الـ24 من شهر ذي الحجة...يوم المباهلة...فما هي قصة هذا اليوم؟

الجمعة 31 أغسطس 2018 - 08:54 بتوقيت مكة
الـ24 من شهر ذي الحجة...يوم المباهلة...فما هي قصة هذا اليوم؟

وفي عهد المدينة خرجت من نجران قافلة ترفع لافتة المسيح الإله وسارت بهذه اللافتة على أرض التوحيد. وقص الوحي عليهم القول الحق في المسيح عليه السلام...

في المدينة تاجر الانحراف بما بين أيديه من تراث الآباء. فاليهود راحوا يدعون أنهم أبناء إبراهيم وأن دينهم هو الدين الأحق. والنصارى الذين يقولون بألوهية المسيح ادعوا أن إبراهيم معهم وفي معسكرهم النصراني والمشركين وقفوا بين هؤلاء وهؤلاء. واستقروا في نهاية المطاف على قلوب اليهود وما تحتويه وبالجملة: لم تقف حملات التشكيك بعد الهجرة ففي الآيات المدنية شككوا في القرآن وفي الرسول بنفس الحجج التي نسفها لهم الوحي في مكة. والجديد في الأمر أن حججهم في المدينة كانت عليها بصمات أهل الكتاب مما يدل أن أهل الكتاب في هذه الآونة كانوا يتحركون ويبثون ثقافتهم على الأسماع بانتظام يقول تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ...﴾ .قال المفسرون: الذين لا يعلمون هم المشركون غير أهل الكتاب. ويدل عليه المقابلة التي في الآية السابقة على هذه الآية وهي قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ﴾ إلى قوله: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾.أن أهل الكتاب ألحقهم الله بقولهم بالمشركين والكفار من العرب وألحق المشركين والكفار بهم. فمن قبل اقتراح اليهود بمثل هذه الأقاويل على نبي الله موسى عليه السلام. فهم والكفار متشابهون في أفكارهم وآرائهم يقول هؤلاء ما قاله أولئك وبالعكس. تشابهت قلوبهم .

وإذا كان المشركون قد التقطوا من اليهود أهواء آبائهم الأوائل وصدوا بها عن سبيل الله. فإن النصارى الذين أمسكوا بذيل بولس تاجروا أيضا ببضاعة بولس في عهد المدينة المنورة. والجدير بالذكر أن أهل الكتاب في العهد المكي كانوا يتحركون بصورة تكاد تكون خفية. أما في أيام المدينة فلقد برزوا كعضو مؤثر في عالم الصد عن السبيل وهذا يبدو واضحا في عدد الآيات التي كشفت حقدهم وحسدهم وعنادهم .

ففي المدينة فضحهم الوحي أما في مكة فكان الوحي يقص عليهم قصصهم ويبين لهم كثيرا مما اختلفوا فيه لعلهم يتوبوا إلى الله. وفي عهد المدينة خرجت من نجران قافلة ترفع لافتة المسيح الإله وسارت بهذه اللافتة على أرض التوحيد. وقص الوحي عليهم القول الحق في المسيح عليه السلام.

ولكنهم أبو إلا أن يمسكوا بتراث الآباء الذين يتقدمهم بولس. وأمام هذا الاصرار تلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ .قال المفسرون: " الآيات نازلة في الإحتجاج ومتعرضة بشأن وفد نصارى نجران ". ومعنى الآية: إن مثل عيسى عند الله. أي وصفه الحاصل عنده تعالى. أي ما يعلمه الله تعالى من كيفية خلق عيسى الجاري بيده. إن كيفية خلقه يضاهي كيفية خلق آدم. وكيفية خلقه أنه جمع أجزاءه من تراب ثم قال له كن فتكون تكوينا بشريا من غير أب.

فالبيان بحسب الأحقية منحل إلى حجتين. تفي كل واحدة منهما على وحدتها بنفي الألوهية عند المسيح عليه السلام:

إحداهما: أن عيسى مخلوق لله - على ما يعلمه الله ولا يضل في علمه - خلقه بشر وإن فقد الأب. ومن كان كذلك كان عبدا لا ربا.

وثانيهما: إن خلقته لا تزيد على خلقة آدم فلو اقتضى خلقه أن يقال بألوهيته بوجه. لاقتضى خلق آدم ذلك مع أنهم لا يقولون بها فيه. فوجب أن لا يقولوا بها في عيسى عليه السلام أيضا لمكان المماثلة .

ولم ينصت حملة التراث للحجة الدامغة. ولم يكن هناك من سبيل إلا وضعهم أمام الموت. بمعنى أن يقف الأطراف ويتلاعنوا ليأخذ الله تعالى الظالم منهم وعلى هذا فالذي على الحق ليس له أن يخاف لأن الردع الإلهي إذا جاء سيأخذ خصمه. وكانت المبادرة بوضع الأطراف أمام الموت مبادرة إسلامية. قال الله تعالى لرسوله: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ .

قال المفسرون: المباهلة والملاعنة. وإن كانت في الظاهر كالمحاجة بين رسول الله وبين رجال النصارى. إلا أنها عمت الدعوة وشملت الأبناء والنساء. ليكون ذلك أدل على اطمئنان الداعي بصدق دعواه. وأنه على الحق. فالمجئ بالأبناء و النساء فيه أن قلب الإنسان يميل إليهم ويحبهم ويشفق عليهم. ويركب الأهوال والمخاطر في سبيل حمايتهم. ولذلك قدم الأبناء على النساء لأن محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد وأدوم. فالمجئ بالأولاد والأحباب فيه تحدي للباطل وبأن الحق واثق من النصر. والنصارى بقبولهم هذا التحدي فإنما يضعون الحاضر والمستقبل فداء الماضي لا يعرفون عنه من كتبهم شيئا وهم في شك مريب من أحداثه. باختصار كان قدومهم بالأطفال والنساء من أجل الدفاع عن تراث الآباء خسارة كبيرة لهم وعندما وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدعوة للمباهلة. جاء رجال النصارى. وكان طرف المحجة عند رسول الله هو قوله: إن الله لا إله غيره وأن المسيح عيسى عبده ورسوله. أما الطرف الآخر من المحجة فكان عند النصارى وهو قولهم: إن عيسى هو الله. أو أنه ابن الله. أو أن الله ثالث ثلاثة. ولقد اتفقت الروايات وأصحاب التفاسير والتاريخ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حضر للمباهلة ولم يحضر معه إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. وأخرج ابن جرير أنه لما نزلت الآية: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ﴾ الآية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين.

ودعا النصارى ليلا عنهم. فقال شاب منهم ويحكم أليس عهدتم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا. فانتهوا. وفي رواية أخرى قال لهم أسقف نجران: يا معشر النصارى إني أرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها. فلا تباهلوا فتهلكوا فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك.

ولا حاجة للقول بأن القصد من المباهلة لم يكن إحضار جمع من الناس للّعن، ثم ليتفرقواّ كلّ إلى سبيله، لأن عملاً كهذا لن يكون له أي تأثير، بل كان المنتظر أن يكون لهذا الدعاء واللعن أثر مشهود عياناً فيحيق بالكاذب عذاب فوري.

لعلّ قضية المباهله بهذا الشكل لم تكن معروفة عند العرب، بل كانت أسلوباً يبيّن صدق النبي (ص) وإيمانه بشكل قاطع. إذ كيف يمكن لمن لا يؤمن كلّ الإيمان بعلاقته بالله أن يدخل هذا الميدان، فيطلب من معارضيه أن يتقدموا معه إلى الله يدعونه أن ينزل لعناته على الكاذب، أن يروا سرعة ما يحل بالكاذب من عقاب؟! لا شك أن دخول هذا الميدان خطر جداً، لآن المبتهل إذا لم يجد استجابة لدعائه ولم يظهر أي أثر لعقاب الله على معارضيه، فلن تكون النتيجة سوى فضيحة المبتهل. فكيف يمكن لإنسان عاقل ومدرك أن يخطو مثل هذه الخطوة دون أن يكون مطمئناً إلى النتيجة في صالحه؟ لهذا قيل إنّ دعوة رسول الله (ص) إلى المباهلة تعتبر واحداً من الأدلة على صدق دعوته وإيمانه الراسخ بها، بصرف النظر عن النتائج التي كانت ستكشف عنها المباهلة.

المصدر:قصص القرآن + الانحرافات الكبرى

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 31 أغسطس 2018 - 08:54 بتوقيت مكة
المزيد