الوهابية...تكفير حين التمكن وتدليس زمن الهزيمة

الأحد 24 يونيو 2018 - 10:53 بتوقيت مكة
الوهابية...تكفير حين التمكن وتدليس زمن الهزيمة

في كل طور تقدم السلفية نفسها على أنها إحياء..إحياء لأشياء مضت..لكن حين ندخل تفاصيل هذا الماضي تلوذ السلفية بالهروب وتمنع السؤال...

إدريس هاني

كتبت مرة مقالا تحت هذا العنوان وكان الغرض منه هو أنّ السلفية نفسها لا يرضيها هذا الحدّ من المواقف والأفكار، فهي أغلقت الاجتهاد في التحديث لا الاجتهاد في التسليف، وهكذا باتت السلفية مشروعا لم ينجز لأن لكل عصر وعيا سلفيا أكثر تعقيدا من سابقه..إنه اللعنة التي ستواكب رحلة العقل نحو الرشد..

في كل طور تقدم السلفية نفسها على أنها إحياء..إحياء لأشياء مضت..لكن حين ندخل تفاصيل هذا الماضي تلوذ السلفية بالهروب وتمنع السؤال..تريد أن تقذف بك في الماضي من دون مساءلة للماضي..مشكلتها أنها تريد ان تعيدك إلى التاريخ من دون تأريخ..إلى الماضي بنكسة سوبر- تاريخانية..هناك سلف صالح وآخر طالح ولا يكفي الحشو واستعمال مشترك لفظي أو لفظ حمال وجوه..

لقد زعم ابن تيمية أنه مجدد للحنبلية..وجاء ابن عبد الوهاب ليكون مجددا لتراث ابن تيمية..وجاء بعض البّاندية عندنا وأرادوا اليوم أن يجددوا في الوّهّابية..لقد أكثروا من الترقيع..كله تلك الدعوات زعمت في زمانها أنها إحيان وتجديد..هل يتطلب البحث عن تراث السلف كل هذا التجديد؟ ألم نبلغ السلفية بعد.. أم لنقل استحالة الوصول إليها؟ ويبدو لي أن العقل العربي لا زال في دوامة مزدوجة: فهو لم يكتشف لا حداثته ولا سلفيته..فعند كل منعطف تاريخي تولد نكسة فكرية جديدة..ليست الحداثة هنا هي المشروع غير المنجز بتعبير هابرماس بل أيضا السلفية مشروع لم ينجز حسب ما يميل إليه مجددو دعوتها..فهم يؤولون الحديث عن تجديد الدين ليس بمعنى تجديد الفهم والتدين وفق حركة الزمان والمكان بل يعنون به يجددون عهدها بذات الفكرة السلفية التي يجب أن تولد في كل العصور.. سيقولون قريبا إنكم لم تفهموا ابن تيمية، ولا محمد بن عبد الوهاب فالمشكلة فيكم وفي فهمكم..وقد نوظّف هيدغر أو فيتجنشيان نفسه في الذود عن ابن تيمية عبثا، وهكذا يستطيعون إحياء تراث كان على وشك الانتحار بإدانة عقولنا وكأنه لغز..

التكفير والتدليس منهجان: التكفير حين التمكن والتدليس زمن الهزيمة..وفي زمن التدليس ستقايض الوهابية مصيرها المجهول بمواقف غاية في الإضحاك..سوف تمضي شيكا على بياض، هذه المرة ليس بشراء الذمم بل في تغيير ملامح دعوة للتكفير والقتل لأنّ راعيها أدرك أنّها أصبحت عبئا ثقيلا على الفكر والسياسات والذوق العام..هناك محاولة عبثية لترميم عوار هذا الفكر..ولكن فاقد الشيء لا يعطيه..يبدو لي أنّ الوهابية سيكون وضعها وضع الساحرة الهاربة على مكنسة سحرية باليستية إلى الجحيم...

المصدر: كتابات في الميزان

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 24 يونيو 2018 - 10:52 بتوقيت مكة