ولادة الإمام المنتظر...تذكير بالأمل الآتي

الأربعاء 2 مايو 2018 - 16:09 بتوقيت مكة
ولادة  الإمام المنتظر...تذكير بالأمل الآتي

في الغيبة الكبرى، هناك الكثير من العمل الذي حمّلنا الله مسؤوليّته، العمل على نشر الإسلام ونشر العدل في العالم، والعمل على إسقاط المستكبرين، حتى إذا انطلق عصر الظّهور...

آية الله السيد محمد حسين فضل الله

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(القصص: 5-6). ويقول سبحانه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(الأنبياء: 105). ويقول أيضاً: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}(النّور: 55).

توحي هذه الآيات إلينا، أنَّ هناك مرحلةً مستقبليّةً من الزّمن سوف يقضي الله تعالى فيها بقوّة المستضعفين وضعف المستكبرين، وهكذا ينطلق عباد الله الصّالحون من أجل أن يسيطروا على الأرض كلّها ويرثوها، وليمتدّ الدّين الذي أراد الله للنّاس أن يأخذوا به، وأن يمتثلوا أوامره ونواهيه، وتلك المرحلة هي المرحلة التي أشار إليها النبيّ(ص) عندما تحدّث عن نهاية العالم، وعن القيادة الإسلاميّة من أهل البيت(ع)، مِنْ وُلد الإمام الحسين(ع)، التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فقد ورد عن النبيّ(ص) فيما روي عنه: "لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمر أمّتي ـ بحكم الدنيا والسّيطرة عليها ـرجلٌ من وُلد الحسين(ع)، يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً". لأنّ الله تعالى يريد للدّنيا هذه، في كلّ التطوّرات التي عاشها الناس، مما تحرّك فيه الظّالمون والمستكبرون والكافرون، أن يأتي زمنٌ لا يبقى فيه ظلمٌ في الأرض، بل أن يكون هناك عدلٌ يعيشه كلّ إنسان؛ عدل الإنسان مع نفسه فلا يظلمها، وعدله مع ربّه فلا يظلم حقّ ربّه، وعدله مع النّاس فلا يظلم أحداً منهم، وعدله في الحكم فلا يحكم إلا بالعدل.

لقد أراد الله تعالى أن لا تنتهي الدّنيا حتى تنطلق القيادة الإسلاميّة العادلة التي تقوم بالإسلام كلّه، ليكون العالم كلّه مسلماً لله على خطّ النبيّ إبراهيم(ع):{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ}(البقرة: 131). ونحن نعرف أنّ الإسلام لله، هو أن يعيش النّاس في مواقع رضا الله تعالى، لأنّ الله أرسل كلّ الرسالات، وأنزل كلّ الكتب، ووضع الميزان للنّاس ليقوم النّاس بالقسط. والقسط هو العدل، وهذا ما يتمثّل في من ننتظره بكلّ عقولنا وقلوبنا وحياتنا، وهو الإمام المهديّ(عج).

ويؤكّد النبيّ(ص) اقتران الكتاب الكريم بالعترة في مدى الزّمن، فقد ورد عن النبيّ(ص):"إني تاركٌ فيكم ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض". فما دام هناك كتاب الله يُتلى، فهناك شخص من عترة النبيّ(ص) يتحرّك وينطلق من أجل أن ينفتح بالنّاس على رسالة الإسلام، اتّباعاً واقتداءً وخلافةً للنبي(ص).

وهكذا نعيش في حال الانتظار. ولكن، ما هي مهمّتنا عندما نتطلّع إلى تلك المرحلة، وما هي مسؤوليّتنا في حركتنا في الواقع عندما نتطلّع إلى هذه القيادة المهديّة العادلة؟ إنّنا حين نراقب حركة الإمامة، فإنّنا نلاحظ أنّ مهمّة الأئمّة من آباء المهديّ(عج) كانت أن يملؤوا الدّنيا إسلاماً في أحاديثهم وإرشاداتهم ودروسهم في المبدأ والتفاصيل، حتى لا يحتاج النّاس إلى أيّ حكم أو مفهوم إسلاميّ. ولذلك، عندما جاءت النّوبة إليه، وبدأت الغيبة، ورد في الرواية عنه، وهو يجيب من سأله، قوله: "وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا"، لأنهم يحملون كلّ هذا التراث ليبلّغوه للنّاس، لأنّه لم يبق هناك شيء لم يبلّغوه من الإسلام، في التّفسير والسنّة، حتى إنّ النّاس لم يعيشوا أيّة حيرة في أيّ حكم شرعيّ، وفي أيّ قضيّة إسلامية.

ولذلك، بدأت الغيبة الكبرى التي انطلقت من حكمة الله، ولكن بقيت القضايا الإسلاميّة التي تركها الأئمّة(ع) في هذه المرحلة من الغيبة، فعلى كلّ مسلم ومسلمة، وخصوصاً على العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، والذين هم "أمناء الرّسل ما لم يدخلوا في الدّنيا"، أن ينطلقوا ليأخذوا بكلّ هذا التراث من الكتاب والسنّة، وما تركه أئمّة أهل البيت(ع)، لينشروه على النّاس. وقد جاء الحديث عن النبيّ(ص) محذّراً ومهدّداً العلماء الذين يجلسون في بيوتهم ولا يقومون بمهمّة الدعوة: "إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، وإن لم يفعل فعليه لعنة الله."

فعلينا أن نشغل أنفسنا، كلٌّ بحسب ثقافته وقدراته وظروفه، من أجل أن يمتدّ الإسلام ثقافةً وحركةً في العالم كلّه، فالله تعالى يحمّل كلّ شخص يعرف حكماً شرعياً أو مفهوماً إسلاميّاً، مسؤوليّة أن يشرحه ويعلّمه للنّاس. فالقضيّة ليست فقط أنّنا نتطلّع إلى الله أن يعجّل فرجه، بل أن نقوم نحن بما يريد أن نقوم به من الانطلاق بالرّسالة، حتى نصنع في كلّ موقعٍ من مواقع هذه الحياة الدّنيا، في الغرب أو الشّرق، موقعاً إسلاميّاً ومجتمعاً إسلاميّاً.

نعم إنّ مسؤوليّتنا في ذكرى ولادة الامام المهدي(ع)ليست أن ننتظره لينطلق هو في نشر الإسلام، بل أن ننطلق بالإسلام في غيبته ونحمله إلى كلّ العالم، ليرى أنّ هناك حركةً إسلاميّةً تنفتح على كلّ الواقع في الحياة. وهناك مسؤوليّة أخرى، وهي أنَّ هناك في العالم الذي نعيش فيه عدلاً وظلماً، وهناك شعوب تعيش تحت ظلم الظالمين، ومسؤوليّتنا هي أن نعمل على نشر العدل بين النّاس، لأنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان، ويريد لنا أن نعدل مع الجميع، من أجل تحقيق الهدف الكبير الّذي هو هدف الإمام الحجّة(عج)، لنفتح في كلّ موقعٍ ساحةً للعدل، فنقف مع كلّ قضيّة عادلة في العالم، ومع كلّ شعبٍ يطالب بالعدالة في حقوقه، سواء كان مسلماً أو غير مسلم، لأنَّ الله تعالى يرفض الظّلم لكلّ النّاس حتى لو كانوا كفّاراً، وقد ورد في بعض الرّوايات، أنّ الله تعالى "أوحى إلى نبيٍّ من أنبيائه في مملكةِ جبّار من الجبّارين، أن ائتِ هذا الجبّار وقل له إنّي إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتَهم ولو كانوا كفّاراً". فلا يجوز لنا أن نكون مع الذين يظلمون النّاس وينكرون عليهم حقوقهم في كافّة جوانب الحياة.

وهناك في العالم فريقٌ من النّاس سمّاهم الله بالمستضعفين، هؤلاء الذين تسيطر عليهم الدّول المستكبرة، وتصادر كلّ أوضاعهم، فعلينا أن نعمل لنعالج قضايا المستضعفين، وأن نؤيّدهم وننصرهم، وأن يكون هذا اليوم؛ يوم الخامس عشر من شعبان، يوم المستضعفين الذي أشار الله إلى إرادته في نهاية المطاف{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ}(القصص: 5). علينا أن نعمل من أجل نصرة المستضعفين، ومن أجل توحيد قضاياهم، ليكون المستضعفون قوّةً تواجه المستكبرين وتسقط استكبارهم.

في الغيبة الكبرى، هناك الكثير من العمل الذي حمّلنا الله مسؤوليّته، العمل على نشر الإسلام ونشر العدل في العالم، والعمل على إسقاط المستكبرين، حتى إذا انطلق عصر الظّهور، فإنّ علينا أن ننطلق إليه لنقول له: يا سيّدنا، يا إمامنا، يا حجّة الله على خلقه، لقد قمنا بما نستطيعه من المسؤوليّات. علينا أن نبايعه حتى لو لم يكن ذلك بشكلٍ مباشر، لأنّنا سنبايع الرسالة والعدالة والقضيّة.

علينا أن نحذر من كلّ هؤلاء الذين يحاولون خديعة النّاس، فيدّعون أنهم سفراء للإمام الحجّة(ع)، وأنهم يلتقون به، هؤلاء كذّابون خدّاعون مبطلون، ويحاولون أن يستغلوا عاطفة الناس، وعلينا أن نحاربهم ونسقطهم ونعمل على إظهار كذبهم وخداعهم. إنّ الإمام(ع) لم يجتمع مع أحد بعد انتهاء مرحلة السّفراء، وكلّ من يدّعي أنه اجتمع معه، فإنّ ذلك لا أساس له.

إنّنا ننتظره بالعمل والرّسالة والعدالة والحركة الجادّة التي تنطلق من أجل إقامة العدل بين النّاس في هذا الموقع أو ذاك، ولذلك، فإنّنا نقف حتى مع الذين يخالفوننا في الرأي أو المذهب إذا كانت لديهم قضيّة عدل، لأنّ الله يريد العدل للنّاس كافّةً.

اللّهمّ أرنا الطّلعةَ الرشيدة، والغرّة الحميدة، واجعلنا من أنصاره وأعوانه، والمستشهدين بين يديه. اللّهمّ صلِّ على وليّ أمرك القائمِ المؤمَّل، والعدل المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس منك يا ربّ العالمين".

المصدر: موقع بينات

إقرأ أيضا : متى خرج آخر توقيع للإمام الحجة(ع)؟

إقرأ أيضا : الآية الشريفة"الذين يؤمنون بالغيب..." تعني غيبة الامام المهدي(عج)؟!

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 2 مايو 2018 - 16:08 بتوقيت مكة
المزيد