خاص الكوثر_ العشرات
هل وكالة الأنباء مجرد ناقل للخبر؟ أم أنها صانع لرؤيتنا لهذا العالم؟
عند تصفّح أي موقع إخباري أو مشاهدة أي قناة، نجد أن معظم الأخبار التي تأتينا من مناطق النزاع والحروب – خاصة في العالم العربي – مصدرها وكالات أنباء عالمية، مثل: رويترز، أسوشيتد برس، فرانس برس وغيرها.
هذه الوكالات لا تنقل الخبر فقط، بل تختار الزاوية التي نُفكّر من خلالها، وتفرض المصطلحات التي نتداولها، بل وتحدّد الصور التي يجب أن تُعمم.
اقرأ أيضا:
فمثلًا، في كل عدوان صهيوني على غزة، نرى بعض وكالات الأنباء تستخدم مصطلحات مثل: "نزاع" بدلًا من "احتلال"، و"اشتباكات بين الطرفين" بدلًا من "قصف مستمر على المدنيين".
لكن إذا وقع هجوم في أوروبا، فالعناوين تكون مباشرة: "هجوم إرهابي، مقتل مدنيين، جريمة حرب".
عندما بدأت الحرب على اليمن في عام 2015، المعروفة باسم عاصفة الحزم، بقيادة السعودية وبدعم من تحالف دولي، ركّزت الوكالات على توصيف أنصار الله بأنهم جماعة "انقلابية"، وأطلقت عليهم اسم "الحوثيين"، نسبة إلى السيد حسين بدر الدين الحوثي، ومن بعده شقيقه السيد عبد الملك.
أما التدخلات الدولية، فقد صُوّرت على أنها خطوات لحماية "الشرعية" التي كان يمثلها الرئيس الهارب عبد ربه منصور هادي.
ومع تغيّر مجريات الحرب وخسائر التحالف، تغيّرت السردية قليلًا، ولكن بعد أن تكون الصورة الذهنية قد ترسّخت في أذهان الجمهور.
لذا، فإن وكالات الأنباء لا تتحكّم فقط بالمصطلحات، بل أيضًا بـ:
السردية التي تُبنى حول الحدث.
الصور والفيديوهات: فصورة طفل مصاب قد تُنشر في بلد ما، وتُمنع في بلد آخر، لأنها قد تؤثر على الرأي العام.
توقيت التغطية: إذ تُغيَّب أحداث كبرى عن الإعلام، فقط لأن هناك حدثًا آخر يجب أن يتصدّر الواجهة، إلهاءً أو تعتيمًا.
لكن، ما مدى فاعلية هذه السيطرة اليوم، في زمن السوشيال ميديا؟
مع ظهور صحافة المواطن، بات أي شخص قادرًا على توثيق الحدث ونشره مباشرةً من قلب الميدان، قبل أن تصل إليه وكالة أنباء واحدة.
أحداث كبرى مثل انفجار مرفأ بيروت عام 2020، أو زلزال تركيا 2023، انتشرت أولًا على تويتر وإنستغرام، قبل أن تصل إلى النشرات الإخبارية.
بل إن تقريرًا صادرًا عن نيويورك تايمز يؤكد أن 85٪ من المستخدمين يحصلون على الأخبار الأولية من مواقع التواصل الاجتماعي، وليس من القنوات التقليدية.
فهل هذا يعني نهاية عصر وكالات الأنباء؟