الـ25 من ذي القعدة...وما لا تعرفه عن هجرة الإمام الرضا(ع) من المدينة الى خراسان

الأربعاء 8 أغسطس 2018 - 09:58 بتوقيت مكة
الـ25 من ذي القعدة...وما لا تعرفه عن هجرة الإمام الرضا(ع) من المدينة الى خراسان

سنتحدث في هذه المقالة عن المسير الذي قطعه الإمام الرضا عليه السلام من المدينة المنورة الى خراسان ، ذاكرين لكل المناطق التي وطئتها قدمه المباركة:

السيد علي الحسيني الميلاني

لقد بقي الإمام الرضا بعد أبيه عشرين عاماً، منها: عشر سنوات في عهد هارون وكان يتجرع خلالها مرارة الأحداث ويتعرّض اليه هارون بين الحين والآخر بمن يؤذيه كالجلودي الذي اوعز اليه بان يهاجم دور آل أبي طالب، ويسلب ما على نسائهم من ثياب وحلل، ولا يدع على واحدة منهن ثوباً يسترها، والجلودي نفذ أوامر هارون، فلما انتهى الى دار الإمام الرضا عليه السلام بخيله وجنده وقف الإمام على باب داره، جعل نساءه في بيت واحد وحاول أن يمنعهم من دخوله، فقال له الجلودي: لا بدّ وان ادخل البيت واتولى بنفسي سلبهن كما أمرني هارون، فقال له الرضا: أنا أسلبهن لك ولا اترك عليهن شيئاً الاّ جئتك به، وظل يمانعه ويحلف له بأنه سيأخذ جميع ما عليهن من حلى وحلل وملابس حتى سكن، ووافق على طلب الإمام.
فدخل أبو الحسن الرضا على نسائه ولم يدع عليهن شيئاً حتى أقراطهن وخلاخيلهن وملابسهن الاّ أخذه منهن وأضاف اليه جميع ما في الدار من قليل وكثير وسلمه الى الجلودي.
لقد قاسى الإمام الرضا وأصحاب أبيه موسى بن جعفر عليهم السلام من الظلم والبلاء من هارون ماقاساه أبوه الكاظم عليه السّلام، الى أن مات هارون، واوصى بولاية العهد لابنه محمّد الأمين، ومن بعده لولده عبد الله المأمون، وبعدهما لولده القاسم كما وزع المناطق بينهم، فجعل للأمين ولاية العراق والشام الى آخر المغرب، وللمأمون من همدان الى آخر المشرق بما في ذلك خراسان وجهاتها، ولولده القاسم الجزيرة والثغور والعواصم.
ولما انتقلت الخلافة لمحمّد الأمين قتله أخوه عبد الله المأمون بعد ما دارت المعارك بينهما، وانتقلت السلطة إلى المأمون في جميع الأطراف.
روى الكليني باسناده عن علي بن إبراهيم عن ياسر الخادم والريّان بن الصلت جميعاً قال: «لما انقضى أمر المخلوع واستوى الأمر للمأمون كتب الى الرضا عليه السّلام يستقدمه الى خراسان فاعتل عليه أبو الحسن عليه السّلام بعلل، فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك حتى علم أنه لا محيص له، وأنه لا يكف عنه، فخرج عليه السلام ولأبي جعفر سبع سنين، فكتب اليه المأمون: لا تأخذ على طريق الجبل وقم، وخذ على طريق البصرة والأهواز وفارس»(1).
قال الطبري: «وجه المأمون في سنة 200 للهجرة الى المدينة رجاء بن أبي الضحاك عم الفضل بن سهل، وفرناس الخادم لاشخاص علي بن موسى الرضا»(2).
روى الصدوق بإسناده عن محول السجستاني قال: «لما ورد البريد باشخاص الرضا عليه السّلام الى خراسان، كنت أنا بالمدينة فدخل المسجد ليودع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فودعه مراراً كل ذلك يرجع الى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدمت اليه وسلمت عليه فرد السلام وهنأته، فقال: ذرني فاني أخرج من جوار جدي صلّى الله عليه وآله وسلّم و أموت في غربة وأدفن في جنب هارون. قال: فخرجت متبّعاً لطريقه حتى مات بطوس ودفن الى جنب هارون»(3)

 في مكة:
ثم ذهب سلام الله عليه إلى مكة.
روى الاربلي باسناده عن أمية بن علي قال: «كنت مع أبي الحسن بمكة في السنة التي حج فيها، ثم صار الى خراسان ومعه أبو جعفر، وأبو الحسن يودّع البيت، فلما قضى طوافه عدل الى المقام فصلى عنده، فصار أبو جعفر على عنق موفق يطوف به، فصار أبو جعفر الى الحجر فجلس فيه، فاطال فقال له موفق: قم جعلت فداك، فقال: ما أريد أن أبرح من مكاني هذا الاّ أن يشاء الله، واستبان في وجهه الغم، فأتى موفق أبا الحسن فقال له: جعلت فداك قد جلس أبو جعفر في الحجر وهو يأبى أن يقوم، فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر فقال: قم يا حبيبي، فقال: ما أريد أن ابرح من مكاني هذا، قال: بلى يا حبيبي، ثم قال: كيف أقوم وقد ودعت البيت وداعاً لا ترجع إليه، فقال: له قم يا حبيبي. فقام معه»(4)

في القادسية:(5)

روى الحميري عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: «دخلت عليه بالقادسية فقلت له: جعلت فداك اني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أجلّك والخطب فيه جليل وانما أريد فكاك رقبتي من النار فرآني زمعت، فقال: لا تدع شيئاً تريد أن تسألني عنه الاّ سألتني عنه، قلت له: جعلت فداك، اني سألت أباك وهو نازل في هذا الموضع عن خليفته من بعده فدلّني عليك، وقد سألتك منذ سنتين وليس لك ولد عن الإمامة فيمن تكون بعدك، قلت: في ولدي وقد وهب الله لك اثنين، فأيّهما عندك بمنزلتك التي كانت عند أبيك؟ فقال لي: هذا الذي سألت عنه ليس هذا وقته، فقلت له: جعلت فداك قد رأيت ما ابتلينا به في أبيك ولست آمن من الأحداث فقال: كلا ان شاء الله، لو كان الذي تخاف كان مني في ذلك حجة احتج بها عليك وعلى غيرك، أما علمت أن الإمام الفرض عليه الواجب من الله إذا خاف الفوت على نفسه أن يحتّج في الإمام من بعده بحجّة معروفة مثبتة، ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ)(6) فطب نفساً وطيّب بأنفس اصحابك فانّ الأمر يجىء على غير ما يحذرون ان شاء الله تعالى»(7)

في النباج(8):

بعد ذلك وصل النباج :
روى الاربلي باسناده عن أبي حبيب النباجي، قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المنام وقد وافى النباج ونزل في المسجد الذي ينزله الحجاج في كل سنة، وكأني مضيت اليه وسلمت عليه ووقفت بين يديه، فوجدت عنده طبقاً من خوص المدينة فيه تمر صيحاني وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني فعددته فكان ثماني عشرة تمرة، فتأولت اني أعيش بعدد كل تمرة سنة، فلما كان بعد عشرين يوماً كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة إذ جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه السّلام من المدينة ونزوله في ذلك المسجد ، ورأيت الناس يسعون اليه، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وتحته حصير مثل ما كان تحته وبين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني فسلمت عليه فردّ علي السلام، واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر فعددته فإذا هو بعدد ما ناولني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت: زدني يا ابن رسول الله فقال: لو زادك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لزدناك»(9)
في البصرة:
ثم خرج الرضا عليه السّلام من النباج وورد البصرة روى ابن علوان قال: «رأيت في منامي كأن قائلا يقول: قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الى البصره قلت: واين نزل؟ قال في حائط بني فلان، قال فجئت الحائط فوجدت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالساً ومعه أصحابه وبين يديه أطباق رطب برني. فقبض بيده كفاً من رطب وأعطاني، فعددتها فإذا هي ثمانية عشرة رطبة، فبعد ذلك سمعت الناس يقولون: قد جاء علي بن موسى الرضا عليهما السلام فقلت أين نزل؟ فقيل في حائط بني فلان، فمضيت فوجدته في الموضع الذي رأيت فيه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين يديه أطباق فيها رطب، وناولني ثمانية عشرة رطبة فقلت: يا ابن رسول الله زدني، قال: لو زادك جدي لزدتك. الحديث»(10).
في الأهواز:
و بعد البصرة ورد الأهواز. روى الصدوق باسناده عن أبي الحسن الصائغ عن عمه «... لما صار إلى الأهواز قال لأهل الأهواز: اطلبوا لي قصب سكر، فقال بعض أهل الأهواز ممن لا يعقل: أعرابي لا يعلم أن القصب لا يوجد في الصيف، فقالوا: يا سيدنا ان القصب لا يوجد في هذا الوقت، انما يكون في الشتاء فقال: بلى اطلبوه فانّكم ستجدونه، فقال اسحاق بن إبراهيم: والله ما طلب سيدي الاّ موجوداً، فأرسلوا الى جميع النواحي، فجاء اكرة(11) اسحاق فقالوا: عندنا شيء ادخرناه للبذرة نزرعه، فكانت هذه احدى براهينه، فلمّا صار الى قرية سمعته يقول في سجوده: لك الحمد ان اطعتك، ولا حجة لي ان عصيتك، ولا صنع لي ولا لغيري في احسانك، ولا عذر لي ان أسأت، ما أصابني من حسنة فمنك يا كريم، اغفر لمن في مشارق الأرض ومغاربها من المؤمنين والمؤمنات، قال: فصلينا خلفه اشهراً فما زاد في الفرائض على الحمد وانا أنزلناه في الأولى، وعلى الحمد وقل هو الله أحد في الثانية»(12)

يتبع...

الهوامش:

1-اصول الكافي الطبعة المشكولة ج1 كتاب الحجّة باب مولد أبي الحسن الرضا عليه السّلام ص408 رقم7.
2-تاريخ الطبري ج8 ص544.
3- و عيون أخبار الرضا ج2 ص217.
4-كشف الغمّة ج2 ص362.
5-القادسيّة: بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً. (معجم البلدان ج4 ص291).
6- سورة التوبة: 115.
7- قرب الإسناد ص166.
8-موضع بين مكة والبصرة (معجم البلدان ج5 ص255).
9-كشف الغمة ج2 ص313.
10-مسند الإمام الرضا ج1 ص54.
11- اكرة: زارعين.
12-عيون أخبار الرضا ج2 ص205.

المصدر :موقع السيد الميلاني

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 8 أغسطس 2018 - 09:01 بتوقيت مكة
المزيد