الإسراء والمعراج رحلة الأرض والسّماء

الإثنين 16 إبريل 2018 - 09:48 بتوقيت مكة
 الإسراء والمعراج رحلة الأرض والسّماء

تمرّ علينا ذكرى الإسراء والمعراج والمبعث النبوي الشريف في السابع والعشرين من شهر رجب المبارك. والمناسبة عظمية القدر، جليلة المعنى والمقام عند المؤمينن جميعاً، فهي تبرز وجهاً من وجوه الإعجاز في شخصية الرسول الأكرم(ص)، وتؤكّد وحدة الرسالات وعالمية الدعوة الإسلامية. ولقد أشار تعالى إلى ذلك، حيث قال في كتابه العزيز: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء: 1].

 

أفكار ورؤى - الكوثر

 

محمد عبدالله فضل الله

وثمّة سؤال نطرحه على أنفسنا كمؤمنين ننتمي إلى الإسلام كدين وشريعة وعقيدة: ما مقدار استفادتنا من إعجاز الشخصية النبوية في الإسراء والمعراج وغيرها؟ وما مقدار استفادتنا منها في وحدتنا وعالميّة رسالتنا ودعوتنا إلى الله؟

 

أسئلة تطرح علينا بجدية كمجتمع إيماني لا بدّ وأن يعيش الإيمان وعياً وتمثلاً عملياً وفعلياً لمحطاته التاريخية والروحية، بما ينعكس مزيداً من التقوى والمسؤولية والإخلاص في كل جوانب الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والإنسانيّة.

 

إذا ما نظرنا إلى وحدتنا الإسلامية، فإنها تحتاج إلى جهد كلّ واحد منا، وإلى تفعيلها جدياً من قبل القيّمين على الشأن الإسلامي العام في خطاباتهم وندواتهم ومواقفهم، بحيث يمتلكون الرؤية والذهنية الواضحة التي تتوخّى عملاً إسلامياً وحدوياً يبرز شيئاً من عبق هذه الذّكرى التي أرادت للناس جميعاً التوحّد حولها.

 

الرسول الأكرم(ص) عرِّج به إلى السّماء لينظر في ملكوت الله، ويشاهد آثار قدرته، حتى يعلّمنا دائماً النظر إلى السماء، وتلمس أفقها الواسع والرحب، بعيداً من النظرات الأرضية المحدودة، كما أراد الرسول(ص) بإسرائه، تأكيد الترابط بين الإنسان والأرض التي عليه أن يعمرها بدعوته الواعية إلى الله على المستوى العالميّ ككلّ، فينبذ كلَّ ضيق أفق وكلّ عنصريّة وشعور بالذاتيّة والقوميّة والعرقيّة، لأنّه يتنافى مع مشاعر الوحدة بين النّاس.

 

إنَّ اختيار الرسول(ص) للإسراء والمعراج، هو تكريم له وتشريف من ربّ العالمين كفضل عليه ورحمة وبركات، كونه يمثّل في شخصيته كلّ إعجاز قولي وسلوكي.

 

والإعجاز السلوكي لرسول الله(ص) واضح بيّن، لا يحتاج إلى كثير عناية، بل نلمسه في كلّ محطات سيرته المباركة الخاصّة والعامّة، بحيث لم يظهر في سلوكه سوى كلّ انعكاسٍ سلسٍ وواضحٍ وقويٍّ على مدى توازنه وثبات شخصيّته في سلوكياتها وتعاملياتها مع الناس جميعاً، بحيث كان(ص) زوجاً كأفضل ما يكون الأزواج، وأباً حنوناً عطوفاً كأفضل الآباء، وقائداً وحاكماً كأفضل ما يكون القادة والحكَّام، وواعظاً وداعياً إلى الله. كان في كلِّ قواه الظاهرة والباطنيّة النفسيّة والخلقيّة، واحداً متجانساً في زهده وشجاعته وصبره وجهاده وتواضعه وعلمه وأخلاقه، بحيث جمع كلّ كمالٍ وجلالٍ بفضلٍ من الله ورحمته، حتى امتدحه تعال: {وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عظيم}.

 

رحلة الإسراء والمعراج وقصّة المبعث هي رحلة العقل والروح، وقصّة الوجدان والفكر والحركة، في سبيل معايشة التوحيد العملي لله في كلّ الظّروف والأوضاع.

 

في ذكرى إسراء رسول البشريّة ومعراجه ومبعثه المبارك، هلّا نتعلّم من سلوك رسول الله(ص) الذي شكّل معجزة تستحقّ التأمل والدراسة والتمثل والاتّعاظ؟! وهلّا ننبعث معه في كلّ ما دعانا إليه، حتى نحيا برسالته، ونتجمّل بأخلاقه، ونبتعد عن كلّ ما يسيء إلى إنسانيتنا وكرامتنا وحضورنا ومصيرنا؟!

 

الإسراء والمعراج والمبعث محطّات تلهمنا كلّ روحانية تحفّزنا على السموّ والارتفاع والنظر في ملكوت الله السماوي والأرضيّ، كي نكون من العباد الذين يعيشون الوجود الحقيقي، ويتمثلونه وعياً ونضجاً واستقامة وفضيلة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 16 إبريل 2018 - 09:48 بتوقيت مكة