هل كان الخضر (ع) نبياً؟

الإثنين 25 ديسمبر 2017 - 15:35 بتوقيت مكة
هل كان الخضر (ع) نبياً؟

أما انه كان نبياً أو لا فمورد خلافٍ بين العلماء من الفريقين، والصحيح بمقتضى الروايات المستفيضة الواردة عن أهل البيت (ع) انه لم يكن نبياً وإنما كان عبداً صالحاً قد اختصه الله تعالى برحمةٍ من عنده ومنحه من لدنه علماً، كما أفاد القرآن الكريم ...

الشيخ محمد صنقور

أما انه كان نبياً أو لا فمورد خلافٍ بين العلماء من الفريقين، والصحيح بمقتضى الروايات المستفيضة الواردة عن أهل البيت (ع) انه لم يكن نبياً وإنما كان عبداً صالحاً قد اختصه الله تعالى برحمةٍ من عنده ومنحه من لدنه علماً، كما أفاد القرآن الكريم في مقام وصفه: ﴿فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلمناه من لدنا علمًا﴾(1).

فمن الروايات التي تدل على أن الخضر (ع) لم يكن نبياً ما رواه الكليني في الكافي بسندٍ صحيح عن بريد بن معاوية عن أبي جعفرٍ وأبي عبد الله (ع) قال: قلت له: ما منزلتكم ومن تشبهون ممن مضى؟ قال: صاحب موسى وذو القرنين كانا، عالمين ولم يكونا نبيين"(2).

والمراد من صاحب موسى (ع) هو الخضر (ع)، فهو الذي قصده موسى (ع) وطلب صحبته ليتعلم منه كما قال تعالى يحكي خطاب موسى للخضر (ع): ﴿قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدًا﴾(3) وقال تعالى يحكي تعهد موسى للخضر بفك الصحبة إن اعترضه مرة اخرى: ﴿قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرًا﴾(4)، وقد أجمع المفسرون تبعاً للنصوص الواردة عن الرسول ﴿صٍ﴾ وأهل بيته (ع) أن الذي صحبه موسى (ع) ليتعلم منه كان هو الخضر (ع).

وعليه فصاحب موسى الذي نفت عنه صحيحة بريد انه كان نبياً هو الخضر (ع) فالخضر وكذلك ذو القرنين بمقتضى هذه الصحيحة كانا عالمين ولم يكونا نبيين.

ويؤيد ما ذكرناه من ان المراد من صاحب موسى (ع) هو الخضر -مضافاً لما تقدم- هو ما رواه العياشي في تفسيره عن بريد، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت له: ما منزلتكم في الماضين أو بمن تشبهون منهم؟ قال: "الخضر وذو القرنين، كانا عالمين ولم يكونا نبيين"(5)، فالرواية قد صرحت باسم الخضر (ع) وأفادت انه كان عالماً ولم يكن نبياً.

ومن الروايات التي يمكن أن يستدل بها على أن الخضر(ع) كان عالماً ولم يكن نبياً ما رواه الكليني في الكافي بسندٍ صحيح عن الحارث بن المغيرة قال: قال أبو جعفرٍ (ع) إن علياً (ع) كان محدثاً فقلت: فتقول نبي؟ قال: فحرك بيده هكذا ثم قال: أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أوما بلغكم أنه قال: وفيكم مثله"(6).

فالصحيحة وصفت علياً (ع) بأنه كان محدثاً -تحدثه الملائكة- ولم يكن نبياً ثم شبهت علياً (ع) بصاحب سليمان وصاحب موسى وذي القرنين، وظاهر الصحيحة أن وجه المشابهة بين علي (ع) وبين الثلاثة المذكورين هو انهم جميعاً علماء محدثون ولم يكونوا أنبياء، فهذه الصحيحة كانت بصدد اثبات ان علياً (ع) كان محدثاً رغم انه لم يكن نبياً ، فحتى يرفع الإمام (ع) الاستيحاش عن وصف علي (ع) بأنه محدث نظر لذلك برجالٍ ثلاثة كانوا محدثين ولم يكونوا أنبياء، وهم صاحب سليمان الذي جاء بعرش بلقيس ووصفه القرآن بأن عنده علم من الكتاب، قال تعالى: ﴿قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده...﴾(7).

والثاني صاحب موسى وهو الخضر(ع) الذي وصفه القرآن بقوله: ﴿فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلمناه من لدنا علمًا﴾(8).

والثالث هو ذو القرنين الذي قال الله تعالى عنه: ﴿إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيءٍ سببًا﴾(9) فهؤلاء الثلاثة لم يكونوا أنبياء ورغم ذلك كانوا محدثين، فظاهر الصحيحة إذن هو نفي النبوة عن صاحب موسى وهو الخضر (ع).

هذا وقد وردت هذه الرواية بتفصيلٍ أكثر في بصائر الدرجات قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله البرقي عن صفوان بن يحيى عن الحرث بن المغيرة النضري عن حمران بن أعين قال: اخبرني أبو جعفر (ع) : ان علياً كان محدثا فقال أصحابنا: ما صنعت شيئًا ألا سئلته من يحدثه فقضى أنى لقيت أبا جعفر (ع) فقلت: ألست أخبرتني أن عليًا (ع) كان محدثا قال: بلى قلت: من كان يحدثه قال: ملك قلت: فأقول أنه نبي أو رسول قال: لا بل قل: مثله مثل صاحب سليمان وصاحب موسى ومثله مثل ذي القرنين، أما سمعت ان علياً (ع) سئل عن ذي القرنين أنبياً كان؟ قال: لا ولكن كان عبداً أحب الله فاحبه وناصح الله فنصحه، فهذا مثله"(10).

وأورد الصفار في بصائر الدرجات روايةً اخرى ظاهرةً في ان الخضر كان عالماً ولم يكن نبياً قال: حدثنا أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما منزلتهم أنبيائهم؟ قال: لا ولكنهم علماء كمنزلة ذي القرنين في علمه وكمنزلة صاحب موسى وكمنزلة صاحب سليمان"(11).

فهذه الرواية وصفت أهل البيت (ع) بالعلماء وليسوا أنبياء ثم نزلتهم منزلة ذي القرنين في علمه ومنزلة صاحب موسى وصاحب سليمان، فهي ظاهرة إذن في نفي النبوة عن الخضر صاحب موسى (ع) وقريب من مفاد هذه الرواية ورد في الكافي بسندٍ صحيح عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفرٍ (ع) ما موضع العلماء قال: مثل ذي القرنين وصاحب سليمان وصاحب موسى (ع)"(12).

فهذه روايات وأخرى مثلها ظاهرة في أن الخضر (ع) لم يكن نبياً .

وفي مقابل هذه الروايات وردت روايةٌ في علل الشرايع للشيخ الصدوق قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال حدثنا محمد بن زكريا الجوهري البصري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه، عن جعفر بن محمد (ع). أنه قال: "إن الخضر كان نبياً مرسلاً بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه.."(13).

فهذه الرواية منافية لتلك الروايات وهي صريحة في أن الخضر (ع) كان نبياً مرسلاً ولكنها روايةٌ ضعيفةٌ من حيث السند لاشتمالها على عددٍ من المجاهيل مثل جعفر بن محمد بن عمارة و أبوه محمد بن عمارة، على أن الروايات المقابلة لها والنافية لنبوة الخضر (ع) مستفيضة كما ذكرنا وفيها ما هو صحيح السند لذلك تكون رواية العلل فاقدة للاعتبار ويكون المتعين هو البناء على أن الخضر (ع) لم يكن نبياً وإنما كان عالماً قد منحه الله تعالى علماً من لدنه، فهذا هو المقدار الذي أفادته الروايات المستفيضة وهو الموافق لظاهر القرآن الكريم.

وأما ما ذكره البعض من أن المستظهر من بعض آيات القرآن الواردة في سورة الكهف هو أن الخضر (ع) كان نبياً وهي قوله تعالى على لسان الخضر مخاطباً موسى (ع): ﴿وما فعلته عن أمري﴾(14) أي إن خرقه لسفينة المساكين وقتله للغلام واقامته لجدار اليتيمين لم يكن عن رأيٍ واجتهاد وإنما كان عن أمرٍ متلقى عن الله تعالى ، ولا يكون ذلك إلا عن وحيٍ فدل ذلك على انه من الأنبياء.

فجواب ذلك انه وإن كانت الآية ظاهرة في ان ما فعله الخضر (ع) كان بأمر الله تعالى إلا ان ذلك لا يقتضي تعين التلقي للأمر بالوحي الذي للأنبياء، فقد يكون تلقيه الأمر عن الله بواسطة ما يعبر عنه بتحديث الملائكة دون أن يعطى مقام النبوة، فتحديث الملائكة لغير الأنبياء أمرٌ قد أثبته القرآن لغير الأنبياء كالسيدة مريم (ع) والتي لم تكن نبياً، قال تعالى: ﴿وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين﴾(15)، وقال تعالى: ﴿إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين﴾(16) وقال تعالى: ﴿فاتخذت من دونهم حجابًا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرًا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا * قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا زكيا * قالت أنى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشرٌ ولم أك بغيا * قال كذلك قال ربك هو علي هينٌ ولنجعله آيةً للناس ورحمةً منا وكان أمرًا مقضيا * فحملته فانتبذت به مكانًا قصيا﴾(17) فهذه الآيات صريحةٌ في ان الملائكة كانت تحدث مريم رغم انها لم تكن نبية وإنما كانت صديقة كما قال تعالى: ﴿ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرس وأمه صديقةٌ﴾(18)فالسيد المسيح (ع) كان رسولاً، وأما السيدة مريم (ع) فكانت صديقة ورغم ذلك فهي محدثة من قبل الملائكة بل إن جبرئيل كان ممن حدثها كما هو مفاد قوله تعالى: ﴿فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرًا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال * إنما أنا رسو ربك...﴾(19).

وكذلك فإن الملائكة حدثت السيدة سارة زوجة نبي الله إبراهيم (ع) وأطلعتها على شيئ من مكنون الغيب قال تعالى: ﴿ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلامًا قال سلامٌ فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم وطٍ * وامرأته قائمةٌ فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب * قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخًا إن هذا لشيءٌ عجيبٌ * قاوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميدٌ مجيدٌ﴾(20) فهذه الآيات تخبر عن محادثة وقعت بين الملائكة الذين هبطوا على ابراهيم وبين زوجة ابراهيم (ع) وأفادت هذه الآيات ان الملائكة أخبرت زوجة ابراهيم عن شيئ من مكنون الغيب وهو أنها ستلد لإبراهيم ولداً سيكون ذكراً اسمه اسحاق وسيكون لإسحاق عقباً هو يعقوب (ع) وحين تعجبت السيدة سارة من هذه البشارة نظراً لكونها عجوزاً وبعلها شيخ أجابتها الملائكة بقولهم: ﴿قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميدٌ مجيدٌ﴾.

فمثل هذه الآيات تدل على ان الملائكة قد تحدث غير الأنبياء وتمنحهم بإذن الله تعالى شيئاً من مكنون علمه جل وعلا، ومن ذلك يتضح ان علم الخضر(ع) بأمر الله تعالى المستفاد من قوله: ﴿وما فعلته عن أمري﴾(21) لا يستلزم كونه نبياً، وعليه فليس في القرآن ما يدل على ان الخضر (ع) كان نبياً، ولذلك لا يكون ثمة ما يمنع من الاستناد إلى ما أفادته الروايات المستفيضة من نفي النبوة عن الخضر (ع).

وأما طول بقاء الخضر(ع) وامتداده إلى آخر الزمان فهو مما تسالم عليه الفريقان من المسلمين تبعاً للنصوص، هذا وقد ورد من طرقنا انه ممن يصحب الإمام القائم (ع) في غيبته، فقد روى الشيخ الصدوق بسندٍ معتبر عن الحسن بن علي بن فضال قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) يقول: إن الخضر (ع) شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وأنه ليأتينا فيسلم فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وإنه ليحضر الموسم كل سنةٍ فيقضي جميع المناسك، ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته"(22).

الهوامش:

1- سورة الكهف الآية/65.

2- الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 269.

3- سورة الكهف الآية/66.

4- سورة الكهف الآية/76.

5- تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 2 ص 330.

6- الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 269.

7- سورة النمل الآية/40.

8- سورة الكهف الآية/65.

9- سورة الكهف الآية/84.

10- بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ﴿ الصفار ﴾ - ص 386.

11- بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ﴿ الصفار ﴾ - ص 386.

12- الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 268.

13- علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 ص 59.

14- سورة الكهف الآية/82.

15- سورة آل عمران الآيتان/42-43.

16- سورة آل عمران الآية/45.

17- سورة مريم الآيتان/17-22.

18- سورة المائدة الآية/75.

19- سورة مريم الآيات/17-19.

20- سورة هود الآيات/69-73.

21- سورة الكهف/82.

22- كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق - ص 390.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 25 ديسمبر 2017 - 14:30 بتوقيت مكة