تسمية ابو الفضل العباس:
إن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لمّا أجرى المستحبات المأثورة على مولوده الجديد التفتت إليه ـ على ما قيل ـ ابنته عقيلة بني هاشم ، وربيبة الوحي والعصمة السيّدة زينب الكبرى (عليها السّلام) وقالت له : يا أبه ، هل اخترت لهذا المولود اسماً ، وانتخبت له كنية ولقباً ؟
فأجابها أبوها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعطف وإقبال : (( نعم يا بُنيّة ، لقد اخترت له كلّ ذلك )) .
فقالت (عليها السّلام) بلهفة وتعطّش : وما هي ؟
فقال (عليه السّلام) : (( أمّا الاسم ، فاسمه العبّاس ؛ وأمّا الكنية ، فكنيته أبو الفضل ؛ وأمّا اللقب ، فلقبه قمر بني هاشم ، وقمر العشيرة ، والسقّاء )) .
فأعجب السيّدة زينب ذلك وقالت متفائلة : يا أبه ، أمّا أنّ اسمه عبّاس فعلامة البسالة والشجاعة ؛ وأمّا كنيته أبو الفضل ففيها علامة الشهامة والنبالة ؛ وأمّا لقبه قمر بني هاشم وقمر العشيرة فهو علامة الجمال والكمال والهيبة والجلال ، ولكن يا أبه ، ما معنى أنّه السقّاء ؟
فالتفت إليها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وبعد أن توسّم في الوليد الجديد شريط المستقبل ، وتصفّح في ملامح وجهه سجلّ الواقع القريب ، وقال وهو (عليه السّلام) يستعرض على ابنته بعض ما في ذلك السجلّ من أنباء وأخبار ، ويحدّثها عن بعض ما فيه من حوادث وملاحم ، وذلك بزفرات متواصلة ، ونبرات متقطّعةوخافتة : (( يا بُنيّة ، إنّه ساقي عطاشى كربلاء )) .
وما أن سمعت السيّدة زينب (عليها السّلام) من أبيها هذا الجواب ، ورأته مختنقاً بعبرته إلاّ وانخطف لونها , وانصدع قلبها ، وأجهشت بالبكاء ، فلقد ذكّرها أبوها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بما حدّثته به اُمّ أيمن عن جدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من قصة كربلاء وفاجعتها الأليمة
التسمية برواية اُخرى:
وجاء في بعض الكتب المعتبرة أنّ اُمّ البنين يوم وضعت حملها ، وولدت أوّل أشبالها قمّطته بقماط أبيض ، وقدّمته إلى أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ليجري عليه سنن الولادة من التسمية وغير ذلك ، فلمّا أخذه أمير المؤمنين (عليه السّلام) قرّبه إلى فمه ومسح على عينيه وفمه بلسانه الشريف ـ ولعلّه حتّى يكون ممّن يرى الحقّ ويسمع الحقّ وينطق بالحقّ ـ ثمّ أذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثمّ التفت إلى زوجته الوفيّة اُمّ البنين ومَنْ حولها وقال : (( ما سمّيتموه ؟ )) .
فأجابته اُمّ البنين بتأدّب واحترام قائلة : وما كنّا لنسبقك في شيء يا أمير المؤمنين .
فشكر الإمام أمير المؤمنين شعورها الطيّب ووفائها الجميل ، ثمّ قال : (( إنّي سمّيته باسم عمّي العبّاس عباساً )) . ثمّ ضمّه إلى صدره ، وأخذ بيديه الصغيرتين
ورفعهما إلى فمه ولثمهما بقبلاته الساخنة ، واستعبر باكياً وهو يقول : (( كأنّي بيديه هاتين تقطعان يوم الطفّ عند مشرعة الفرات في نصرة أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام) )) . فاستعبرت اُمّه ومَنْ كان معها ، وفوّضت أمره وأمرها إلى الله تعالى .
اقرأ ايضآ:ولادة العباس ابن الإمام علي(عليهما السلام)