تكامل الإنسان في ظل حكومة إمام الزمان

الأحد 24 ديسمبر 2017 - 10:42 بتوقيت مكة
تكامل الإنسان في ظل حكومة إمام الزمان

هناك نظرية تقول أن المجتمع في عصر الإمام المهدي عجل الله فرجه وإن لم يكن كله معصوماً، ولكن بالنسبة إلى النسبة الأغلبية من المجتمع سوف تكون فيه حالة العصمة، يعني أن أغلب المجتمع أو أن النسبة العامة في مجتمع الإمام المهدي عجل الله فرجه يكون فيهم قد تحقق عنصر الإنسان الكامل.

 السيد ياسين الموسوي

الإنسان بين الخلقة والكمال:
عندما نتحدث عن الإنسان الكامل في عهد الإمام المهدي عجل الله فرجه لابد أن نعطي لمحة تمهيدية لشرح هذا الاصطلاح الفلسفي والمقصود من هذا الاصطلاح والمداليل التي تؤديها هذه الكلمة.
الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في موقع حباه ما لم يحبِ أحداً من خلقه.
نلاحظ في المفهوم الإسلامي الفلسفي للعالم أن المركز في الكون هو الإنسان، والمحور الذي يتحرك عليه كل شيء وإليه كل شيء هو الإنسان، لذلك عبر عنه القرآن الكريم بأنه خليفة الله {وَإِذْ قالَ رَبكَ لِلْمَلائِكَةِ إِني جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً}(1)
الإنسان الذي سمي باسم آدم على نبينا محمد وآله وعلى آدم آلاف التحية والسلام، هذا الاسم كان المقصود به هو الخليفة الإنسان، ما يعبر عنه بالنوع والجنس والكلي، الإنسان الكلي المقصود كل إنسان، نوع الإنسان، وليس المقصود الكاشف عن الأفراد الخارجية ـ كما يعبر عنه في علم المنطق الشكلي أو الأرسطي ـ الإنسان الخليفة من حيث الفهم الفلسفي له، ودوره في الحياة، المركز الذي يتمحور حوله كل شيء في الكون.
لذلك فإن الله سبحانه وتعالى جعله الخليفة وجعله الواسطة بينه وبين باقي الخلائق والكائنات، فلم نجد نبياً غير إنسان، مع أن الله سبحانه وتعالى خلق خلائق كثيرة (عالمين)، هذه العالمين التي وردت في كثير من الآيات الكريمة، أي مجموعة العوالم المتنوعة سواء العوالم الشهودية أو العوالم الغيبية باختلاف تلك العوالم الشهودية والعوالم الغيبية، لم نجد في جميع تلك العوالم نبياً إلا في الإنسان، لأن الخلافة الإلهية انحصرت في الإنسان ولم تعط تلك الخلافة الإلهية لأحد من خلق الله كائناً من كان حتى لو كان ذلك الخلق جبرئيل، حتى لو كان ذلك الخلق الملائكة الكروبيين، فضلاً عما خلق الله من الجن وخلق الله من النسناس ـ كما ذكر في الروايات(2) وخلق من الحيوانات وخلق من الأشجار وخلق مما يرى ومما لا يرى، فلا يوجد فيها خلق نبي يوحى إليه، يتصل بينه وبين السماء أو بينه وبين الله تبارك وتعالى مباشرة أو بواسطة الوحي إلا الإنسان.
يكشف هذا الأمر عن الموقع الرباني في هذا المخلوق في الكون، المركز الذي يتمحور حوله كل الموجودات في هذا الوجود.هذا المركز وهو الإنسان لم يقصد به الأنبياء فقط أو الأئمة عليهم السلام أو الأوصياء أو المعصومون، أي معصوم من المعصومين ـ على جميع المعصومين من الأنبياء والأئمة آلاف التحية والسلام ـ لم يكن هو المقصود الأول والآخر فقط، وإنما المقصود هو الإنسان الكامل الذي خلقه الله تكويناً.فإن الله سبحانه وتعالى خلق البشر والإنسان على نمطين، على نحوين: خلق بالتكوين كامل وهم الأنبياء والمعصومون والأئمة، ومع ذلك هم في طور التكامل ويتكاملون، لذلك فإن إبراهيم النبي عليه السلام مر بمراحل من التكامل بما تجلى بمقامات التجلي والظهور في هذا الوجود، ولا أريد أن أتعرض لهذه النظرية بكل تفاصيلها، وإنما أشير إليها إشارة لكي أتوصل لتوضيح المصطلح الذي نريد أن نتحدث عنه في دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه.
الإنسان إذن على نوعين وقسمين: إنسان معصوم بالذات، خُلق كاملاً، ولكن هذا الكامل كامل نسبي، لذلك نرى أن بعض المعصومين بالنسبة للمعصومين الآخرين يكون أعلى درجة أو أقل درجة، فمثلاً عندنا الأنبياء أصحاب درجات والدرجات تعني أن نسبة الكمال والتكامل في ذلك الإنسان بما ظهر فيه، فعندنا أنبياء أكمل من أنبياء إلى أن تصل إلى الأنبياء أولي العزم الذين هم أكمل الأنبياء ثم تأتي درجة أعلى من الأنبياء أولي العزم وهو خاتمية محمد صلى الله عليه وآله، فدرجته في النبوة أعلى وأكمل لأن إنسانيته أكمل من باقي الأنبياء.

النظرية الإسلامية في تكامل الإنسان:
هناك حديث طويل في هذا المضمار وهو الحديث عن كاملية الإنسان الكامل في عالم التكوين، هذا الحديث يحتاج إلى وقت مفصل وطويل لنتحدث عن نمط التكوين ونمط التكامل في هذا الإنسان وكيف ولماذا كانوا هؤلاء ولم يكونوا غيرهم، فهناك عدة أسئلة تطرح ويمكن أن تطرح وتحتاج إلى أوقات لشرح تلك الجوانب. لكن أريد أن أتعرض للنوع الثاني من الإنسان وهم باقي البشر، باقي البشر الله سبحانه وتعالى خلقهم وحسب النظرية الفلسفية في الحكمة المتعالية لصدر الدين الشيرازي المعروف بملا صدرا صاحب كتاب الأسفار، وهو أرقى ما وصل إليه الفكر الديني والإنساني في تفسير كثير من المسائل الوجودية فلسفياً وتوضيح مواقعها في خارطة الوجود على أكمل وأتم أوجه التفسير لتلك التساؤلات.
أريد أن أقول من هذه النظرية ـ ولم نجد لها معارضاً بين الفلاسفة المسلمين فضلاً عن غير المسلمين ـ هو أن الإنسان أول ما يخلق لم يخلق من كمال وإنما خلق من طين لازب ـ كما يقول القرآن(3) ـ يعني هذا الطين العادي الذي فخره الله سبحانه وتعالى بفخار القدرة. طبعاً لا أريد أن أتعرض عن بداية الإنسان ومن أي شيء كان الإنسان، وما يذكره دارون وغيره، الآن لا أريد أن أتعرض لهذه التفاصيل ورؤية الدين والإسلام بما يطرح على هذا المستوى من الطرح العلمي وغير العلمي.وإنما أريد أن أقول أن هناك شيئاً اسمه إنسان طيني، هذا الإنسان الطيني يخلق أول ما يخلق في الجوانب الأولى من ظهوره في الوجود بتعبير القرآن {مِنْ مَنِي يُمْنى}(4) ثم بعد ذلك هذا يتحول إلى علقة ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة ثم عظام فيكسو العظام لحماً فيكون جنيناً في بطن الأم تلجه الروح. هذا الإنسان الطيني من حيث الكمال لم يملك كمالاً، ولكن فيه قدرة وقابلية الكمال والترقي، هذا الكمال والترقي فيه تعاطف وتناغم بين جنبتي الطينية والروحية. ثم كيف بعد ذلك تظهر الروح وتنشأ الروح في الإنسان في بطن أمه كجنين ثم يكون خلقاً آخر كما يقول الله تبارك وتعالى: {فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ}(5) هذا التناغم الطيني والروحي في بطن الأم والتناسل والتبادل يدخل كل واحدٍ منهما في تركيبة الإنسان الكامل، أي أن كون الإنسان خلق من هذه الصورة الطينية، من هذا الدماغ، من هذا القوام، من هذا الشكل له أثر في كمال الإنسان، كما أن الذي له الأثر الكبير في كمال الإنسان هو الجانب الثاني وهو الجانب الروحي.
عندما يولد الإنسان، يقول القرآن: {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئ}(6)، الآن لا أريد أن أتحدث عن نظرية المعرفة عند الإنسان، سواء كانت نظرية المعرفة عند الفلاسفة التجريبيين أو الفلاسفة العقليين أو غير ذلك مما طرح من نظريات حول نظرية المعرفة، لكننا كإسلاميين ومسلمين نؤمن ـ كما قال القرآن الكريم ـ أن الكمال المعرفي عند الإنسان يكون من نقطة الصفر في بطن الأم، يعني يولد الإنسان وهو خالٍ من المعرفة، خلافاً لمفاهيم ديكارت الذي يؤمن ويحاول أن يبرهن أن المبادئ الفطرية الأولية تلد مع الإنسان.
بطبيعة الحال لا أريد أن أتحدث عن كل هذه التفاصيل، لكن هذه التفاصيل لها أثر كبير في كمال الإنسان.على كل حال يولد الإنسان وهو لا يملك هذا الكمال، بل تبدأ معارفه الحسية ـ هي أول المعارف التي تتكون في عقل الإنسان ـ تظهر من خلال تجاربه مع الواقع الخارجي، ولذلك نعتبر نحن، حتى الإسلاميين، أن المعارف الحسية، وإن لم تكن هي المعارف الكمالية للإنسان كإنسان ولكن هذه المعارف الحسية تعبر عن الموجود الأول للمعرفة، يعني أنها تشكل المعرفة الإنسانية في بداياتها: من المعرفة الحسية ثم تترقى إلى المعرفة العقلية.
وهذا يعني أننا نختلف مع الحسيين حينما نقول أن المعرفة الحسية تترقى إلى معرفة عقلية ونختلف مع العقليين أو الفلاسفة العقليين أو الذي يعبر عنهم بالمثاليين، سواء في المثالية القديمة أو بالمثالية الجديدة التي بشر بها الفيلسوف الألماني هيغل أو غير ذلك، بدون لحاظ لهذه التصورات أن الإنسان تبدأ عملية التكامل ـ تكامل إنسانيته ـ من خلال ظهور الإنسانية، وهو أن تؤدي الجوارح والطينية والجسم تؤدي دورها في إعطاء المجال للقوى العاقلة في الإنسان أن تتكامل وتصل بمستويات أعلى، قادرة هذه المستويات أن تخرق العالم الطيني أو العالم الناسوتي ـ كما يقول الفلاسفة ـ وترتقي إلى عوالم أخرى كعالم الجبروت مثلاً، فيطلع ويتكامل الإنسان، يكون في أعلى عليين وهو في الدنيا.

الغاية من خلق الإنسان:
هذا الموضوع مع أهميته هو الهدف الإساسي لخلقة الإنسان، لأن الإنسان عندما يريد أن يكون خليفة الله في الأرض فلا بد أن يكون هذا الإنسان بهذا المستوى من الكمال الذي يستحق به أن يكون خليفة لله سبحانه وتعالى في الأرض وفي الوجود، يعني أن يكون عنده من قوى الإدراك والمعرفة ما يجعله مؤهلاً ومسلطاً ـ له سلطان ـ على كل الموجودات.
إذن هذا المقصود من الإنسان الكامل، وهو المعبر عنه {وَما خَلَقْتُ الْجِن وَالإِْنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}(7) هذه اللام لام الغاية، وهنا نحتاج إلى تفصيل وبيان ما هو المقصود من {لِيَعْبُدُونِ}، هل العبادة الحركية الظاهرية أم هناك حركة الواقع، وهو أن يتحرك الإنسان بكله وبروحه؟
على كل حال، هذا الهدف الذي خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لأجله، وهو أن يعبد الله سبحانه وتعالى، كما تقول الرواية في تفسير الآية السابقة: «ليعرفون»(8) لأن العبادة الحقيقية هي عبادة المعرفة، هذه الغاية هي التي يستطيع بها الإنسان أن يتكامل ويكون بمستوى فوق الملائكة وفوق كل المخلوقات، بل يكون المركز الذي تتمحور حوله جميع الموجودات والمخلوقات.
هذه الغاية وتحقيق هذه الغاية هو غاية الأنبياء عليهم السلام على مر التأريخ، يعني أن الله بعث الأنبياء والرسل من أجل أن يوصلوا الخليقة للكمال الذي يستطيعون به أن يعبدوا الله تبارك وتعالى حق عبادته ويعرف الله تبارك وتعالى حق معرفته، هذه المهمة إذن هي مهمة الأنبياء.
مهمة الأنبياء تتوج وتنتهي بمهمة الوصي الخاتم المهدي المنتظر عجل الله فرجه، ولذلك نجد في كل النبوات التي سبقت نبينا محمد صلى الله عليه وآله والتي لحقت النبوة من الوصايات والإمامات التي تتالت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كانت تؤكد وتبشر بالمهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الذي سوف يحقق تلك الأمنية الإلهية.
أي أن الأنبياء كل نبي له دور يتمم الدور الذي قبله، إلى أن جاء دور نبينا صلى الله عليه وآله وكان الدور الخاتم النهائي والذي ابتدأ في أعظم حلقة من حلقات هذا الدور ووجوده الشريف صلى الله عليه وآله وسوف تنتهي بأشرف حلقة بظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه.

مجتمع عصر المعصومين:
هذا الإنسان الكامل بقي على مر التأريخ مفردات يتحدث عنها التأريخ، يعني الآن عندما نريد أن نتحدث في عصر النبي صلى الله عليه وآله نجد أن في عصر النبي، وهو من العصور الشريفة، وهذا العصر قد حظي بحضوره صلى الله عليه وآله وحضور أئمة ثلاثة هم: الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسن والحسين عليهم السلام إضافة إلى الصديقة الكبرى فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، مع هذا الوجود لم تكن البشرية مؤهلة لأن تحظى بالكمال التام فتكون هذه البشرية هي الإنسان الكامل، أعني بحيث نشعر أن المجتمع المدني الذي عاصر النبي صلى الله عليه وآله والمدني ـ أقصد به نسبته إلى المدينة المنورة على ساكنها ومشرفها أفضل الصلاة والسلام ـ أن الإنسان المدني مع وجود النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لم تكن مفردات وجود الإنسان الكامل إلا معدودة.
لذلك نعد أفراداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين وصلوا مرحلة عظيمة من الكمال بحيث يخدمهم الملائكة، كما في الرواية «سبعة بهم تمطرون وبهم ترزقون»(9) يعني أن الله لأجلهم ينزل المطر ولأجلهم يعطي الرزق للعباد، وذكر من جملتهم سلمان والمقداد وعمار وأباذر، هؤلاء وصلوا بالكمال لهذا المستوى العظيم، ولكن مع هذا المستوى العظيم الذي وصلوا إليه من كمال لم يكونوا جميعهم بهذا المستوى، أي لم يكن جميع من حضر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الدرجة، وهذا موجود بقوله تعالى: {أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ}.(10)
يعني أن هذا المجتمع مع وجود النبي، وأن النبي صلى الله عليه وآله اشتغل لأجل نقل هذا المجتمع إلى هذا المستوى لم يستطع المجتمع أن يتوصل لأن تكون نسبة الإنسان الكامل فيه نسبة كلية ونسبة ظاهرة.

مجتمع عصر الظهور:
لكن سوف تتحقق هذه النسبة في مجتمع الإمام المهدي عجل الله فرجه، لا لأن المهدي وحده سوف يقدر على ما لم يقدر عليه باقي الأنبياء والأئمة عليهم السلام لا، وإنما الإمام المهدي عجل الله فرجه                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                             شاءت إرادة الله أن يكون الخاتم الذي تظهر جهود جميع الأنبياء في دولته، جميع مظاهر الجهاد والجهود التي قام بها الأنبياء والأوصياء سوف تظهر في دولته، وهذا بسبب أن تكامل الإنسان الكامل يحتاج إلى جهود وتظافر جهود كبيرة لا يمكن أن تتحقق من حيث التكوين ـ ليس من حيث التشريع ـ إلا في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه.
لذلك سوف تكون نسبة وجود الإنسان الكامل على نحوين، هنا نظريتان :

هناك نظرية تقول بأن النسبة سوف تكون تامة، وهو المعبر عنه بالمجتمع المعصوم، يمكننا أن نتحدث عن الإنسان الكامل الكلي في مجتمع إنساني كلي، وهو مجتمع المهدي عجل الله فرجه.
هناك نظرية تقول أن مجتمع الإمام المهدي مجتمع معصوم، وهذا يحتاج إلى بحث لست بصدد هذا الموضوع، لأن هذا الموضوع يحتاج إلى بسط في البحث ووقت لتفصيل المجتمع المعصوم في دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه.
ولكن هناك نظرية أخرى أيضاً تقول أن المجتمع في عصر الإمام المهدي عجل الله فرجه وإن لم يكن كله معصوماً، ولكن بالنسبة إلى النسبة الأغلبية من المجتمع سوف تكون فيه حالة العصمة، يعني أن أغلب المجتمع أو أن النسبة العامة في مجتمع الإمام المهدي عجل الله فرجه يكون فيهم قد تحقق عنصر الإنسان الكامل.
طبعاً يبقون مختلفين في درجات الكمال، فإن الناس وإن وصلوا إلى مرتبة الإنسان الكامل بشكل عام ـ بحسب هذه النظرية ـ وليس بالمعنى الجوهري التام الذي ينكشف انكشافاً كلياً على جميع الأفراد، مع ذلك فإن هذه النسبة سوف تكون مختلفة أي ـ بتعبير المناطقة الشكليين ـ مشككة، يعني ليست متواطئة، يعني ليست على مستوىً واحد وإنما على مستويات مختلفة، يعني أن مستويات الناس وإن وصلوا إلى مرتبة الإنسان الكامل إلا أنها يمكن تشبيهها بتفاوت درجات الأنبياء، فعندنا 124 ألف نبي وكل نبي عنده وصي أو أكثر من وصي، مع هذا فهم مختلفون في مراتب الكمال فيما بينهم فكذلك في مجتمع الإمام المهدي عليه السلام سوف يكون الإنسان الكامل مختلفاً من حيث رتبة الكمال فيما بينه وبين غيره من الأفراد..هذا الشيء الأول.

مظاهر الكمال:
أردت أن أتحدث عن هذه المظاهر بتفصيل أكبر، لكن وللأسف الشديد أن الوقت أخذني وأدركني، وأنا سوف أتحدث عن مظاهر هذا الكمال، وكيف نلاحظ هذا الكمال بما يسعفني به الوقت.
التكامل يشمل التكامل العضوي والتكامل الروحي، فكما هناك تكامل روحي هناك تكامل عضوي.
وبينهما حالة تبادل في الكمال، يعني أثر الجانب الروحي على الجانب العضوي، وكيف يمكن الإنسان إذا ترقى روحياً يمكنه أن يؤثر حتى على قوته ـ بنوع ما من التأثير ـ على جسمه، هذا الكمال الجسمي، بحيث قواه أيضاً تملك نوعاً من أنواع الكمال.
الآن هذا الموضوع جداً مهم، فإن هذا الموضوع حالياً يطرح على عدة مستويات سواء على مستوى الفلسفات الشرقية، التي هي معروفة بالبوذية وغير البوذية، أو الفلسفات الجديدة في الغرب وهي الفلسفات الروحية، هذا الموضوع مهم، وهو الذي يعبر عنه الباراسايكولوجي ويتحدثون عن أثر القوى الخفية التي توجد في واقع الإنسان على الجانب العضوي في الإنسان، ليس فقط السكيلوجي وإنما الجانب العضوي في الإنسان.
عندما نقرأ الروايات عن إنسان دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه نجد هذا الإنسان يملك من القوى العضوية مالا يملكه الإنسان الآخر..أعطيك مثالاً: العاهات والأمراض والعلل التي تصيب الإنسان، عندنا في رواياتنا عن أهل البيت عليهم السلام، وهذه الروايات موجودة أيضاً في كتب العامة من اخواننا السنة كما هي موجودة في كتب الشيعة، هذه الروايات لم نختص بروايتها وإنما موجودة في كتب جميع المسلمين، تقول هذه الروايات أن الإنسان ـ إنسان دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه ـ يبرأ من العاهة، ويبرأ من الضعف البدني، ويبرأ هذا الإنسان من الأمراض والعلل.فكيف يمكن لهذا الإنسان أن يبرأ من هذه العاهات وهذه النواقص البدنية في جسمه؟! ربما الإنسان يفسره على أساس غيبي، فيقول أن هناك أمراً إعجازياً أو أمراً ربانياً، شاء الله تبارك وتعالى ـ المشيئة وهي الإرادة التكوينية فيه ـ أن يكون هذا الإنسان المعاصر للمهدي عجل الله فرجه بهذا المستوى من القدرة والقوة البدنية، هذا هو التفسير الأول.لكن هذا التفسير لا نقبله، لسبب هو أن الله تعالى أجرى قانون الطبيعة في حياة الإنسان في زمان النبي صلى الله عليه وآله وقبله وبعده، ولم تذكر الروايات أن هذه الحالات التي سوف يتوصل إليها الإنسان في دولة الإمام بسبب أمر غيبـي.
مثلاً: من جملة تلك الروايات ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام: «من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة برئ ومن ذي ضعف قوي»(11)، تلاحظ الرواية تتحدث أن من له عاهة جسمية قبل دولة صاحب الأمر فإنها في دولة صاحب الأمر تبرأ بشكل غير إعجازي، بشكل تكويني، شكل طبيعي، شكل تجريبي داخل تحت التجربة وداخل ضمن قوانين الطبيعة، وكذلك في الضعف. هذه رواية من الروايات.
الرواية الأخرى عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: «إذا قام القائم أذهب الله عن كل مؤمن العاهة ورد إليه قوته»(12) وهذه بقوة الرواية السابقة.
هذه روايات زوال الضعف وزوال العاهات والبرء من العلل والبرء من الأمراض قد يقال بالوضع التجريبي أن المجتمع المهدوي يصل بالتطور العلمي في شتى وسائل، أو في شتى مجالات العلوم يصل المجتمع المهدوي إلى مستوىً كبير من التطور والتقدم التكنلوجي وغير التكنلوجي بحيث تزول تلك العلل.
ولتوضيح هذه الفكرة نقول: الآن لو أن مجتمعنا يعيش في هذا القرن بدايات القرن الواحد والعشرين لو قسناه إلى مجتمع قبل سبع قرون نلاحظ نسبة العاهات ونسبة الأمراض ونسبة العلل والظواهر اللاصحية التي كانت موجودة في تلك المجتمعات بنسبة كبيرة جداً وظاهرة للعيان، ولذلك الأوبئة كانت تنتشر بشكل سريع وكل سنة يتخوف الناس في مواسم ـ خصوصاً مواسم الحر ـ من ظهور الأوبئة والأمراض مثل الكوليرا أو ما إلى ذلك، أما الآن فبالتطور العلمي خفت هذه الظواهر اللاصحية بسبب التقدم، وإن كان الإنسان توصل لاكتشاف خريطة الجسم ـ فرضاً ـ التي يكتشف منها الأمراض المستقبلية في الإنسان أو اكتشف أكثر هذه الخريطة للجسم استطاع أن يكتشف تلك الأمراض والأوبئة.
وهكذا في زمان الإمام سوف يتطور الإنسان وتظهر، كما عندنا إحدى الروايات أن الإمام المهدي إذا جاء نشر العلم(13)، وكل علم ولا يختص فقط في علم الدين، وإنما كل العلوم سوف تنتشر وتكون في أعلى مستوى في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، ولذلك سوف تختبئ هذه الأوبئة، يعني بشكل طبيعي بدون حاجة إلى الإعجاز.وهذا يؤيده مجموعة من الروايات:
من جملة تلك الروايات التي تحدثت عن قوى الإنسان الكامل في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في صفة أصحاب القائم، ويقصد أصحاب القائم المجتمع الكامل الذي يحققه الإمام المهدي عجل الله فرجه، يقول الإمام الصادق عليه السلام: «وإن الرجل منهم ليعطى قوة أربعين رجلاً وأن قلبه لأشد من زبر الحديد ولو مروا بجبال الحديد لقلعوها».(14)
إذا افترضنا أن المقصود من هذه القوة هو فقط القوة الجسمية، علماً أنه يوجد احتمال آخر، هو أن تكون له وسائل قدرة كالرشاشات ـ فرضاً ـ بل أكثر وأرقى وأقوى من هذه القوى بالنسبة للإنسان.
هذه الروايات التي تحدثت عن هذا الإنسان في زمان الإمام المهدي عجل الله فرجه تحدثت عن الإنسان الذي سوف يتغير روحياً وسوف يتغير جسمياً، هذا التغير الروحي والتغير الجسمي نحو الكمال، الكمال المنشود الذي يتناسب مع طموح الشريعة وطموح الأنبياء والأئمة عليهم السلام في تكميل الإنسان في أرقى المستويات.
الهوامش
(1) البقرة (2): 30.
(2) لاحظ: بحار الأنوار: 24/ 94 الباب 35.
(3) الصافات (37): 11.
(4) القيامة (75): 37.
(5) المؤمنون (23): 15.
(6) النحل (16): 78.
(7) الذاريات (51): 56.
(8) لاحظ: تفسير ابن كثير: 4/ 255، شرح أصول الكافي للمازندراني: 4/ 208.
(9) لاحظ: الكافي: 2/ 244، الاحتجاج للطبرسي: 2/ 186.
(10) آل عمران (3): 144.
(11) الخرائج والجرائح للراوندي: 2/ 839، بحار الأنوار: 52/ 335 الحديث 68.
(12) كتاب الغيبة للنعماني: 317 الحديث 2 من الباب 21.
(13) الخرائج والجرائح للراوندي ج2 ص841 ح 59.
(14) إكمال الدين وإتمام النعمة: 673 الحديث 26 من الباب 58.
(15) كتاب الغيبة للنعماني: 274 الحديث 53.
(16) المائدة (5): 3.

المصدر:موقع الولاية الإخبارية

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 24 ديسمبر 2017 - 10:40 بتوقيت مكة