كونوا مع العدل...تكونوا من جنوده

الثلاثاء 28 نوفمبر 2017 - 09:04 بتوقيت مكة
كونوا مع العدل...تكونوا من جنوده

إننا ننتظره ونترقب ظهوره في كل وقت، "إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً" لكننا ونحن ننتظر قدومه، علينا أن لا نتجمّد أمام حركة الكفر الذي يريد أن يقتلع الإسلام من جذوره.

آية الله السيد محمد حسين فضل الله
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً}، وأولهم بعد رسول الله(ص) هو عليّ أمير المؤمنين(ع)، وخاتمهم الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه)، الذي أعدّه الله تعالى "ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً": "اللهم صلّ على وليّ أمرك القائم والعدل المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين وأيده بروح القدس منك يا ربّ العالمين، اللهم اجعله الداعي إلى كتابك، والقائم بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكّن له دينه الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً، اللهم أعزّه وأعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لدنك سلطاناً نصيراً".
إننا ننتظره ونترقب ظهوره في كل وقت، "إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً" لكننا ونحن ننتظر قدومه، علينا أن لا نتجمّد أمام حركة الكفر الذي يريد أن يقتلع الإسلام من جذوره، ولا نقف متخاذلين حائرين أمام الظلم كله والاستكبار كله، الذي يريد أن يقهر المستضعفين في كل قضاياهم، ولكننا ـ وهو الذي يحمل رسالة العدل في العالم، لأن الله تعالى أعدّه لتحقيق العدل العالمي في مواجهة الظلم العالمي ـ لا بد لنا أن ننتظره ونحن نحمل رسالة العدل في كل قلوبنا وحياتنا، لنمهّد له القاعدة حتى يأتي فيستكمل العدل في كل مكان.
مواجهة الكافرين والمستكبرين
وعلى ضوء هذا، فإن المسألة التي لا بد أن نعيشها، ولا سيما عندما تتحرك الرياح العاصفة من أجل أن تقتلع كل أشجار الخير، ومن أجل أن تهدم كل أسوار العدل، هي أن نعيش في الساحة أمام مسؤولياتنا الإسلامية التي تنفتح على خط الإسلام؛ في الثقافة السياسية، والأمن والعسكر، لأن الإسلام جاء للحياة كلها ولم يأتِ لجانب منها دون جانب: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم إلى ما يحييكم}.
ولهذا، فإنّ على الأمة الإسلامية أن تواجه في هذه المرحلة الكافرين والمستكبرين الذين يعملون من أجل أن يظلموا الإسلام في عقيدته وشريعته ومفاهيمه، ليشوّهوا صورته ويسقطوا معناه في عقول الناس، ومسؤولية مواجهة هذه الحرب الثقافية تقع على عاتق كل مثقفي العالم الإسلامي، من علماء في الحوزات، ومن مثقفين في الجامعات. إذاً علينا أن نواجه هذه الحملات، لأن الله تعالى أراد لنا أن لا نكتم ما أنزله من البيّنات، ولأن رسول الله (ص) قال: "إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، ومن لم يفعل فعليه لعنة الله"، فكيف إذا ظهرت التحديات للحرب ضد الإسلام كله؟ ولذلك يجب على كل العلماء والمثقفين الإسلاميين وحركيّيهم أن يجمّدوا كل خلافاتهم، سواء كانت خلافات مذهبية أو فتوائية أو سياسية أو حزبية، لأن العدو قد توحّد في كل مواقعه ليحارب الإسلام كله.
ولا بد لنا من أن نخوض الحرب السياسية التي يثيرها الاستكبار العالمي، ليظلم المسلمين في سياستهم حتى يسقطها، وليوزّع التهمة بالإرهاب والتخلّف والتشدد هنا وهناك، ليحارب كلَّ سياسة إسلامية تريد أن تؤكد الأصالة في حريتها واستقلالها والحفاظ على قوتها، وهكذا نلاحظ كيف يقف الرئيس الأمريكي ليتحدث ـ كما لو أنه كان الخير كله ـ عن محور الشر، ومحور الشر عنده إيران الإسلام والمواقع الإسلامية هنا وهناك.
إننا لا ننكر أن هناك شيئاً من الشر في بعض حكّام المسلمين، ولكن ماذا عن الشر في كل حكام المستكبرين؟ إنه يريد أن يرجم الواقع الإسلامي الذي يبحث عن أصالته واستقلاله وحريته وعزته وكرامته، إنه يتحدث عن أن هذا الواقع يمثل محور الشر لأن الشر عنده هو كل معارض لاستكباره ومصالحه التي تتحرك ضد مصالح المستضعفين.
تجنيد الطاقات لمواجهة التحدي
وعلينا أن نجمّد كثيراً من خلافاتنا السياسية الصغيرة التي يتنوع فيها الصراع بين فريق هنا وفريق هناك، نتيجة القضايا الصغيرة والهامشية، إن هناك سياسة استكبارية ينطلق فيها المستكبرون في العالم، الذين يمسكون بأيديهم مقدّرات العالم الاقتصادية والسياسية والأمنية، ليفرضوا علينا سياستهم من خلال مجلس الأمن وكل المواقع التي يشرفون ويسيطرون عليها. إنّ علينا أن نجمّد كل هذا اللغو السياسي وهذه الصغائر التي يتحرك فيها الكثيرون من الزعماء وقادة الأحزاب والجماعات، الذين يشغلون الناس بالخلافات الصغيرة الهامشية، وبالعصبيات السياسية والحزبية والطائفية، والعدوُّ يتكامل ويتوحَّد ويواجهنا من موقع واحد، ونحن نواجهه من مواقع ليس لها عدٌّ ولا حصر.
إن الاستكبار العالمي يثير علينا حرباً أمنية حارّة يستخدم فيها كل أسلحته المتطورة، وربما يبلغ به الأمر أن يستخدم السلاح النووي إذا ضايقته الجماعات المجاهدة، كما فعل ذلك في اليابان، إنه يحاول أن يحشد كل بوارجه وأسلحته المتطورة في بلداننا ومواقعنا، لا من أجل أن يوجهها إلى أعدائنا، بل ليقاتلنا في أرضنا ومن أرضنا..
هناك ظلم ثقافي على مستوى العالم ضد المسلمين والمستضعفين، وهناك ظلم سياسي وعسكري وأمني واقتصادي، ولذلك فإننا عندما نتكلم عن الامام المهدي(عج)، نستذكر قوله تعالى عندما أراد لفرعون وهامان وكل الذين معه أن يسقطوا: {ونريد أن نمن على الذين استُضعفوا في الأرض }استضعفهم المستكبرون والمفسدون لأنهم لا يملكون المال والسلطة، ولكنهم لم يسقطوا أمام الاستكبار ولم يذلوا أنفسهم، ولم يتراجعوا عن حقوقهم { ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين* ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}، وسقط فرعون وهامان وانتصر موسى (ع) والمستضعفون معه. وهناك روايات تقول إن هذه الآية قد تتمثل في موقع هنا وموقع هناك، عندما ينطلق المؤمنون والمستضعفون ليسقطوا أكثر من فرعون هنا وهناك، وقد ورد في بعض الأحاديث بأن هذه الآية قد تفسّر في حركة الواقع بالانتصار الأكبر، عندما ينطلق العدل كله ليسقط الظلم كله، وقد ورد في الأحاديث عن النبي (ص): "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"، وفي حديث آخر قال(ص): "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لبعث الله رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي"، وقد كان النبي (ص) يقول للمسلمين: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
تقوية مواقع العدل
عندما نستذكر الإمام المهدي (عج)، فإن علينا أن نعمل على تقوية مواقع العدل في كل أمتنا الإسلامية، لتكون أمتنا الأمة العادلة، فلنجرب العدالة في بيوتنا ونوادينا وأسواقنا، لأن الأمة عندما تتربى على العدل ويعطي كل إنسان لكل ذي حق حقه، فإنها سوف تملك القوة والعزة والحرية والكرامة بالعدل، وسوف تنتصر على كل الظالمين بالعدل، والعدل هو عنوان الرسالات كلها: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط }، رسالة الأديان رسالة العدل، ورسالة الإسلام هي العدل، ورسالة النبي والأئمة من بعده هي العدل، ورسالته (عج) هي العدل.
فإذا كنتم تريدون أن تكونوا من أنصاره وجنوده وأتباعه، فلا يكفي أن ترفعوا أيديكم بالدعاء لتكونوا من أنصاره وأعوانه، بل انظروا إلى واقعكم: هل تعدلون في بيوتكم؟ هل تعدلون في سياستكم؟ هل تعدلون في اقتصادكم وفي القضايا الأمنية فيكم؟ هل يعيش صاحب الحق آمناً على حقه؟ لندرس أنفسنا هل نحن من جنوده أم أننا من جنود أعدائه، لأن الظلم الصغير يساوي الظلم الكبير، فمن يظلم في الصغير سوف يتحوّل إذا ما سمحت له الظروف إلى أن يظلم في الكبير.
الإمام المهدي (عج) ليس مجرد كلمة ووعد وحالة عاطفية ننفتح من خلالها عليه، إنه رسالة، إنه قضية، إنه حركة، إنه موقف، إنه الإخلاص لله ولرسوله وللمسلمين، إنه الذي يأتي ليقود المستضعفين في حركة إسقاط المستكبرين، لهذا علينا أن نعيش الوحدة الإسلامية مع المسلمين جميعاً، وعلينا أن نعيش الوحدة مع المستضعفين كلهم، فقد أصبح العالم عالمين: عالم الاستضعاف وعالم الاستكبار، وعلينا أن نحدد موقعنا من هذين العالمين، لأننا سوف نقف أمام الله تعالى لنُسأل عن مواقفنا ومواقعنا: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
اللهمّ عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، واجعلنا من السائرين على خطه، ومن المنتظرين له بالعمل الصالح الذي يواجه المسؤولية في كل مكان، وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه، "اللهم أرنا الطلعة الرشيدة، والغرّة الحميدة، واجعلنا من أنصاره وأتباعه".

المصدر:موقع بينات

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 27 نوفمبر 2017 - 23:16 بتوقيت مكة
المزيد