هل تريد أن تهذب نفسك؟...هذا ما عليك فعله

الخميس 19 إبريل 2018 - 19:34 بتوقيت مكة
هل تريد أن تهذب نفسك؟...هذا ما عليك فعله

قبل البدء بأي برنامج لتهذيب النّفس وإصلاحها، لا بد من توافر عنصرين أساسيّين...

قبل البدء بأي برنامج لتهذيب النّفس وإصلاحها، لا بد من توافر عنصرين أساسيّين:

السيّد عبّاس نورالدين

نتذكّر دائمًا أنّ التخلّص من كلّ النّقائص النفسيّة هو عمليّة ينبغي أن تجري بوعيٍ تام وإرادة جدّيّة. إن تحمّل المسؤوليّة التامّة عن إزالة العقبات التي تقف بوجه سيرنا التّكامليّ هو شرطٌ ضروريّ لأي إصلاح.
حسنًا، لقد انتقلنا من مرحلة الطفولة ـ أو هكذا يبدو ـ وأصبحنا مسؤولين عن تصرّفاتنا وعن مصيرنا. وتتوالى الضّربات أو الأزمات التي نقع فيها مع كلّ موقفٍ سلبيّ نتّخذه، فنعلم أكثر أنّ علينا أن نغيّر من سلوكنا أو تصرّفنا الذي جلب علينا تلك المشاكل.. لكنّ الأمر يعود ويتكرّر، وفي بعض الأحيان بصورة سريعة ومن دون رويّة. والأصعب حين نعلم أنّنا تسبّبنا بمشكلة كبرى للآخرين دون أن نقصد.
فلماذا تتسبّب أفعالنا الصّغيرة في بعض الأحيان بهذا الحجم من الأضرار؟ ولماذا تتكرّر رغم أنّنا لا نريد ذلك؟
لقد غضبتُ مجدّدًا وصدر منّي كلامٌ مؤذٍ، وكبرت القضيّة وتحوّلت إلى عداوة أو قطيعة. لم أشأ أن تصل الأمور إلى هذا الحد؛ والآن يجب عليّ أن أعالج ما جرى رغم صعوبته وتعقيده. لماذا تتعقّد الحياة إلى هذا الحدّ؟
الكثيرون يختارون معاشرة من يتحمّل غضبهم وتصرّفاتهم الصّعبة!
وهكذا، وبدلًا من أن نكتشف حقيقة القضية ومعالجة الأمر من أساسه، نسعى لمعاشرة من يتقبّلنا كما نحن، فندخل في دهليز العلاقات العابرة والسّطحيّة. فسوء الخُلُق أمرٌ لا يمكن أن يتحمّله أحد. وإن حصل فإنّ هذا الأحد لن يقدر على أن يكون صادقًا صريحًا معنا.. فما الذي ينتظره النّاس من بعضهم سوى العشرة الحسنة والجميلة؟!
لا ننسى أنّ تكرّر أي تصرّف سيّئ يدلّ على وجود مصدرٍ ثابت ينبع منه؛ وهذا ما نعبّر عنه بالخُلُق أو الملكة النفسيّة الراسخة. وقد تحدّث علماء الأخلاق والنّفس كثيرًا عن هذه الأمور واكتشفوا الأخلاق السيّئة والأخلاق الفاضلة ورتّبوها ضمن شبكة من العلاقات والتّأثيرات المتبادلة. والأهم أنّ تراث هؤلاء العلماء يحفل بالنّصائح والتّعليمات المفيدة للتخلّص من رذائل الأخلاق وقبائح الصّفات.
ولكن لكي نوفّق في أي برنامجٍ إصلاحيّ، لا بدّ قبل أي شيء من توافر حالتين أساسيّتين في النّفس؛ هما:الوعي والندم.
أمّا الوعي، فإنّه يعني امتلاك إدراك واضح وعميق تجاه أنفسنا وما فيها وكيفيّة صدور الأفعال عنها.
ففي المرحلة الأولى من العمر، يفتقد الطفل إلى مثل هذا الوعي والانتباه، لأنّ المحرّك الأساس لكلّ التصرّفات هنا ستكون تلك الغريزة الناشئة من حاجات البدن. وهكذا من الطبيعيّ أن يندفع الطفل نحو الكثير من الأمور بدافع تلبية الحاجات الأساسيّة للجسد، وبتبع ذلك بدافع التجربة اللذيذة التي نجمت عن تلبية هذه الحاجات؛ حتى لو جرّنا الدافع الثاني إلى ما لا تُحمد عقباه. لهذا احتاج الطفل إلى رعاية خاصّة من قِبل مربّ عاقل، حتى لا يوقع نفسه في المهالك.
وبمجرّد أن ينبعث العقل في نفس الطّفل، يصبح قادرًا على التمييز بين الضار والنافع له ولغيره. فإن وُجد من يبيّن له هذا الضّرر أو ذاك، عقِله وأدركه وانبعثت فيه رغبة بتركه والإعراض عنه، إلا إذا كانت قوّة الغريزة والشهوة فيه أقوى وأشد؛ فيحتاج حينها إلى سلطة قاهرة تمنعه وتهدّده بالعقاب إن هو فعل.
ففي مثل هذه المرحلة ينبغي أن يكون التّأديب ناظرًا إلى إحكام وتثبيت سلطة العقل في النفس. وهذا ما يتطلّب عنصرًا آخر، وهو الفطرة التي تجعلنا نشعر بوخامة التّصرّفات الخاطئة والندم عليها والرّغبة بعدم العود إليها.
وقد يكون حضور الفطرة قويًّا عند البعض إلى الدرجة التي لا يحتاجون معها إلى أي سلطة قاهرة خارج النفس؛ وقد يكون حضورها ضعيفًا إلى الدرجة التي لا ينفع معها كل أنواع التأديب والوعيد. ولهذا، فالمعوّل على تجارب الحياة المقبلة وما ستحمله لصاحب هذه الفطرة المحجوبة الضعيفة من نتائج مرّة، وأحيانًا كارثيّة، عسى أن يرعوي ويتّعظ بتجاربه الخاصّة.
لقد تمّ الكشف عن العلاقة الوطيدة بين طهارة المولد وما يجري في مدّة الحمل، وبين درجة حضور الفطرة في نفس الطفل. لكنّ وعي الطفل المبكر تجاه كل هذه القضيّة يمكن أن يشكّل عاملًا قويًّا في استعادة ما فُقد من نور الفطرة. ولا نعرف طريقة للتّأثير الإيجابيّ على الأطفال لتحقيق هذا الأمر مثل طريقة استحضار تجارب الحياة بكثرة وبقوّة وبأسلوبٍ جاذبٍ وعميق وتقديمها له عبر القصص.
يمكن للقصص التي تربط بين السّلوكيّات السيّئة أو السّلوكيّات الحسنة ونتائجها الكبيرة في الحياة أن تكون أكبر ملهم أو باعثٍ لروح الفطرة في نفوس الأطفال. وهكذا، يتأمّن للعقل والوعي تجاه الذات أرضية مناسبة لينمو ويتكامل ويزداد حضورًا وسلطة في النفس. ولا شك بأنّ حضور العقل في المرحلة الأولى يتمثّل في ما عبّرنا عنه بالوعي تجاه الذات وما فيها وما يصدر عنها.
فنحن بحاجة ماسّة لإدراك البواعث الخفيّة لأفعالنا السيّئة والتي يمكن أن تختفي وراء العديد من العوامل الاجتماعيّة والنفسيّة. وأعظم الوعي وأعلاه هو الوعي بأنّ جميع مشاكلنا تنبع من أنفسنا، والاقتناع التام بأنّ سعادتنا الواقعيّة متوقّفة بشكل تام على إرادتنا وتصرّفاتنا. ويمكن أن يتجلّى مثل هذا الوعي، الذي هو منبع كل وعي آخر، من خلال الاستعداد التام، بل الرغبة الشديدة، بسماع النصيحة وتقبّل النقد والاهتمام بمعرفة مشاكل النفس والاندفاع نحو دراسة القضايا الأخلاقية و...
وإذا كنّا من أهل التربية والتوجيه الأخلاقيّ، ينبغي أن نحرص قبل أي شيء على بعث هذا الوعي في نفوس المتربّين عبر مجموعة من الطّرق أو القناعات التي يمكن ترسيخها بواسطة مجموعة من الوسائل التربويّة الحكيمة.
والمشكلة الكبرى، إن نحن أغفلنا مثل هذا العنصر المحوريّ، ستكون على مرّ الزمن في فقدان تلك الحالة الفطريّة المطلوبة وهي النّدم والشّعور بوخامة المشاكل النفسيّة والأخلاقيّة. لأنّ فقدان الوعي تجاه العلاقة بين مشاكلنا وأزماتنا وبين أخلاقنا وصفاتنا النفسية، سيفسح المجال مع مرور الوقت لتحوّل هذه الصفات إلى حالات تستلذ بها النفس وترفض الانعتاق أو التخلّص منها. فحينها سيستلذ الغضوب بغضبه والحسود بحسده والمتكبّر بتكبّره ولن يرغب بالانفصال عن هذه الحالات النفسيّة؛ ممّا يستدعي علاجًا آخر لا تنفع معه مصائب الدنيا وما تجلبه على سيّئ الخُلُق من كوارث وأضرار. وإنّما يكون ذلك في عالم آخر نعوذ بالله من أهواله.
إنّ الندم على ما تسبّبه لنا أخلاقنا يمكن أن يكون في بعض الأحيان سببًا مستقلًا لخلاصنا منها. فالإنسان لا يتحمّل العيش مع الندم المستمر؛ ومثل هذا الشعور إذا امتزج بطلب الخلاص يمكن أن يستدر عطف الله تعالى وعنايته الخاصة التي تتجلى أحيانًا بتلك الجاذبة الكبرى التي تجذب الإنسان إلى عالم القدس، فيطهُر من كل ما سوى الله.

المصدر: مركز باء للدراسات

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 19 إبريل 2018 - 19:34 بتوقيت مكة