الكلمة الرسالية ورسالة الكلمة

الإثنين 13 نوفمبر 2017 - 10:53 بتوقيت مكة
الكلمة الرسالية ورسالة الكلمة

إن الكلمة الرسالية هي الكلمة المسؤولة التي بها تتحقق رسالة الكلمة بدءً من إصلاح الإنسان الفرد والمجتمع ومروراً بإنهاض الأمة وختاماً بتشييد الحضارة الإنسانية الإلهية المتكاملة.

بقلم آية الله المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

إن الكلمة الرسالية هي الكلمة المسؤولة التي بها تتحقق رسالة الكلمة بدءً من إصلاح الإنسان الفرد والمجتمع ومروراً بإنهاض الأمة وختاماً بتشييد الحضارة الإنسانية الإلهية المتكاملة.

إن رسالة الكلمة هي إحقاق الحق وإبطال الباطل بدءً من بسط العدل والقسط واقتلاع الجور والظلم مروراً بنشر الحرية والتحرر واجتثاث الإستبداد والإحتلال، ختاماً بتجذير الكرامة والعزة وقبر المهانة والذلة.

إن كلمةً هذه رسالتها لن تجد طريقاً معبداً بالقبول بل لن تطأ أقدامها إلا طريقاً مملوءً بالأشواك الأمنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية التي يزرعها الكافرون والمجرمون من الطغاة والظلمة والمتجبرون، قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}.

إن كلمةً مسؤولةً هذا طريقها لم تجد من يحملها غير الإنسان وهو الذي لم يؤد أمانتها بل أسرف في ظلمه وجهله، قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.

إن حمية الجاهلية هي التي تحول بين الإنسان ومسؤولية الكلمة وأداء أمانتها، والإيمان هو القوة التي بها يستحق الإنسان كلمة التقوى التي تمكنه من تحمل مسؤولية الكلمة وأداء أمانتها، قال الله سبحانه وتعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.

إن الإيمان الذي يستحق به الإنسان كلمة التقوى لا بد أن يكون له تجسيد عملي في الخارج يتمثل في:

1/ القيام لله: ومن أفراده العمل السياسي والإجتماعي والفكري والإقتصادي والتربوي وما شابه.

2/ الشهادة بالقسط: وتعني اتخاذ الموقف في الصراعات والسجالات والخلافات بقول العدل وعدم الحياد.

3/ ممارسة العدل قولاً وفعلاً في كل زمان ومكان وموضوع ومع كل الأصناف والفئات حتى مع أعدى الأعداء، قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

وبهذه الممارسة يكون الإنسان أقرب للتقوى فيستحق كلمة التقوى ويكون أهلاً لها.

إن كلمة التقوى تتجسد في الأمر بالعدل الذي به يُقتلع الجور ويَستتب الأمن ويبلغ الناس الرفاه الإقتصادي وتردُّ الحقوق إلى أهلها.

إن الآمرين بالعدل هم من يُشيِّدون صرح الحضارة والدين والحياة وهم منبع كل خير ومصدر كل صلاح وبهم يقام الدين وتستقيم الحياة وليس الذين ارتضوا الصمت نهجاً والحياد منهجاً فلا يرجى منهم خيراً ولا يحرك بهم ساكناً فلا هم للحق ناصرين ولا هم للباطل خاذلين قال الله سبحانه وتعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

إن كلمة التقوى تتجسد في الأمر بالقسط الذي لا يتمكن منه إلا من جاهد نفسه حق جهادها فملك الإستعداد للتضحية بكل غال ونفيس؛ وهو يحمل أكفانه على كتفه وروحه تتقدمه بين كفيه، لأن هناك من يكفر عملياً بالعدل والقسط فيمارس الجور والظلم ويَضِيق صدره بالآمرين بالعدل وتختنق روحه بالآمرين بالقسط ولذلك لن يألوا جهدا في الإسراف في القتل فضلاً عما دونه قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ}.

إن الآمرين بالعدل والقسط هم شجرة البقاء التي لا تقتلع والتي تؤتي ثمارها في كل مكان وزمان؛ وإن استطاع الكفار والمنافقون والطغاة والظلمة والجبابرة أن يزهقوا أرواح الآمرين بالعدل والقسط ظلماً وجوراً إلا أنهم عاجزون بل أضعف وأعجز من أن يخرسوا كلمة العدل أو يخمدوا كلمة القسط لأنها الكلمة الطيبة التي تجذَّرت في تخوم قلوب الأحرار وأهل الكرامة الذين تلهج بها ألسنتهم وتيممت إليها قلوبهم وثبتت عليها أوتاد أقدامهم؛ ولأنها الكلمة الطيبة التي تسامت إلى آفاق التطلع والحنين وارتقت إلى مدارج السمو الإنساني الذي يعجز كل طاغ ومتجبر الوصول إليه؛ ولأنها الكلمة الطيبة التي تعالت إلى فضاء الزمان والمكان الذي يأبى التحديد والتقييد البشري، قال الله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء*}.

إن كلمة العدل والقسط هي كلمة العزة الإلهية وهي من الكلم الطيب والقول الحسن الذي يصعد إلى الله؛ وبالعمل الصالح والسلوك الحميد يرتفع إلى أسمى الدرجات التي لا يمكن لأيدي البغي والظلم والجور والمكر أن تصل إليها بل مهما تضاعفت وتعاضدت وتشامخت هذه الأيدي والأعمال الماكرة فإنها تبور وتزول، قال الله سبحانه وتعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ}.

إن الأيدي الماكرة التي تسطر الكلمات الخبيثة لن تُعْجِب ولن تخدع إلا من جوف قلبه من البصيرة والنور وكسر مجاديف العزم والإرادة ،فغرق في ظلمات الجهل والجهالة وارتكس في الخوف والجبن وارتضى لنفسه الخسة والنذالة.

إن كلمة عدل وقسط واحدة هي الطيب الذي يدك جبال الكلمات الخبيثة التي سطَّرتها الأيدي الآثمة لتأصيل الظلم وتقنين الجور وتبرير البغي وتشريع العدوان، قال الله سبحانه وتعالى: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

إن كلمة العدل والقسط ستبقى تدوي في آفاق السماء تخاطب الأحرار وتلهم أهل التقوى عزة وكرامة؛ ومهما تطاولت الأيدي الطاغية فلن تصل إليها أبداً.

هذا ما استطاعت تسطيره يراعي..

بعد أن كم فاهي..

وستكون كلماتي سر بقائي..

وستبقى تدوي من دون تناهي..

ناطقة في وجه كل باغي..

شامخة على كل طاغي..

مناكفة كل الأعادي ..

طالبة رضا رب العباد..

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 13 نوفمبر 2017 - 10:44 بتوقيت مكة
المزيد