القصائد العربية في دواوين شعراء الفارسية

الإثنين 27 مارس 2017 - 09:22 بتوقيت مكة
القصائد العربية في دواوين شعراء الفارسية

لقي الأدب العربي بشكل عام والشعر العربي بشكل خاص، قسطاً وافراً من إهتمام الشعراء الإيرانيين، ولاعجب لأن اللغة العربية تعتبر شقيقة اللغة الفارسية، والإيرانيون بعد أن اعتنقوا الإسلام بذلوا جهودهم الوافرة لأجل اعتلاء اللغة العربية ، فهناك الكثير من الإيرانيين أصبحوا أئمة في اللغة والدين والأدب...

 كان الشعر العربي موضع اهتمام الشعراء الإيرانيين منذ أوائل دخول الإسلام الى بلاد فارس ، بحيث ترعرع في هذه البلاد شعراء، أنشدوا الشعر العربي.بالإضافة إلى بعض الشعراء الذين أنشدوا العربية والفارسية معا.كما أن هناك شعراء لم ينشدوا الشعر العربي، ولكن تأثروا في مضامينهم بالأشعار العربية.وهكذا بإمكاننا أن نقسّم الشعراء الإيرانيين المهتمين بالعربية إلى ثلاث فئات:

الشعراء الإيرانيون الذين لم ينشدوا إلا باللغة بالعربية.

الشعراء الإيرانيون الذين أنشدوا باللغتين العربية والفارسية.

الشعراء الإيرانيون الذين أنشدوا بالفارسية بتأثير من الأدب العربي.

وفي هذه الحلقة سنتطرق الى دراسة الفئة الأولى من الشعراء الإيرانيين، أي الشعراء الفرس الذين ركزوا جلّ اهتمامهم على اللغة العربية، وأنشدوا باللغة العربية فقط ، فنشير إلى كلّ من زياد الأعجم وبشار بن برد ومهيار الديلمى .

زياد بن سليمان الأعجم، أبو أمامة العبديّ، هو مولى بني عبد القيس ، من شعراء العصر الأموي ولد ونشأ في أصفهان، وانتقل إلى خراسان، فسكنها وطال عمره، ومات فيها .

يعتبر زياد الأعجم شاعراً إيرانياً أنشد باللغة العربية واسمه أيضا ينبئ عن فارسيته، إذ لقب بالأعجم وذلك لأنه بالرغم من معرفته الجيدة للغة العربية لم يكن يتمكن من نطق الحروف العربية.

يفرد أبوالفرج الإصفهاني في كتابه الأغاني مبحثاً خاصا لهذا الشاعر الفارسي، ويطيل في ذكر أخباره ونسبه وربما يعود السبب إلى أنهما كانا ينتميان إلى مدينة إصفهان، يقول الإصفهاني عن زياد الأعجم ونسبه أنه: « كان ينزل مدينة (  إصطخر ) في بلاد فارس ، فغلبت العجمة على لسانه فقيل له الأعجم،  وهكذا يشير صاحب الأغاني إلى شاعرية الشاعر وجزالة ألفاظه ونقاء معانيه، ويفند رأي من لا ينسب بعض أشعاره إليه.

 كان زياد الأعجم جزل الشعر، فصيح الألفاظ،  ومن شعره :

وكائن ترى من صامت لك معجبٍ     زيادته أو نقصه في التكلم

    لسان الفتى نصف ونصف فؤاده    فلم تبق إلا صورة اللحم والدم

 وله أبيات يرثي بها المغيرة بن المُهلب بقوله:

    قُلْ للقَوافل والغَزِيِّ إذا غَزَوْا      والباكرين وللمُجِدِّ الرائح

    إنّ المروءةَ والسّماحةَ ضُمِّنا      قبراً بمَرْوَ على الطَّريق الواضحِ

    فإذا مررْتَ بقبرِهِ فاعقِرْ بهِ    كُومَ الهِجانِ وكلَّ طِرْفٍ سابح

    وانضحْ جوانب قبرِه بدِمائها    فلقد يكون أخادمٍ وذبائح

    يا مَن بمهوَى الشَّمس من حيٍّ إلى    ما بين مَطلع قَرْنها المتنازِح

    ماتَ المغيرةُ بعد طولِ تعرُّضٍ     للموتِ بين أسنّةٍ وصفائح

    والقتلُ ليس إلى القتال ولا أرى    حَيَّاً يؤخَّر للشَّفيق الناصح

كان زياد الأعجم شاعرا يميل إلى الهجو وكان شعره الهجائي جيداً، وحديث هجائه الفرزدق معروف في الأدب العربي حيث «لقي الفرزدق زياداً الأعجم، فقال له الفرزدق: لقد هممت أن أهجو عبد القيس وأصف من فسوهم شيئاً، قال له زياد: كما أنت حتى أسمعك شيئاً، ثم قال: قل إن شئت أو أمسك، قال: هات، قال:

    وما تَرَكَ الهاجون لي إن هجوْتُه      مَصَحّاً أراه في أديمِ الفرزدقِ

    فإنّا وما تُهدِي لنا إنْ هجوْتَنَالك   البحر مَهما يُلْقَ في البحر يَغرقِ

كان زياد الاعجم خطيبا قديرا وكاتبا داهيا وشاعرا مجيدا واكثر شعره الهجاء .

تتوزع أشعار زياد الأعجم على فنون أهمها الهجاء ثم المدح والحكمة والرثاء ولكن أكثرها في الهجاء كما نرى ذلك عند الفرزدق وجرير ولعل سبب هجائه انه كان معاصرا لهذين الشاعرين الكبيرين

 كانت وفاته في حدود المائة للهجرة النبوية، رحمه الله تعالى.

اما شاعرنا الاخر الذي أبدع في نظمه للشعر العربي بالرغم من انه فارسي الاصل هو الشاعر ( بشار بن برد ) ..... عاش بشار بن برد قِسْماً من حياته في ظل الدولة الأموية،  حيث عاشَ في عائلةٍ فقيرةٍ ، وُصِفَ بشار بن برد بحضوره الشعري، وقوة حاضرةِ بديهتهِ وجرأتهِ، وخصوصاً في هجاءه لغيره، حتى وان كانوا حكاماً وسلاطيناً .

وُلدَ بشار بن برد بن يرجوخ، والملقب بـ "أبي معاذ "، في البصرةِ ضريراً أواخر القرن الهجري الأول، لأبٍ وأمٍ مملوكين لبني عقيلٍ الذين عُرفوا بالفصاحة والبلاغة  ، وبشار بن برد هو من أصل فارسي، كان من أشعر أهل عصره، حيث سُمِعَ عنه ما يقارب 13000 بيتاً من الشعر  ، عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية.

ولد بشار أعمى وفي ذلك يقول:

عَميتُ جنيناً والذكاءُ من العَمَى            فجئتُ عجيبَ الظنَ للعلم موئلا

نَسَبَهُ يعود لعائلةٍ حاكمةٍ من الفُرْس، فهو من سلالة مالكة وإن كان مملوكاً ولذلك كان بشار يفتخر بنسبه في أكثر من موضع من ديوانه كما في قوله :

أنا ابن ملوك الأعجمين تقطعت                     عليّ ولي في العامرين عماد

وأصله من فارس من أقليم خراسان كما يفتخر بذلك في قوله :

وإني لمن قوم خراسان دارهم                  كرام وفرعي فيهم ناضر بسق

 كان أبوه مولى لبني عقيل بن كعب من بني عامر يعمل طياناً، وقع أبوه يرجوخ في سبي المهلب بن أبي صفرة  . وولد برد في الرق ونشأ رقيقاً ، وقد كتب بشار يلخص أصله ونشأته:

نمت في الكرام بني عامر                       فروعي وأصلي قريش العجم

لَعِبَتْ حياةُ الشاعرِ بشار بن برد دوراً هاماً في توجهاته الشعرية، حيث ظهر الهِجَاءُ جلياً في شعره، ويُقْصَدُ بالهجاءِ ذِكْرَ الصفاتِ الشخصيةِ الذميمة وتفصيلها والإشارة إليها شعراً، حيث برع الشاعر في هذا المجال، فقد كان يستخدمه الشاعر كسلاح ذو حدين، ليستفيد منه، إما كتصفية حسابات شخصية مع بعض الأشخاص، أو لينال به مالا أو مصلحة خاصةً به، وذلك بالتهديد والتخويف من الوقوع في هجائه . برعَ الشاعرُ بالتصوير الفني، لِيِعُوِضَ النقصَ الذي عاناه جراء فُقدان بصره , فله أبيات شعرية بالوصف، يعجز عنها المبصرون .

برع الشاعر الفارسي ( بشار بن برد )  بأبيات الغزل الشعري ، والوصف الدقيق للحوادث بتفاصيلها المرئية، فقد كانت بصيرته وخبرته أقوى من بصره .

  منها قوله :

ياقوم أذني لبعض الحيّ عاشقة ٌ               والأذن تعشق قبـــــــــلَ العين أحياناً

قالوا بمن لاترى تهذي فقلت لهم              الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

 كما ظهرت النرجِسية واضحةً في شعره، وهي تَنُمُ عن ثقةٍ زائدةٍ بالنفس، تؤدي في كثير من أشعاره عن مبالغة في الوصف والهجاء والمدح والفخر بالنفس .

توفي بشار بن برد سنة 168 هـجرية حين بلغ التسعين من عمره  .

تأثر الشعر الفارسي الاسلامي تأثراً كبيراً بالشعر العربي واتخذه الشعراء الفرس أنموذجاً يحتذونه بأوزانه وقوافيه وخصائصه الفنية ، كما كثرت فيه الألفاظ العربية التي تعد مظهراً واضحاً من مظاهر تأثر الشعر الفارسي بالشعر العربي .

وقد أولع كثير من الشعراء الفرس بنظم أبيات أو أشطر باللغة العربية ونظم بعضهم قصائد باللغة العربية كانت غاية في الجودة والروعة  .

 

 

 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 27 مارس 2017 - 08:43 بتوقيت مكة