عاشوراء.. الصوت.. الموقف: قصة ياسين الرميثي مع قصيدته الخالدة

الأربعاء 4 أكتوبر 2017 - 08:27 بتوقيت مكة

عاشوراء ـ الكوثر مرة روى لنا العم ياسين الرميثي قائلا: اجتني دعوة من ديالى حتى اقرا بعاشوراء، وكَصدت عمكم الشاعر رسول محيي الدين، طالبا واحدة من قصائده لاقرأها هناك، طلّع "جيس نايلون" ونفضه كَدامي وكَالي اتخيّر اللي يعجبك منهن، قرات بعضهن على عجالة، الى ان وقعت بيدي تلك التي اهتز بدني لها، قرأت المستهل مرة ثانية وثالثة بصمت، وكَتله اخذ جيسك، اريد هاي ومااقرا غيرها، كَالّي هاي قريتها قبلك ومحد اهتملها، كَتله ماعليك انه اتحمل نتائجها".. ( حسجة، كلاهما يتقنها ايّما اتقان).

* في ديالى، يرتقي الشيخ المنبر، يتفحص الجمهور الذي أمامه بعينيّ الصقر العراقي الرميثي، فيرى طوقا من مرتدي الزي الزيتوني، واخرين  بثياب مدنية، واخرين خلعوا قمصانهم واندسوا بين  الناس، كلاطمين، لم يتردد ولم يخف وقد عقد العزم على المواجهة متحملا النتائج كما وعد، ويقرأ:

" لمسنا بيك ابو الاحرار، لمسنا الموت حرية"

تجحظ عيون الجلاوزة، وتتقد الكلمات على لسان الشيخ ، تمتد ايديهم لتتحسّس المسدسات، ويرتفع صوته منشدا بإصرار:
"نتوقع وقت محذور، وساعات التُمر خطرة
مابين اليكيد النا، وبين يدبّر الغَدرة".

تتهيأ ايديهم لجرّه فيزيد اصراره بالانشاد:
" علينا افرضوا احكام، بْلا رحمة ولارأفة
ثبتنا بْثقة وبرهنّا، للظالم رغم أنفه"

يتوعدونه بعيونهم ووجوههم القاسية القسمات فيستمر:
"عنك مامنعنا الخوف، كَطعوا من ادينا جفوف"

وماان ينتهي، حتى تتلاقفه الايدي والبنادق، تقوده الى ظُلمات السجون، وحفلات التعذيب، تزرع السياط في جسده الف علّة وعلّة، ويسلمُ صوته وصبره.

* لم يهِن ولم يستكن، ففي اذار 91، يتقدم الشباب بشيبته صادحا، ثابتا، رمزا حلوا تحضنه مسامع الرميثة وبيوتها وشوارعها.

* عاشوراء 92، يقف في العراء، بصحراء الربع الخالي، متوجها شمالا كما سهم البوصلة، شمالا حيث العراق والحسين صادحا بالبيان، حاسراً عن فضة الشيب، غير آبهٍ ببنادق " الحرس الوطني واجلافه" وهو من خبر الاجلف منهم، غير مكترث بطوق الدبابات التي تركت الصحراء الشاسعة واتت لتطوّقه، يسحب كبير الاجلاف شابا ليسأله: من ذا ؟ ويش يكَول، ويش يبي؟ مستغربا سكون الجمع الذي ينصت له بخشوع عظيم، فيجيبه :
ـ هذا ثائرٌ يستذكرُ ثائراً، مجدداً العهد، لاعليك، هذا مااوحت به الخيام وحصاركم.
ولم يعرفوه ولن .

* في ديترويت، حيث منفاه الاخير، وقفت قبالة الشيخ الذي ترتجف كفه الممسكة بالعكّاز، يمتنع عن ارتقاء المنبر، يقرا مستهلاّ لقصيدة، ويبكي بحرقة، معتذرا من الحسين، فقد عرف ان صوته قد وهن، وهذا اخر عهده بعاشوراء، بكيناه، بكينا عاشوراء معه، ليرحل الى الحسين.

* لا احبذ ( وهذا موقف شخصي جدا) سماع غير ياسين، لا ارغب باصوات رواديد يأتون بالجكسارت تحرسهم خططاً امنية مشترطين " شَدّات" من ورق اخضر ليعودوا بها الى لندن ودبي وبيروت. لا ارغب بأنصاف وارباع رواديد، متأنّقين ، يقرأون لجمهور مغطّى بالوحل، واضعين كلمات الانكسار البائسة على لسان الحسين واهل بيته (عليهم السلام)، لا اسمع هذا الهراء، عائدا في عاشوراء لصوت ياسين الرميثي فقط، لموقف ياسين فقط.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 4 أكتوبر 2017 - 08:25 بتوقيت مكة