أهمية حسن الخلق... في شهر رمضان المبارك

الأحد 20 مايو 2018 - 09:28 بتوقيت مكة
أهمية حسن الخلق... في شهر رمضان المبارك

ولأنّ للخلق الحسن هذه الآثار الطيبة على صعيد الحياة السعيدة، وعلى صعيد استقرار الحياة الإنسانية وعلى صعيد الدعوة إلى الله تعالى، كان من الطبيعي أن يكون ثوابه في الآخرة جزيلاً وعظيماً...

الشيخ حسين الخشن

لا بد من التوقف  قليلاً عند حسن الخلق في شهر رمضان الكريم لأهميته، فما المراد بحسن الخلق؟ وما هي أهميته؟ وما هي آثاره الإيجابية في الدنيا والآخرة

أ-تعريف حسن الخلق

في الحديث عن الإمام الصادق (ع) وقد سئل عن حدّ حسن الخلق قال: "تُلين جانبك، وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر"(1). وقد أشار هذا الحديث إلى ثلاثة عناصر تعدّ حدود حسن الخلق:

الحد الأول: أن "تُلين جانبك" وتخفضه فلا تشمخ بأنفك ولا تتكبر على أحد من الناس، لأنك { لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً} [الاسراء - 37].

الحد الثاني: أن "تطيب كلامك"، فلا تفوه إلاّ بالكلام الجميل والطيب، فقال تعالى: {مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..}[ابراهيم - 24].

الحد الثالث: "وتلقي أخاك ببشر" فلا تقطب حاجبيك بوجه الآخرين أو تعبس في وجوههم كما يفعل بعض الأشخاص الصائمين ممن تراه عبوساً قمطريراً يغضب بسرعة ويرفع صوته على أطفاله أو زوجته بحجة أنّه صائم! فمثل هذا الشخص لم يعِرف مغزى الصوم وعمق دروسه، ولم يفهم رسالة الصيام وهدفها، في الحديث عن الإمام الرضا (ع) عن أبيه عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص): إنّ شهر رمضان شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو السيئات ويرفع فيه الدرجات.. ومن حسّن فيه خلقه غفر الله له ومن كظم فيه غيظه غفر الله له.."(2).

ب‌- أهمية حسن الخلق

في كلمة تؤثر عن رسول الله (ص) تعبر أروع تعبير عن مكانة حسن الخلق عند الله تعالى، يقول (ص) فيما روي عنه: "الإسلام حسن الخلق"(3)، وفي رواية أخرى عنه: "حسن الخلق نصف الدين"(4) إنّ هذه الكلمة لرسول الله (ص) تبين لك موقع الأخلاق في الدين "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فالدين ليس صلاة وصياماً وعبادة فحسب، بل هناك عامود آخر للدين ألا وهو حسن الخلق، ولا يقوم الدين بعمود واحد، فإن وقع خلل في عامود البناء تعرّض البناء للتصدع، فلا تنفعك صلاتك إن لم يكن لديك أخلاق ولا ينفعك صومك إذا كنت سيء الخلق.(5)

ث‌- آثار حسن الخلق

وقد تسأل هل يبلغ الأمر إلى هذا المستوى ليصبح حسن الخلق معادلاً للإسلام؟

والجواب: نعم، فرسالة الدين هي رسالة أخلاق، والخلق الحسن هو الذي يساعد على استقرار الحياة وانتظامها على أكثر من صعيد، وإليك مزيد من التوضيح:

أولاً: على المستوى النفسي، فإنّ الخلق الحسن يؤمن للإنسان حداً من السعادة والحياة الهانئة، ففي الحديث عن علي (ع): "لا عيش أهنأ من حسن الخلق"(6)، فلا سعادة للمرء في الحياة إذا كانت أخلاقه أو أخلاق من يعاشرهم سيئة.

ثانياً: على المستوى الاقتصادي، فإنّ حسن الخلق يساعد على العيش الكريم، ففي الحديث عن الصادق (ع): "حسن الخلق يزيد في الرزق"(7) فإنّك لو كنت صاحب تجارة وكانت أخلاقك سيئة تعبس في وجه الزبائن فلن يدخل دكانك أحد،

وبذلك تسبب الفقر لنفسك وعيالك، ولذا نرى اليوم أنّ المؤسسات الناجحة تعلّم موظفيها على حسن التعامل مع الناس الذين يترددون على المؤسسة وذلك لتكسب الزبائن، وهذا المعنى لا بدّ أن ينعكس على الموظف في الحكومات وأجهزة الدولة الذين

يعتاشون من أموال الناس، فليس من السليم أبداً أنه إذا ذهب المواطن إلى الدوائر الحكومية لحاجة معينة فيتعامل الموظف معه معاملة سيئة وربما أهانه أو أذله، أو استقبله بوجه مكفهر مع أنّ هذا الموظف يعيش من أموال هذا المواطن الذي يدفع

الضرائب للدولة.. وهذا في الحقيقة مؤشر على الفساد الإداري في مجتمعاتنا، إنّ الإدارة الناجحة هي التي تعلّم موظفيها أن يتقنوا فن الابتسام بوجه المراجعين والصبر عليهم واستيعابهم والتعامل معهم بكل احترام وتقدير.

وهذا ما يجعلنا نفهم معنى ومغزى قول الإمام الصادق (ع) فيما روي عنه: "إنّ البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار"(8)إنّ الخلق الحسن "يعمر الديار" ليس بطريقة غيبية بل من خلال أنّه يحبب الناس إلى صاحب الخلق فيكثر أعوانه وإخوانه وأصدقاؤه، وهو "يزيد في العمر"، ليس على نحو غيبي أيضاً وإنما لأنّه يخفف التوتر والقلق عند الناس، فتطول أعمارهم، وقد قال علي (ع): "سوء الخلق نكد العيش وعذاب النفس" (9).

ثالثاً: على المستوى الرسالي، فإنّ الخلق الحسن هو أفضل داعية إلى الإسلام وإلى الدين، فصاحب الخلق الحسن يفتح قلوب الناس عليه ويجذبهم إلى معتقده ودينه، فعن رسول الله (ص): "حسن الخلق يثبت المودة"(10)ومن المؤكد أنّ رسول

الله (ص) قد جذب الناس إلى دعوته بأخلاقه الحسنة، وهكذا الأئمة من أهل بيته (ع) فكم من شخص أسلم على يديع عندما عندما عامله النبي (ص) بما هو أهله من الكرم والخلق الحسن، ومن هنا فنحن لا نتفهم أن يكون هناك داعية إلى الإسلام ولا

يحمل أخلاقاً طيبة، فمثل هذا من الأفضل أن يبتعد عن مجال الدعوة، لأنّه بسوء خلقه ينفرّ الناس عن الدين ولا يقربهم منه، فإذا أردت أن تكون داعية لله ولدينه فلا يمكن أن تكون مزاجياً بل لا بدّ أن تتحلى بأخلاق رسول الله (ص) في الصبر على ألذى {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه..} [الكهف - 28].

ج - ثواب حسن الخلق

ولأنّ للخلق الحسن هذه الآثار الطيبة على صعيد الحياة السعيدة، وعلى صعيد استقرار الحياة الإنسانية وعلى صعيد الدعوة إلى الله تعالى، كان من الطبيعي أن يكون ثوابه في الآخرة جزيلاً وعظيماً، وإليك بعض الحاديث الشريفة التي تؤكد على أجر صاحب الخلق الحسن:

1- عن رسول الله (ص): "إنّ صاحب الخلق الحسن له أجر الصائم القائم"(11)وربما كان أجره أجر الصائم بالتحديد، على اعتبار أنّ الخلق الحسن يحتاج إلى مجاهدة للنفس وكظم لغيظها تماماً كما يحتاج الصائم إلى صبر على شهوات النفس ورغباتها.

2- عن رسول الله (ص): "أول ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن خلقه" (12).

3- وعنه (ص): "ليس شيء أثقل في الميزان من الخلق الحسن" (13).

4- قيل لرسول الله (ص): ما الذي يلج به الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق"(23).

الهوامش:

(1) معاني الأخبار ص253.

(2) الأمالي للصدوق ص109.

(3)كنز العمال

(4)الخصال للصدوق

(5) ففي الحديث عن رسول الله (ص): "قيل له: إنّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: لا ضير فيها هي من أهل النار"بحار ألأنوار ج68 ص394.

 (6) عيون الحكم والمواعظ ص538.

 (7) بحار الأنوار

(8) بحار الأنوار

(9) غرر الحكم ودرر الكلم

(10)بحار الأنوار

(11)مستدرك الوسائل ج8 ص443.

(12)قرب الإسناد ص46.

 (13) مستدرك الوسائل ج8 ص442.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 20 مايو 2018 - 09:27 بتوقيت مكة