صفقة لإسرائيل وصفعة لنا

السبت 13 مايو 2017 - 10:06 بتوقيت مكة
صفقة لإسرائيل وصفعة لنا

لا تنتظروا خيرا من الزيارة التي يعتزم الرئيس الأميركي القيام بها للسعودية، ذلك أن الصفقة التي يريد أن يعقدها لا تخرج عن كونها صفعة لنا جميعا.

(١)

في اليوم التالي للقاء الرئيس دونالد ترامب مع أبومازن فى واشنطن (الخميس ٤ مايو) كان بين أبرز التعليقات في الصحف والمواقع "الإسرائيلية" ما يلي:

< أورلى أوزلاى ــ يديعوت أحرنوت: ترامب تبنى مواقف "إسرائيل". إذ إنه طالب أبومازن بالتوقف عن دفع رواتب عائلات "المخربين" الفلسطينيين المحبوسين في "إسرائيل". علاوة على أنه طالبه بالتركيز على مكافحة "الإرهاب". في الوقت ذاته فإنه لم يعرض عليه أي خطة سلام، ولم يتحدث عن حل الدولتين، ولم يتطرق إلى وقف بناء المستوطنات.

< حمى شليف ــ هاآرتس: أثبت اللقاء مع ترامب أن السلاح الجديد وغير السري لمحمود عباس والقيادة الفلسطينية هو التملق. حتى إذا وقف ترامب أمام المرآة في البيت الأبيض وسأل: أيتها المرآة من الأكثر نجاحا فى المدينة؟ فسوف يفاجأ بأبومازن وقد ظهر أمامه قائلا: أنت يا سيدي الرئيس.. أنت وحدك.

< آفي سيخاروف ــ هاآرتس: حين حرص ترامب على امتداح أبومازن فقد كان ذلك نابعا من إدراكه أهمية الدور الذي تقوم به السلطة الفلسطينية في الدفاع عن أمن "إسرائيل"، ذلك أن الرئيس الأميركي يعي جيدا ما يعرفه قادة الأمن الإسرائيلي من أن السلطة الفلسطينية تمثل مركبا رئيسيا من المركبات التي تضمن أمن "إسرائيل"، على الرغم من حملة التحريض التي يشنها اليمين الإسرائيلي ضد عباس. لذلك فإنه باستثناء الكلمات الدافئة التي أغدقها على أبومازن، فإن الرئيس الأميركي لم يمنح رئيس السلطة الفلسطينية أي إنجاز يمكن أن يلوح به بفخر أمام شعبه.

< أليؤر ليفي ــ يديعوت أحرنوت: خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع عباس، حرص ترامب على عدم تجاوز تصور حكومة اليمين المتطرف في "إسرائيل" لحل الصراع. حيث لم تصدر عنه أية إشارة تعكس التزاما بحل الدولتين أو إقامة دولة فلسطينية.
< عساف جيبور ــ معاريف: حقق عباس الإنجاز الوحيد الذي يتطلع إليه في الوقت الراهن، الذي يتمثل فى ضمان شرعيته. ذلك أنه خشى أن تتآمر عليه الأنظمة العربية، بحيث تفرض عليه غريمه محمد دحلان. وجاء ترامب ليسبغ عليه الشرعية التي عززت موقفه، وذلك إنجاز كبير فى نظره.

(٢)

أثار انتباهي العنوان الرئيسي لصحيفة «الحياة» اللندنية التي صدرت في اليوم نفسه (الخميس ٤/٥)، الذي كان كالتالي: ترامب يعد عباس بـ«مظلة عربية»، إذ استغربت أن يأتي هذا الكلام على لسان الرئيس الأميركي الذي أراد أن يطمئن ضيفه أبومازن إلى أنه هو من سيتولى توفير المظلة العربية له، وليس العكس. إذ يفترض أن أبومازن حين يذهب إلى واشنطن فإنه سيكون مدعوما مسبقا بموقف عربي يسانده فيما يخص «قضية العرب المركزية». أما أن يذهب عاري الظهر، بحيث يكون بحاجة إلى مساندة عربية يوفرها له الرئيس الأميركي، فتلك من عجائب الزمان التي تشهد بمدى العبثية التي بلغها المشهد العربى. وإذ لا أتصور أن الرئيس ترامب يطلق الكلام على عواهنه، لذلك فإنني أرجح أن لديه شيئا بالفعل بهذا الخصوص تلقاه من بعض الزعماء العرب الذين لقيهم. وهو ما يطرح بشدة السؤال التالي: ما هو «الشىء» الذى سيقدم عليه أبومازن، ويحتاج فيه إلى مظلة عربية يتولى الرئيس الأميركي توفيرها؟

لاحظت أيضا أن معظم الصحف العربية التي وقعت عليها أبرزت دون تعليق مطالبة ترامب للفلسطينيين بأن يجمعوا على إدانة الدعوات إلى العنف والإرهاب. كما أنه حثهم على تبنى صوت واحد ضد التحريض والحث على الكراهية وتعليم الأطفال حب الحياة وإدانة كل من يستهدف الأبرياء. في الوقت ذاته تناقلت الصحف العربية أيضا عن ترامب قوله: «علينا الاستمرار في بناء شراكة مع قوات الأمن الفلسطينية لهزيمة الإرهاب».

عند التدقيق فى كلام الرئيس الأميركي يلاحظ المرء أن انتقاده للإرهاب موجه إلى الفلسطينيين وحدهم وأنه في دعوته إلى هزيمة الإرهاب فإنه راهن على الدور الذي تقوم به قوات الأمن الفلسطينية التي تنهض بمهمة ملاحقة المقاومين وحماية أمن "إسرائيل" من مظاهر الغضب الفلسطيني.

هكذا ما عاد هناك شك فى أن الرئيس الأميركي في المؤتمر الصحفي فضلا عن لقائه مع أبومازن كان يتكلم طول الوقت بعقل ولسان نتنياهو. ذلك أنه في خطابه ظل يتحدث عما يجب أن يفعله الفلسطينيون لصالح أمن "إسرائيل". ولم يشر بكلمة إلى شىء مما ينبغي أن تفعله "إسرائيل" للاتفاق مع الفلسطينيين. ناهيك عن أنه لم يشر بكلمة إلى أي بند من البنود المعلقة سواء فيما خص المستوطنات أو حتى حل الدولتين.

(٣)

ما سبق يثير العديد من الأسئلة حول مضمون «صفقة القرن» الذي أطلق أثناء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لواشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي (في بداية إبريل الماضى) ــ واعتبرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» آنذاك أن المقصود بالصفقة عقد قمة سلام لطي صفحة الصراع في اجتماع يعقد بالولايات المتحدة خلال الصيف المقبل تشارك فيها مع "إسرائيل" مصر والأردن ودول الخليج (الفارسي)، (السعودية ودولة الإمارات). ونوهت الصحيفة إلى أن الرئيس المصري قام بزيارته لواشنطن بعد ثلاثة أيام من عقد القمة العربية بالأردن. التي شارك فيها جيسون جرينيلاد مبعوث ترامب لعملية السلام (المعلومة لم تنشر في صحفنا) وكانت تلك إشارة إلى أن الرئيس السيسي حين التقى ترامب فإنه كان يحمل تصورا أو أفكارا بخصوص حلحلة القضية الفلسطينية، إلى جانب الطلبات المصرية بطبيعة الحال.

أخيرا يوم الخميس الماضي (٤/٥) فوجئنا بتصريحات للرئيس الأميركي ذكر فيها أنه يفتخر بأن ينقل إلى الملأ إعلانه «التاريخى العظيم» عن أن زيارته الأولى كرئيس للولايات المتحدة ستكون يوم ٢٣ مايو للالتقاء مع زعماء يمثلون العالم الإسلامي (وليس العربي فقط). وقال إن الهدف من الزيارة هو إرساء دعائم تحالف جديد لمحاربة الإرهاب (الذي تمثله داعش و"إيران"). وذلك لبناء مستقبل مشرق وعادل للشباب المسلم فى بلادهم.

فكرة التحالف الجديد ليست جديدة تماما، فقد سبق أن ترددت في وسائل الإعلام بصياغات مختلفة، كان أشهرها مصطلح «الحل الإقليمي» الذي سبق أن دعا إليه وسوقه رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، وهى صيغة خبيثة للتطبيع مع العالم العربي أولا ثم بعد ذلك الضغط على الفلسطينيين والتوصل إلى حل للصراع مع "إسرائيل". وكأن الجهد المطلوب ينحصر في القضية الفلسطينية وليس الاحتلال "الإسرائيلي".

ما أعلنه الرئيس الأميركي تحرك في إطار الفكرة ذاتها وإن أطلق عليها عنوانا آخر. فهو يتحدث عن تحالف فى مواجهة "إيران" وداعش (تشارك فيه إسرائيل بطبيعة الحال) دون إشارة صريحة إلى فكرة الحل الإقليمى التى أشار إليها نتنياهو. ومعروف أن صيغة الحلف الإسلامي لها تاريخ فى العالم العربي، تبنتها الولايات المتحدة فى عهد الرئيس الأسبق أيزنهاور (قبل أكثر من نصف قرن) لمواجهة الشيوعية. وكان «حلف بغداد» امتدادا لها، وأخيرا طرحت فكرة الحلف في عام ٢٠١٦ حين دعت إليه السعودية لمواجهة "الحوثيين"( انصار الله) في اليمن. أما ما هو مطروح في الوقت الراهن فهو يقوم على محاولة حشد الدول السُّنيَّة لمواجهة "التمدد الإيراني"، إضافة إلى مشاركة "إسرائيل"، بعدما صارت تصنف نفسها ضمن دول الاعتدال في المنطقة. وهو تصنيف قبلت به بعض الدول العربية.

(٤)

إذا جاز لي أن ألخص المشهد فإنني أقر بأن الوضع الراهن على بؤسه أفضل بكثير مما هو قادم. إذ لا أستطيع أن أتجاهل عدة حقائق، أولها أن الرئيس الأميركي يتحدث باسم نتنياهو واليمين "الإسرائيلي". ومن ثم فإن ما يشغله حقا هو كيف يقنع العالم العربي بإغلاق ملف القضية وبالتسليم بالطلبات "الإسرائيلية" (سمّه الانبطاح إن شئت). في الوقت ذاته فإن السلطة الفلسطينية التي هي في أضعف حالاتها باتت تراهن على موقف الإدارة الأميركية وتتمنى رضاها بمختلف السبل. ثم إن العالم العربي أصبح يعاني من درجة غير مسبوقة من الوهن والانفراط، حتى سارت بعض أهم دوله على درب التطبيع. اجتماع هذه العوامل إذا كان يشكل فرصة تاريخية تمكن "إسرائيل" من فرض شروطها، فضلا عن أنها تشجع نتنياهو وقوى اليمين الأكثر تطرفا على مزيد من التصلب وتصعيد المواقف والطلبات، فبأي معيار إذن يعد ما نحن مقبلون عليه «صفقة القرن»؟ ــ وإذا كان للرئيس الأميركي أن يعتبر رحلته إلى السعودية «حدثا تاريخيا عظيما» لأنه سيلتقى مع بعض قادة العالم الإسلامي ووضع أساس الحلف الجديد الذي يمهد لعقد «صفقة القرن»، فبأي عقل أو منطق نصدق الكلام ونردد تلك العبارات. وإذا ما فعلها الرئيس ترامب حقا، فله أن يتباهى بما أنجزه ويطلق عليه ما يشاء من أوصاف، لكن «صفقة القرن» التي يريد أن يعقدها ستصبح «صفعة القرن» للعرب والمسلمين.

ليس في ذلك مبالغة، لأن ما نحن مقدمون عليه يملؤنا شعورا بالخوف والفزع، وليس الاطمئنان أو الثقة. لذلك فإن لهفة الزعماء العرب على لقائه في واشنطن والإطراء المبالغ فيه الذي جاء على ألسنتهم، ذلك كله يعد نفاقا وعبثا لا طائل من ورائه، فضلا عن أنه من علامات الضعف والاستخذاء.

قرأت تصريحا للدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت قال فيه إن ترامب من أكثر الرؤساء الأميركيين انحيازا "لإسرائيل" منذ إنشائها قبل ٧٠ عاما. كما أن طاقمه لا يخفى ذلك الانحياز. ولديه صهر يهودي وأحفاد يهود. كما أن "إسرائيل" هي حليفه الاستراتيجي وليس نحن. لذلك من المستبعد أن يقوم بأي ضغط على "إسرائيل"، ومن المرجح أن يكثف من ضغوطه على الفلسطينيين دون غيرهم.

هذا الذي قال به الدكتور الجرباوي صار معلوما من السياسة بالضرورة، بل صار بديهية لدى المواطن العربي العادي. لذلك فليس مفهوما تهليل بعض الأوساط العربية للرئيس الأميركي، والحفاوة بالحدث التاريخي العظيم الذي هو مقبل عليه، وصفعة القرن التي يدعى أنه بصدد عقدها.

ماذا نقول في أناس ذهبت عقولهم وخارت قواهم وعميت أبصارهم حتى صاروا يرون الصفعة صفقة؟!

 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 13 مايو 2017 - 09:43 بتوقيت مكة
المزيد