سطر التاريخ الكثير من الكرامات و المعجزات للإمام الهادي عليه السلام نذكر منها واحدة ، على أن نخبركم بالكرامات الأخرى في مقالات لاحقة ، فتابعونا.
أما بالنسبة لكرامة ظهور الماء في الصحراء و ري القافلة فيقول المسعودي في إثبات الوصية ( ١ / ٢٣٢ ) :
( وروي عن يحيى بن هرثمة قال : رأيت من دلائل أبي الحسن (عليه السلام) الأعاجيب في طريقنا. منها : أنا نزلنا منزلاً لا ماء فيه فأشفينا ودوابنا وجمالنا من العطش على التلف ، وكان معنا جماعة وقوم قد تبعونا من أهل المدينة ، فقال أبوالحسن (عليه السلام) : كأني أعرف على أميال موضع ماء. فقلنا له : إن نشطت وتفضلت عدلت بنا إليه وكنا معك. فعدل بنا عن الطريق فسرنا نحو ستة أميال ( نحوعشرة كيلومتر ات) فأشرفنا على واد كأنه زهرالرياض فيه عيون وأشجار وزروع ، وليس فيها زارع ولا فلاح ولا أحد من الناس ، فنزلنا وشربنا وسقينا دوابنا ، وأقمنا الى بعد العصر ثم تزودنا وارتوينا ، وما معنا من القرب ورحنا راحلين. فلم نبعد أن عطشتُ وكان لي مع بعض غلماني كوز فضة يشده في منطقته. وقد استسقيته فلجلج لسانه بالكلام ، ونظرتُ فإذا هو قد أنسي الكوز في المنزل الذي كنا فيه. فرجعت أضرب بالسوط على فرس لي جواد سريع وأغذ السير ، حتى أشرفت على الوادي فرأيته جدباً يابساً ، قاعاً مَحْلاً ، لاماء فيه ولا زرع ولاخضرة ، ورأيت موضع رحالنا وروث دوابنا وبعر الجمال ومناخاتهم ، والكوز موضوع في موضعه الذي تركه الغلام! فأخذته وانصرفت ولم أعَرِّفْه شيئاً من الخبر. فلما قربت من القطر والعسكر وجدته (عليه السلام) واقفاً ينتظر فتبسم صلى الله عليه ولم يقل لي شيئاً ، ولا قلت له سوى ما سأل من وجود الكوز فأعلمته أني وجدته!
رواية ثانية لظهور الماء وريَّ القافلة
في الخرائج ( ١ / ٤١٥ ) :" روى أبومحمد البصري ، عن أبي العباس خال شبل كاتب إبراهيم بن محمد ، قال : كلما أجرينا ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال لي : يا أبا محمد لم أكن في شئ من هذا الأمر وكنت أعيب على أخي ، وعلى أهل هذا القول عيباً شديداً بالذم والشتم ، إلى أن كنت في الوفد الذين أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن (عليه السلام) فخرجنا إلى المدينة ، فلما خرج وصرنا في بعض الطريق ، طوينا المنزل وكان يوماً صائفاً شديد الحر ، فسألناه أن ينزل قال : لا.
فخرجنا ولم نطعم ولم نشرب ، فلما اشتد الحر والجوع والعطش فينا ، ونحن إذ ذاك في أرض ملساء لا نرى شيئاً ولا ظلاً ولا ماء نستريح إليه ، فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه. فقال : ما لكم أحسبكم جياعاً وقد عطشتم؟ فقلنا : إي والله ، وقد عيينا يا سيدنا. قال : عَرِّسُوا ( إنزلوا ) وكلوا واشربوا.
فتعجبت من قوله ونحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئاً نستريح إليه ، ولا نرى ماءً ولا طلاً. قال : ما لكم! عَرِّسُوا. فابتدرت إلى القطار لأنيخ ثم التفتُّ وإذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظل تحتهما عالمٌ من الناس ، وإني لأعرف موضعهما أنه أرض بَرَاحٌ قفرٌ ، وإذا أنا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء وأبرده! فنزلنا وأكلنا وشربنا واسترحنا ، وإن فينا من سلك ذلك الطريق مراراً!
فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب ، وجعلت أحد النظر إليه وأتأمله طويلاً ، وإذا نظرت إليه تبسم وزوى وجهه عني ، فقلت في نفسي : والله لأعرفن هذا كيف هو؟ فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي ووضعت عليه حجرين ، وتغوطت في ذلك الموضع ، وتهيأت للصلاة.
فقال أبوالحسن : استرحتم؟ قلنا : نعم ، قال : فارتحلوا على اسم الله ، فارتحلنا فلما أن سرنا ساعة رجعت على الأثر فأتيت الموضع فوجدت الأثر والسيف كما وضعت والعلامة ، وكأن الله لم يخلق ثم شجرةً ولا ماءً وظلالاً ولا بللاً! فتعجبت ورفعت يدي إلى السماء فسألت الله بالثبات على المحبة والإيمان به والمعرفة منه. وأخذت الأثر ولحقت القوم ، فالتفت إليَّ أبوالحسن (عليه السلام) وقال : يا أبا العباس فعلتها؟ قلت : نعم يا سيدي ، لقد كنت شاكاً ، ولقد أصبحت وأنا عند نفسي من أغنى الناس بك في الدنيا والآخرة. فقال : هوكذلك، هم معدودون معلومون ، لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً."
أقول : لم أجد ترجمة أبي العباس خال كاتب إبراهيم بن محمد ، والظاهر أن إبراهيم بن محمد هذا هوالعباسي المسمى بُرَيْه ، وقد ذكر الطبري ( ٦ / ٤٧٢ و ٦٠٤ ، و : ٨ / ١٥) أنه كان والياً على الحرمين ، وأنه حج بالناس سنة ٢٥٩.