أمريكا في صدارة أعمال العنف المسلحة عالمياً.. ما السر؟!

الخميس 5 أكتوبر 2017 - 13:25 بتوقيت مكة
أمريكا في صدارة أعمال العنف المسلحة عالمياً.. ما السر؟!

الولايات المتحدة الامريكية-الكوثر: الولايات المتحدة الأمريكية تتربع على صدارة البلدان التي تشهد أعمال عنف محلية، والأسباب في شيوع هذه الظاهرة المرعبة عديدة أهمها حرية حمل السلاح، كما أنّ الثقافة العامة لها وقع كبير في هذا المضمار.

الاثنين المنصرم كان دامياً في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد شهدت عملية مسلحة دامية وحسب الإحصائيات الرسمية فهي العملية رقم 273 خلال العام الجاري، وهذه المرة كانت مدينة لاس فيغاس هي الهدف.

مدينة لاس فيغاس المعروفة بملاهيها الليلية هي أكبر مدينة في ولاية نيفادا، وليلة الاثنين كانت ليلة مرعبة في أزقتها وملاهيها المكتظة بالناس، فخلال حفلة موسيقية أطلق أحد المواطنين البيض النار بجنون على المحتشدين وقتل 58 شخصاً وجرح أكثر من 500 آخرين، وقد اكتشفت الشرطة من مكان إطلاق النار 42 قطعة سلاح، وهذه الحادثة التي أرعبت الشارع الأمريكي تعتبر الأكثر دموياً في التأريخ المعاصر لأمريكا.

وتفيد الإحصائيات التي نشرها موقع "فوكس" الأخباري أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي الرائدة في العالم وتحتل المرتبة الأولى على صعيد أعمال العنف والقتل بالأسلحة الشخصية، فقد نشر هذا الموقع جدولاً مذهلاً لجرائم القتل بالأسلحة الشخصية في هذا البلد بحيث لا يمكن مقارنة معطياته مع أي بلد آخر في العالم، فهذه الإحصائية تدل على أنّ معدل الجرائم المذكورة في أمريكا تفوق نظائرها في كندا بستة أضعاف وفي كندا بستة عشر ضعفاً!

وفي إحصائية سابقة نشرها موقع "لايف ساينس" الإلكتروني في شهر آب / أغسطس عام 2016 م أثبتت النتائج أنّ الكثافة السكانية في الولايات المتحدة تعادل ما يقارب 5 بالمئة فقط من إجمال كثافة السكان في العالم، لكن عمليات إطلاق الرصاص على المدنيين من أسلحة شخصية تشكل ما معدله 31 بالمئة مما يحدث في جميع بلدان العالم! أي أنّ 31 بالمئة من منفذي هذه العمليات في العالم أجمع هم أمريكان.

الجدول التالي فيه معدلات إطلاق النار بالأسلحة الشخصية في مختلف البلدان، وكل شاخص فيه يدل على مليون مواطن:

هذه الحادثة الدامية وما شاكلها بطبيعة الحال تقتضي التعمق في دواعيها وجذورها في بلد يدعي أنّه حامل راية الحضارة والديمقراطية في العالم، ومن هذا المنطلق سنسلّط الضوء فيما يلي على مختلف الأسباب التي أدت إلى رواج العنف المسلح في هذا البلد:

1- حرية حمل السلاح

عادة ما يقال إن حرية حمل السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية هو السبب الأول في حدوث أعمال عنف دامية، وهذا الأمر صائب طبعاً، فحسب إحصائية نشرتها صحيفة "الغارديان" أنّ الكثافة السكانية في هذا البلد تعادل 4,4 بالمئة من إجمالي الكثافة السكانية عالمياً، لكن المواطنين الأمريكان يمتلكون ما معدله 42 بالمئة من إجمالي عدد الأسلحة الشخصية في العالم.

فضلاً عما ذكر فجميع البلدان قد شرعت قوانين صارمة على صعيد حمل السلاح من قبل المدنيين، لذا تقل نسبة القتل بالأسلحة النارية فيها، بينما الولايات المتحدة ترتفع فيها هذه النسبة ولا سيما في الولايات التي تتبنى قوانين أكثر تساهلاً مع حمل السلاح.

2- الترويج لأعمال العنف

رغم أنّ حرية حمل السلاح يعد عاملاً أساسياً في جرائم القتل الفردي والجماعي في الولايات المتحدة، لكنه ليس السبب الوحيد، بل هناك أسباب أخرى يجب على الأمريكان استقصاء جذورها، ففي عام 2013 م وبعد حادثة مدرسة "ساندي هوك الابتدائية" الدامية التي أطلق فيها شاب في العشرين من عمره النار على أمه ثم قتل 20 تلميذاً، صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما قائلاً: "لا بد لنا من تتبع جذور هكذا حوادث وعلينا أن لا نتغافل عن ثقافة حمل السلاح في بلدنا، فبعض الأوساط الثقافية تصور السلاح بأنّه كائن عظيم، والقاتل بأنّه بطل شجاع".

الولايات المتحدة تعد أكبر بلد منتج ومصدر "لوسائل التسلية" المدمرة، فنتاجاتها الثقافية وعلى رأسها أفلام هوليوود والألعاب الإلكترونية تغرس روح العنف والفتك بين البشر جماعات وأفراداً بحيث يصبح الإنسان في رحابها مجرد وسيلة للتسلية لا أكثر، حيث تثير أفلامها المشاهدين وتحفز ألعابها المستخدمين للقيام بأعمال عنف قاسية بانفتاح وحرية تامة.

3- ثقافة حب الذات و "الحلم الأمريكي"

النزعة الفردية المبالغ فيها في الولايات المتحدة هي إحدى المظاهر الثقافية التي تؤزم الأوضاع بشكل كبير، فقد أمسى المواطن الأمريكي اتكالياً ولا يتحمل مسؤوليته تجاه مجتمعه، وقد أكد على هذه الحقيقة موقع تروث أوت وذكر في تقرير له: "الكثير من الأمريكان قد أذعنوا لمنطق التطرف في الوقت الراهن ويعتبرون أنفسهم السبب في البطالة والتشرد والانزواء عن الآخرين، كما يعتبرون أوضاعهم المزرية تنم عن فشل شخصي، لذا عادة ما يبتلون بالكآبة وينزعون إلى أعمال العنف ".

وأما الباحث والخبير بالشؤون الاجتماعية الأمريكي "آدم لانكفورد" فقد أجرى دراسة استقرائية في عام 2012 م حول أكثر من 292 شخصاً قاموا بإطلاق نار دامية، وتوصل إلى نتائج مريبة حول واقع المجتمع الأمريكي، لذلك قال: "الكثير من الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية يلقنون بأنهم سيرتقون مناصب عليا ويحققون إنجازات كبيرة وبالتالي سيتمكنون من تحقيق (الحلم الأمريكي). وهكذا مجتمع بالطبع لا يحقق أهدافه، لذا نجد أبناءه ينتهجون سلوكاً منحرفاً مع أقرانهم أو زملائهم أو المسؤولين عنهم، لكونهم يخضعون لضغوط نفسية شديدة".

وأضاف هذا الخبير الاجتماعي: "لو جمعنا تلك العوامل المؤثرة على المواطن الأمريكي وأضفنا إليها الكآبة انفصام الشخصية والهلوسة والتكبر، سوف ندرك حينها السر الكامن وراء لجوئه إلى إطلاق النار على الآخرين، وسنعرف سبب ارتفاع نسبة الفتك المسلح بالأسلحة الشخصية مقارنة مع سائر بلدان العالم".

وفي لقاء أجراه معه موقع "صالون" التحليلي في عام 2013 م قال: "الموضوع الذي قمت بدراسته وتحليله يتمثل في تلك الضغوط الاجتماعية التي تجعل المواطن يطمع إلى تحقيق ما يسمى بـ (الحلم الأمريكي) رغم عدم توفر السبل الكفيلة لذلك، فأنا لا أريد أن أسلط الضوء على الفقر الذي يحرض البعض على إطلاق النار وقتل العديد من المدنيين، بل أؤكد على أنّ الإرهاصات الذاتية للفرد المتقومة على أمر لا حقيقة له هي محور الموضوع، فعادة ما يكون هناك بون شاسع بين الطموحات والقضايا الموجودة في ارض الواقع، لذا إن تعاضدت هذه الأمور مع بعضها سوف تحدث هوة كبيرة في المجتمع وفي شخصية الفرد فيشعر بالفشل الذريع ويحاول إفراغ ما في باطنه من سخط على الآخرين".

وأكد على أنّ بعض البلدان حتى وإن شهدت هكذا أعمال دامية للأسباب ذاتها، إلا أن نسبتهم قليلة جداً مقارنة مع ما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى كل حال فالجريمة واحدة لكن ما يحدث في هذا البلد يثير الدهشة حقاً.

4- الضخ الإعلامي للأنفة والكبرياء بطابع أمريكي

المؤرخ الأمريكي الشهير "كرستوفر لاش" في أحد كتبه الشهيرة التي دونها حول واقع الثقافة والمجتمع الأمريكيين، شبه الثقافة الأمريكية بإنسان متكبر ومختل عقلياً، لذا فهو عادة ما يهلوس ويهذر ويتصور أنّه أعلا درجة من الآخرين، ومن هذا المنطلق يسعى إلى إرغام أقرانه في تلبية رغباته الشخصية. يذكر أن هذا الكتاب ألفه لاش في عام 1980م، واليوم حظي باهتمام أكبر من قبل الساسة والمسؤولين والخبراء الأمريكان ولا سيما المعنيون بالشأن التربوي.

الكبرياء في الشخصية الأمريكية أكد عليه الرئيس السابق باراك أوباما أيضاً، ففي خطاب له ألقاه عام 2013 م قال إنّ الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دور الشرطي في العالم، ولكن العالم يشهد حوادث عظيمة وجسيمة خارجة عن نطاق سيطرتنا، فنحن غير قادرين على وضع حل لكل مشكلة أو تقويم كل انحراف، ولكننا إن استطعنا من اتخاذا قرارات مناسبة للحيلولة دون موت الأطفال بالغازات السامة على سبيل المثال، لا بد لنا من التدخل مباشرة؛ وهذا ما يميزنا عن غيرنا، لذا نحن نختلف عن الآخرين في ذلك.

إذن، إحدى المظاهر الثقافية السلبية في الولايات المتحدة تتمثل في الترويج لفكرة أنّ حاجة المواطن الأمريكي مقدمة على حوائج غيره، فهذه النزعة تلقن للأمريكان وتتأصل في ثقافتهم الهشة من أساسها، لذلك نجدهم يبذلون كل ما بوسعهم لإرغام الشعوب على الخضوع لهم وتوفير كل متطلباتهم، وهي بطبيعة الحال تنعكس على حالة الفرد فنجد البعض حينما لا يبلغ منيته فهو لا يجد أمامه سوى الانتحار جراء القلق والكآبة.

ولا شك في أن السياسة الخارجية للبيت الأبيض تعد انعكاساً للثقافة الأمريكية، وفينا تتبلور ذهنية المواطن الأمريكي للعيان، وهو ما أكد عليه ساسة وخبراء اجتماعيين أمريكان، فهم يربون أبناءهم في رحاب فكر استعلائي سواء على أقرانهم أو جيرانهم أو في الولايات المحاذية لهم داخل أمريكا، وكذلك في شتى أصقاع العالم، وهناك الكثير من الاستفسارات التي تطرح في هذا الصعيد ولا بد من وضع إجابات لها؛ ويا ترى ما هو الحل الناجع للحيلولة دون تفاقم هذه النزعة الاستعلائية والتقليص من مستوى القتل والفتك في المجتمع المدني بأسلحة مرخصة رسمياً؟!

المصدر: وكالة تسنيم

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 5 أكتوبر 2017 - 12:33 بتوقيت مكة