122 ـ 130 .

2- أنظر : إحقاق الحق 3 / 62 .

3-الكشاف 1 / 368 ، الخازن 1 / 243 ، وغيرهما .

4-القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 389 .

5-القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 3 ، الصفحة : 107 .

6-القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .

المصدر: كتاب آية المباهلة من سلسلة الندوات الإعتقادية

إقرأ أيضا:الـ24 من شهر ذي الحجة...يوم المباهلة...فما هي قصة هذا اليوم؟

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 31 أغسطس 2018 - 09:45 بتوقيت مكة