ولد البهلول في الكوفة، ولم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته. وتوفي ببغداد حدود سنة 190 هـ، وقيل سنة 192 هـ، وقيل بعد سنة 247 هـ، ودفن بها. وانه عمر طويلاً حتى الثمانين.
وخلاصة التحقيق ان مكان قبره وهو الموضع الحالي في مقبرة الجنيد البغدادي بالكرخ القريبة من مقبرة شيخ العرفان معروف الكرخي وشهيد العشق الالهي الثالث الحلاج. ومن الطريف فقد قبر الى جانبهم حكيم صوفي من سيخ الهند اسمه بابا نانك وكدرو نانك بتسمية اتباعه من السيك. ويعتقد القائمون على المقبرة انه مسلم او تحول الى الاسلام بعد تتلمذه على المتصوفة المسلمين اما السيدك الهنود فيعتقدون انه احد كبار دينهم وقد حلت به الروح الالهية.
يقع قبر العارف الكبير البهلول في طريق مطار المثنى مروراً بمنطقة الشالجية بإتجاه جامع براثا، وقد كتبت لافتة خط فيها قبر بهلول الكوفي.
وهو من كبار علماء وفضلاء عصره، كان رحمه الله من أصحاب الإمامينِ الصادق والكاظم عليهما السلام. بل هو من خواص تلاميذ الإمام الصادق عليه السلام. وهو واحد ممّن رووا عن الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام. عُرف بالحكمة والذكاء، وكان أديباً، شاعرا.
اقرأ ايضا: نبذة عن أروع قصص البهلول
ولد بالكوفة ونشأ بها، وعاصر من ملوك العباسيين كلاًّ من موسى الهادي وهارون الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل. وهو سيد عقلاء المجانين في زمانه واحد رموز التصوف والعرفان ومن الدعاة لله باسلوب تميز به في زمن تعاظمت به النقمة على ال علي وفاطمة وشيعتهم. وكان جامعاً للخصال الحميدة. من جمال الخلقة ومن امتلاكه لدرجة عالية من المفاكة مما يفتح له الابواب في ايصال الافكارً.
وكان اولئك الملوك يستقدمونه الى بلاطهم لمنادمته وسماع نوادره ومليح حكاياته وبديع شعره ولطيف فكاهاته. وكان البهلول يتخذ من ذلك وسيلة للنقد الهادف والدعوة لله والتزام بمكارم الاخلاق والتذكير باليوم الاخر. ولأجل التخلص من طغيان اولئك الملوك المتجبرين كان يتصرف تصرف المجانين، ويظهر السفاهة والبلاهة وذرا للرماد في العيون كان يبدو لهم وكأنه مجنون. وكان ذلك بأمر من الامام الكاظم عليه السلام لحفظ نفسه ودينه، ولكي يستطيع من أن يسفه الباطل ويظهر الحق، فعرف بالمجنون خلافاً للواقع والحقيقة لانه كان من سادة العقلاء وكبار الدعاة.
كان يفتي على منهج أهل البيت عليهم السلام ويوضح للناس منهج اهل البيت الذين اوصى الرسول الكريم بالرجوع اليهم من بعده. وكان يناظر كبار المخالفين كأبي حنيفة النعمان بن ثابت وغيره ويفحمهم.
التقى به الرشيد في الكوفة سنة 188هـ 802م فأعجب به وجعله من بعض خاصته ليسمع نوادره.
وكان بهلول يرفض منح الرشيد وجوائزه. فتظاهر بهلول بالجنون لئلا يقتله الرشيد. واطلقوا على بهلول الرشيد لقب سلطان المجاذيب. وصار اسمه في ما بعد صفة لكل مخبول أو شبه مجنون أو البلاهة.
كان جنون بهلول ينتابه من حين إلى حين، فهو إذن عاقل في معظم أوقاته. لكنه يتجانن اي يظهر الجنون حسب الظروف مما يدل بوضوح على امتلاكه طاقة عالية في التحكم في نفسه وانفعالاته ولا جدل انها قوة عقلية يمتلكها البهلول انى يريد واستعملها في صياغة مشروعه مع السلطة ومع الناس.
والتامل بسيرته ومواقفه تكشف لنا ان لغته كانت لطيفة ودقيقة وسليمة. وتكشف لنا كذلك انه راوية للقصص التي يطرحها في المكان والزمان المناسبين مما يدل على سرعة الخاطر والبديهية.
وعلى صعيد رواية الحديث عند المدرسة الاخرى يقول احد ابرز علماء الحديث والرجال السنيين وهو محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748هـ: أن بهلولاً كان يروي الأحاديث عن عمرو بن دينار وعاصم بن بهدلة وأيمن بن نائل، وأن أحاديثه لا مقبولة ولا مرفوضة. ولم يدون أحد من تلاميذه شيئاً من اقواله.
وذكر المستوفي ان أباه عمراً كان عماً للرشيد العباسي واستبعد ذلك السيد محسن الامين العاملي في اعيان الشيعة وقال لأنه لو كان كذلك وصف بالهاشمي أو العباسي وغير ذلك. وهو ما لم يذكر المؤلفون شيئاً منه فيما يتصل بنسبه.
ولكن الشائع بين الناس انه من اقارب الرشيد او ابن عمه وقد سمعت ذلك من العديد من الجدات والعمات والخالات وكانت والدتي لا تجادل في كونه ابن عم هارون الرشيد. فراى معظم العامة أنه يمت بصلة القرابة إلى هرون الرشيد وأنه ابن عمه أو أن بهلول عمه وإن الرشيد اغتصب الخلافة منه. وقيل ان قرابتة من هارون الرشيد كانت السبب في عدم تورعه وخوفه من هارون الرشيد وعماله، حتى انه كان يدخل عليه وعليعم أي وقت شاء ويتكلم بما يريد.
ظاهرة التبهلل عند العقلاء
البهلول لغة بضم الباء وجمعه بهاليل. معناه الكريم النبيل والسيد الجامع لكل خير.
والناس تلفظ بُهلول فتقول بَهلول بفتح الباء، وهو ما تعودت عليه السنتنا عندما ننطق اسمه والصواب ضمها. ومن معانيه الضحّاك. وبعض الناس اليوم اذا ارادوا ان يصفوا احدا بالجنون والغباء والبلاهة يقولون عنه انه بهلول اي خبل او امخبل!!!
وظاهرة التبهلل ليست من ابتكار البهلول الصوفي بل انها نسبت اليه لشهرته في هذا الباب. ومن مارس اسلوب التبهلل قبل بهلول كثيرون. والبهاليل من العرب وان لم يُسموا بالبهاليل لكنهم ادعوا الجنون او البلاهة والبلادة وهم عقلاء ولم يفعلوا ما يسيئ الى حاكم مباشرة بل باساليب متقنة ودقيقة تجلب الاثر ولا تعطي الدليل الجرمي ضدهم. وهم يتقصدون ذلك محتمين بسياج من الوهم الشعبي في ضعف عقولهم وهم الاكثر عقلاً والابهر ذكاء لكنهم يتقون سيف الحاكم وجرمه باظهار الغريب من السلوك.
ولم يكن بهلولنا الكوفي أول بهلول في التاريخ الاسلامي إلا انه حاز شهرة واسعة فاقت من سبقه ومن لحقه من البهاليل حيث يذكر لنا التاريخ ان أول من تظاهر بالجنون هو الطفيل بن حكيم الطائي الذي أسر في وقعة المفتح مع القراء فسيروهم الى الحجاج فأراد الحجاج ان يقتل الطفيل فأوهم الطفيل الحجاج بأنه قد ذهب عقله فجعل لا يسأله عن شيء إلا اجابه بخلاف سؤاله فقال الحجاج: ذهب والله عقل الرجل... سواء قتلت على هذا أو قتلت مجنوناً. خلّوا عنه. فكان الراوي وهو ابن عياش اسماعيل العنشي عالم الشام ومحدثها في عصره يقول: والله لقد كان طفيل بن حكيم من أعقل الناس وأدهاهم ولكنه أوهم الحجاج أنه قد ذهب عقله فأفلت من يده.
لقد كانت تلك الحادثة هي نموذجا لسجل البهاليل في التاريخ فكان تظاهرهم بالجنون تقية هو الملاذ من بطش الحكام والجبابرة والمتسلطين وقد عاش اكثر هؤلاء البهاليل ومنهم صاحبنا البهلول في الكوفة التي كانت مركز المعارضة للسلطة وكانت موطن البهاليل. ويدرك القارىء السبب الحقيقي لتبهلل هؤلاء في الكوفة، فالكوفة وعلى مدى تاريخها الطويل كانت معقل الثورات ضد السلطتين الاموية والعباسية وقد عاشت اقسى فتراتها في تلك الدولتين.
ويذكر لنا التاريخ ان الكثير ممن تسموا بهذا الاسم بهلول كانوا على جانب من العلم والزهد والفقه والحكمة نذكر منهم :
1- بهلول أبو تميم الذي كان محدثاً من رواة ابن بابويه القمي أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي ت381_991م في كتابه من لا يحضره الفقيه.
2- والبهلول بن حسان بن سنان التنوخي ت 204 وكان من اهل الانبار معروفاً بزهده وعلمه وكذلك سمي حفيده بهلول وهو ابن اسحق بن بهلول الانباري القاضي المحدث.
3- وابو القاسم البهلول بن محمد بن احمد بن اسحق ت 380 هـ الموافق سنة م990 والذي كان قاضياً ايضاً وغيرهم.
وكان هذا الصنف من عقلاء المجانين حبيبًا إلى الناس يحبون أن يسمعوا حديثَه، ويتحروا أخباره. لانه يبني صورة متميزة تعبر عن طبيعة الحياة بما تشتمل عليهمن عقل، وجنون، وسفه، وحكمة، وطيش، وزرانة، فيقدموا مثلا يثير في النفس بواعث الشفقة، والإعجاب، ومظاهر التناقض، حيث الطرافة، والجدة، واللذةونقد للذات وللمجتمع والحكام والقيادات الدينية المتنفذه ....