معركة القصير… مشاهدات برفقة “سرية العابرون”

الجمعة 25 مايو 2018 - 11:03 بتوقيت مكة
معركة القصير… مشاهدات برفقة “سرية العابرون”

مقالات - الكوثر: كان المشهد مهيبا عندما تم الدخول الى القصير، هذه المرة ماكان صد لهجوم، بل کان جیش المقاومة هو في موقع الهجوم.


 کل شیء یوحي أن هناک شیئاً تغیر: الدبابات – الطائرات – المدافع الثقیلة – الوحدات القتالیة الخاصة – مخازن الأسلحة والدعم – الجرافات – المستشفی الحربي – غرفة العملیات، إنه جیش حزب الله المدعوم بالجیش السوري قبیل اقتحام مدینة القصیر.

بعد انتهاء معارک غربي العاصي وریف القصیر حوصرت مدینة یسکنها وحوش کانت ترید الانقضاض علی الهرمل وتتوعد بإزالة حزب الله… في الیوم الأول کانت الأوامر لنا بأن نبقی مع جمیع الصحافیین والقنوات التلفزیونیة علی أطراف المدینة في بلدة ربلة، ثم وُفّقنا في الدخول إلی عمق المدینة في الیوم التالي، برفقة مجموعات الإقتحام المتمرکزة في محیط المدرسة الرسمیة علی بُعد أمتار من ثقل الدفاعات التابعة للمسلحین قرب مبنی البلدیة وکنیسة المدینة.

تفاصیل کثیرة کان یجب وضعها علی ورق قبل خمسة أعوام لحظة معایشتها، علق منها في ذاکرتي ما أستطیع البوح به وما لا أقدر علی کتابته.

أذکر کلّ الوجوه، سیما تلک التي رافقتها في المعرکة من ضمن سریة العابرون المنضویة في إحدی کتائب التدخل في قوة الرضوان..

عبد الرسول (الشهید حسین شلهوب الذي یبدو في الصورة معي) کان أحدهم، کان أحد أعمدة الهجوم المرکزي الذي کسر دفاعات المسلحین قرب البلدیة، طلب أن نتصور، قلت له لا تستعجل غداً سألتقط لک صوراً عدة بعد الهجوم، فأجاب أنه لن یعود،کانت من أکثر المرات التي رأیت الجدیة في ملامحه رغم طغیان اللطف وروح الفکاهة علی شخصیته بین زملائه.

وبالفعل لم یعد عبد الرسول إلا شهیداً بعدما أصیب بطلقة تسلّلت بین فراغات الدرع والجعبة،کان سبقه في سریة العابرون أبو الفضل المقداد وأبو زهراء ولاحقاً أمجد وأبو حَمَد وأبو تراب وغیرهم، وآخرون بقوا أحیاء التقیت بهم في معارک القلمون والزبداني، وقادتهم المیدانیین تمرسوا في تکسیر عظام الجماعات الإرهابیة حتی باتوا مستشارین في جبهات محور المقاومة المترامي الأطراف…

هم باسل وحیدر وبدر وفجر والنور الساطع في صباحات الانتصارات التي بدأت من القصیر.

المشاهدات کثیرة في عدة أیام، سأکتب عن أبرز یوم فیها وهو 25 أیار 2013، کان الهجوم الأکبر علی الإطلاق،تکسّرت خلاله دفاعات المسلحین شمال القصیر بعدما سیطر المقاومون والجیش السوري علی القسم الجنوبي وتجاوزوا خط سکة الحدید ومصلحة زراعة القصیر والفرن الآلي وباتوا یحکمون الخناق علی غرفة القیادة والسیطرة التي یتمرکز فیها الارهابیون قرب مبنی البلدیة.

لم یکن وقتها سلاح الجو السوري بذات الفعالیة کما الیوم ولم یکن الروس قد دخلوا بعد علی خط الحرب في سوریا، کان الإعتماد أکثر علی الاقتحام البري وجهاً لوجه بعد تطویر صواریخ البرکان الأفقیة الخارقة للتحصینات…

في الهجوم النوعي والکبیر کانت کامیرتنا هي الوحیدة الموجودة، کنا ندرک أن کثافة النیران ستحجب الرؤیة بعد دقائق من الهجوم لذلک کان الإتفاق أن یتمرکز المصوّر علی قمیحة علی بناء مرتفع قرب محطة المحروقات کي یلتقط مشاهد إمطار المدینة بوابل القذائف والصواریخ المنقطع النظیر.

کان مشهداً مهیباً، کل نقطة في الجزء المتبقي مع المسلحین في المدینة تم اسقاط صاروخ أو قذیفة علیها تقریباً… انعدمت الرؤیة من بعید وتقدمنا أنا والمصوّر حسن برجي مع مجموعات التدخل في وحدة الرضوان عند بدء الاقتحام.

کانت تکتیکات الحرکة والنار لمجموعات المقاومة برفقة أرتال الدبابات المتقدمة مشهداً جدیداً أرسلناه لحظة بلحظة إلی الاستدیو في بیروت…

لم یکن هناک وسیلة اتصال إلا عبر هاتف الثریا المتصل بالقمر الصناعی ما حتّم علي التواجد في نقطة لا سقف فوقها، فتحصنت خلف دشمة مدفع مباشر من طراز ب 9 وما هي إلا دقائق وبینما کنت أتجهز لبث رسالة مع الزمیلة بتول أیوب مباشرة علی الهواء انطفأ کل شيء، غبت عن الوعي للحظات ثم استیقظت علی صراخ المصور حسن برجي الذي أتی لسحبي لیتبین أنها قذیفة دبابة أطلقها المسلحون باتجاهنا تسببت بتمزیق الدرع الذي أرتدیه دون أي اصابات خطیرة مع ضربة علی خدي الأیسر نتیجة ارتطامي بسبطانة مدفع الـ ب 9 من عزم الإنفجار.

لم نعلن یومها عن الإصابة کي لانعطي المسلحین نصراً معنویاً ثم عولجت وأکملت عملي بصعوبة لساعات ما بعد الظهر، حیث کان الإرهابیون قد حوصروا في مربعهم الأخیر کمؤشر علی النجاح الباهر للهجوم منقطع النظیر.

عند الخامسة عصراً عدنا إلی مقر سریة العابرون برفقة قائد کتائب التدخل المهاجمة… عندها أطل الأمین العام لحزب الله سماحة السید حسن نصرالله عبر المنار حیث کان یخطب في احتفال عید التحریر في بلدة مشغرة في البقاع الغربي وقال یومها کلمته الشهیرة التي أعلنت دخول حزب الله بشکل فعلي في الحرب في سوریا: ” هذه المعرکة کما کل المعارک السابقة، نحن أهلها، نحن رجالها، نحن صنّاع انتصاراتها إن شاء الله”. کانت هذه الجملة فقط من السید نصرالله بما تحمله من عنفوان وإباء، قادرة أن تجعل هتافات المقاومین الذین یشاهدون الخطاب في الغرفة تتعالی بصوت واحد من فرط الحماسة رغم التعب والإصابات والغبار الذي جلبوه معهم قبل لحظات من المیدان…

أذکر لحظة ما زالت تفاصیلها عالقة في أذهاني في نهایة ذلک الیوم بعد الهجوم الکبیر، کان قائد الهجوم واقفاً مع کبار الضباط في غرفة العملیات علی مبنی کاشف للسلسلة الشرقیة حیث تجمّع ما تبقی من مسلحي القصیر وریفها فقال القائد لأحد الضباط “المعرکة لم تنته انظر إلی هذه الجبال المترامیة الأطراف من جوسیه ومشاریع القاع إلی جرود عرسال ونحلة ویونین نحتاج إلی سنوات لإعادة تطهیر المنطقة منهم”.

بعد أربع سنوات وبینما کنت أغطي معارک المقاومین في جرود عرسال تذکرت ما قاله ذلک القائد، لقد تحررت الحدود کلها والإنطلاقة کانت من القصیر والنهایة في جرود القلمون حیث انهزم زعیم داعش موفق عبدالله الجربان الملقب بـ” أبو السوس” والمفارقة أنه هو ذاته کان قائد کتائب الفاروق في مدینة القصیر الفصیل الارهابي الأقوی ضمن ما سُمي آنذاک بالجیش الحر قبل نشوء النصرة وداعش…

لقد حققت معرکة القصیر العدید من الأهداف التي لن یکررها التاریخ وبعض ما کُتب هو مجرّد سطر في بطولات هؤلاء المقاومین ولعل أبرز هذه المؤشرات هي:
1- أن معرکة القصیر دفعت بالخطر الإرهابي بشکل کبیر بعیداً عن البقاع وکل لبنان.
2- لقد قضت معرکة القصیر علی مشروع الجماعات الإرهابیة في المنطقة کما کتب الصحافی المصري الراحل الکبیر محمد حسنین هیکل.
3- معرکة القصیر کانت الدعامة الأساسیة لبقاء الدولة السوریة واقفة علی قدمیها، وشجعت روسیا علی الدخول في الحرب بعدما وجدت بعد عامین أن هناک قوة بریة یمکن الاعتماد علیها علی الأرض.
4- لقد کسرت معرکة القصیر الکثیر من المفاهیم العسکریة والنظریات التقلیدیة التي تقول أن المدن تُحاصر ولا تُقتحم باتباع المقاومة والجیش السوري استراتیجیة الحصار والإقتحام المزدوج عبر ضرب جسم الإرهابیین علی رأسهم في قلب تحصیناتهم في الحارة الغربیة ما أدی إلی انهیار باقي أطراف المدینة.
5- لقد أفرزت معرکة القصیر جیلاً من القادة المیدانیین في وحدات المقاومة قادوا معظم المعارک في سوریا والعراق وأماکن أخری وما زالت بعد أن راکمت خبرة فی القیادة والسیطرة تعادل کل تجاربها إبان الإحتلال الاسرائیلي لجنوب لبنان.

هذا بعض من مشاهداتي في معرکة القصیر برفقة سریة العابرون وهي جزء یسیر من ملاحم لا یتسع لها أي ورق… کنت شاهداً علی الکثیر منها في الزبداني وغرب الموصل وجرود عرسال والقلمون الغربي وقبل کل ذلک في حرب تموز. ومهما کُتب عنها تبقی مجرد شذرات في سیل المجد والبطولة التي تنصف هؤلاء المقاتلین.

“هم مقاتلو المشرق التعددي المتحضر الذین یمثلون القلب المسلح لحرکة التحرر الوطني العربيه من مارون الراس إلی القصیر”.. هکذا أسماهم ذات یوم مفکر عربی متنوّر اغتاله الظلام والکفر فی عمان اسمه ناهض حتّر.

المصدر: موقع المنار

محمد قازان

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 25 مايو 2018 - 10:46 بتوقيت مكة