بينهما بون شاسع

الخميس 11 يناير 2018 - 20:27 بتوقيت مكة
بينهما بون شاسع

ايران_الكوثر: شهدت بعض المدن الإيرانية خلال الايام الماضیة تجمعات ومظاهرات احتجاجية - حبذ البعض تسميتها بانتفاضة أو ثورة وحاول البعض الاخر تضخيمها وتكبيرها

كان المقصود بها في بدايتها كما اعلن عنها، تحقیق مطالب اقتصادية وتحسين مستوی المعيشة وارجاع الدعم للقطاع الصحي وتثبيت أسعار المحروقات، لكن هذه الاحتجاجات اخذت بعد مرور یومین منها منحی اخر، ففقدت سلمیتها بل سرعان ما تحولت الی مظاهر الشغب واثارة الفوضی، بشكل أفقي منتظم ومتزامن في مدن نائیة ومنها الی انتقلت الی بعض المدن الكبيرة وادت بشكل غیر معقول في اجزاء منها الی العنف المنظم والاقتحام والتخريب وإضرام النيران بل وإحراق العلم الإيراني وقتل الأبرياء ونهب الاموال العامة والحاق الاضرار بها والاعتداء علی مقار أمنیة ورجال الأمن وحمل السلاح واطلاق النار، فهي لا یمكن تسمیتها باعتراضات سلمیة، بل أضفت هذه التصرفات المشبوهة والدخیلة علی الاحتجاجات، لباس الشغب واثارة القلق والبلبلة في الوسط الإيراني.
ان ما جری في إيران خلال تلك الأيام يحكم عليه بشكله ومضمونه. اما المسيرات والتجمعات السلمية فهو حق يكفله الدستور الإيراني في مادته السابعة والعشرين حيث يعتبر الاحتجاج والاعتراض حقا من حقوق الشعب، لكنه في نفس الوقت يقيد الموضوع بأمرين مهمين، أولهما الا تكون الاحتجاجات مسلحة، وثانيهما الا تخل بمبادئ الإسلام ومثل هذه الاحتجاجات السلمیة سبق وان جرت في امور عدة امام البرلمان الایراني ومبنی رئاسة الجمهوریة بین حین وآخر، وتعاملت معها الحكومة الایرانیة بمنتهی المسؤولیة تجاه هذه المطالب. اما اللجوء الی السلاح وتدمیر الممتلكات والمرافق العامة واثارة الفوضی بالبلاد وتحریك الفتنة الداخلیة بإشارات داخلیة وتدخلات خارجیة وتحریضات مهینة، لتحويل مسار البلاد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الی نفق مظلم وقعت فيه بعض الدول ولم تنج منه حتی الان، فهذا امر لا يقبله أحد في أي نظام سياسي بتاتا. ان الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة تصرفت بحكمة بالغة وبضبط النفس في مواجهة العنف المنظم لاحتواء الازمة، وفي الوقت نفسه استمعت الی مطالب شعبها باهتمام بالغ لأنها تری بأنه هو مصدر قوتها وتری الاعتناء به من واجبها.
هناك تمييز بين ممارسة الشعب حقه في الاعتراض بالسبل الديموقراطية السلمية والنشاط السياسي المكفول، وبين تجاوز قواعد البلاد واصول الدستور. ان كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنهم فخامة الرئيس الدكتور روحاني قد ميزوا بين الأمرين، فأعطوا المنهج السلمي لتحقيق المطالب كل الحق واعترفوا به، مؤكدين علی أن المظاهرات السلمية حق مشروع من حقوق الشعب، واعتبروا هذا الأمر ممارسة ديموقراطية لتكون معلماً للآخرين للذين يرونها فاكهة محرمة حتی في قضايا جوهرية مثل القدس كما أنهم أعلنوا عن عزمهم وحزمهم لوأد الفتنة والتصدي لكل من عبث بأمن البلاد وعاث في البلاد فساداً.
فنحن أمام واقع ملموس واضح أمره، فإن مثل هذه الامور تدخل في تعاهد اجتماعي متوازن وعقد سياسي متقارن، يلتزم الطرفان بموجبه أي الحكومة والشعب بالتزامات في اطار الدستور، حيث ان الحكومة تكفل حق الاجتماع والمسيرات من دون العنف المسلح والاخلال بمبادئ الاسلام ویلتزم الطرف الاخر بخلو العنف والتسلح والفوضی في تحقیق مطالباته دون أن يتنصل أحد من مسؤولياته.

بقلم:  د.علي رضا عنايتي 
* سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى الكویت

المصدر:الرأي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 11 يناير 2018 - 20:27 بتوقيت مكة