العلاقة بين الإنسان والأرض

الثلاثاء 21 نوفمبر 2017 - 11:56 بتوقيت مكة
العلاقة بين الإنسان والأرض

إن العلاقة المتصورة في المنظور الإسلامي بين الإنسان والأرض لهي أدعى إلى الألفة والارتباط بينهما، فضلًا عن المحافظة والتنمية...

الشيخ علي جمعة**

إن العلاقة المتصورة في المنظور الإسلامي بين الإنسان والأرض لهي أدعى إلى الألفة والارتباط بينهما، فضلًا عن المحافظة والتنمية، أو الاقتصار على التفكر والتدبر، فالعلاقة بين المسلم والأرض تدور في ثلاثة مستويات، أدناها وأقربها مستوى الانتفاع بالتسخير، وهو ما يتعلق بالجسد، وأوسطها مستوى التفكر والاعتبار، وهو ما يتعلق بالعقل، وأعلاها مستوى المحبة والألفة، وهو ما يتعلق بالروح.

قال تعالى:"وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا) [سورة نوح: ١٧-٢٠].

فولاء الإنسان للأرض وحنينه إليها يشبه حنين الابن إلى أمه، فإنه منها خلق ومن خيرها يأكل ويشرب وفي أحضانها يدفن، قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [سورة طه: آية ٥٥]، وقال صلى الله عليه [وآله]وسلم: «وَتَحَفَّظُوا مِنَ الأَرْضِ فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ» [أخرجه الطبراني في معجمه الكبير].

إذن فهناك عاطفة تربط الإنسان بالأرض التي نشأ فيها وتربى، ولا نكير في ذلك، بل هو مما حض عليه الشرع وورد به، فذوو الفطرة السليمة يشعرون دائمًا بالشوق والحنين إلى أوطانهم ولا يشعرون بالألفة أو الطمأنينة في البلاد على كثرتها قدر ما يشعرون بها في بلادهم.

وقد صوَّر القرآن علاقة الألفة والمحبة التي تنشأ بين الأرض والسماء وبين الإنسان، حيث قال تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) [سورة الدخان: آية ٢٩].

وهذا انفعال بين الإنسان والأكوان، فقد روى الطبري عن سعيد بن جبير قال: أتى ابنَ عباس رجلٌ فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن وأُغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه بكى عليه، وإذا فقد مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه. وقوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض.

ويعد أفضل إطار لفهم حقيقة علاقة الإنسان بالأرض هو خُلُق الرحمة والرفق مما تجلى في نموذج النبي، صلى الله عليه [وآله]وسلم، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [سورة الأنبياء: آية ١٠٧]، فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رحمة بالخلق أجمعين، إنسهم وجنهم، رحمة بالحيوان والنبات والجماد، وأَعْظِمْ بِالرَّحْمَةِ هدايةً للناس إلى المعرفة، معرفة الخالق ومعرفة الخلق، وتحديد المنهج القويم في عبادة الخالق ورحمة الخلق والانتفاع بما سُخِّرَ فيهم من خيرات.

وقد أمر النبي، صلى الله عليه [وآله]وسلم، بالرحمة العامة التي تشمل جميع المخلوقات فقال: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» [أخرجه الترمذي وأبو داوود].

وقال إبن بطال المغربي في شرحه للبخاري: فيه الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم، كافرهم ومؤمنهم، ولجميع البهائم -المملوك منها وغير المملوك- والرفق بها. وإن ذلك مما يغفر الله به الذنوب ويكفر به الخطايا، فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب في الأخذ بحظه من الرحمة، ويستعملها في أبناء جنسه وفي كل حيوان، فلم يخلقه الله عبثًا. ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب.

وقد أمر النبي، صلى الله عليه[وآله] وسلم، بالرفق في كل شيء، ولذلك يجب على المسلم إذا دخل داره أو خرج منها ألا يدفع الباب دفعا عنيفا، لأن هذا مناف للطف والرفق، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ» [صحيح مسلم].

والرحمة العامة التي أمر بها النبي، صلى الله عليه [وآله]وسلم، دائرة أوسع وأشمل من كل معاني المحافظة والرعاية للبيئة الإنسانية التي يمكن أن نجد دعواها في أي شريعة أو فلسفة -في أي مكان أو زمان- غير الإسلام.

**عضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 21 نوفمبر 2017 - 11:37 بتوقيت مكة