الكوثر - لبنان
وأكد الأمين العام لحزب الله أن حزب الله يمثل مشروعاً استراتيجياً يرتكز على رؤية واضحة في معالجة قضايا المواطنين، والتفاعل مع التحديات التي تواجههم، سواء كانت اجتماعية، اقتصادية، تربوية أو متصلة بالعدوان واغتصاب الأرض. وشدد على أن الحزب يتخذ مواقف واضحة في مواجهة أي تحدٍ يمس الحقوق والقضايا الأساسية.
وأكّد الشيخ قاسم أن المقاومة بالنسبة لحزب الله ليست مجرد خيار عسكري أو مكسب تكتيكي مؤقت يمكن التخلي عنه؛ بل هي منهج حياة متكامل لا ينفصل عن جوهر الحركة، قائلاً: “نحن لا نتعب، ومسيرة الحزب قوية وصلبة، ولا يمكن أن نذهب إلى الاستسلام لمجرد الشعور بالإرهاق، بل نستمر في الدفاع والصمود”.
اقرأ ايضاً
وأشار إلى أن جميع أبناء حزب الله يحملون روح الاستشهاد، من المقاتلين على الخطوط الأمامية وصولاً إلى العائلات التي قدمت الكثير من التضحيات. وقال: “صفة الاستشهادي تخص كل فرد من أفراد الحزب، وهي تعني اقتحام الصعاب وتقديم كل غالٍ من أجل تحقيق الهدف مهما كان الطريق صعباً.”
وأكد الشيخ قاسم أنه مطمئن في قيادة حزب الله ويتخذ القرارات ضمن إطار مؤسساتي جامع، حيث يتشارك القيادة مع الشورى والمجاهدين والشعب، مضيفاً: “لست وحيداً، فالحزب يضم شبكة قيادية جماعية متكاملة على كافة المستويات، وهذا سر صلابته ونجاحه.”
وأشار الشيخ قاسم إلى رفضه مغادرة لبنان أو الذهاب إلى إيران خلال الحرب الأخيرة، لأسباب أخلاقية وميدانية، إذ اعتبر أن قيادة المعركة تفرض عليه البقاء بين رفاقه في الميدان، وأن القيادة لا تستقيم إلا عندما يكون القائد حاضراً في ساحة المواجهة، جنباً إلى جنب مع المجاهدين والأهالي.
إدارة المقاومة جماعية… معركة “أولي البأس” أثبتت فاعلية القرار الداخلي
وأكد الأمين العام لحزب الله، أن إدارة معركة “أولي البأس” جرت بقيادة جماعية تضم الأمين العام، وقيادات الحزب، ومجلس الشورى، وبمتابعة حثيثة من المجاهدين والمجاهدات وجميع العاملين في الميدان. ولفت إلى أن السيد علي الخامنئي، قائد الثورة الإسلامية في إيران، قدّم مختلف أشكال الدعم للمقاومة، وتابع تفاصيل المعركة وحاجاتها، دون أن يكون هناك أي تدخل مباشر في قيادة الحرب نفسها، موضحاً أن القرار والعمل كانا لبنانيين بالكامل.
وأوضح الشيخ قاسم أن الروايات التي تتحدث عن قيادة خارجية إيرانية للمعركة غير صحيحة، مشدداً على أنّ كل الانجازات التي تحققت في “أولي البأس” كانت ثمرة العمل الجماعي لحزب الله ونتاج التواصل المستمر بين القيادة السياسية والعسكرية للحزب.
وتطرق إلى عملية استهداف منزل رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً أن ذلك تمّ بناءً على عمل استخباري دقيق وقرار سياسي واضح، تماماً مثل استهداف تل أبيب بصواريخ المقاومة. وأشار إلى الانضباط العالي الذي أبدته القيادة العسكرية للمقاومة خلال إدارة العمليات، وإلى أن استمرار العمليات كان ممكناً لو استمرت المواجهة.
وعن الرد على اغتيال سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله، شدد الشيخ قاسم على أن المقاومة قامت بما أمكن وما يقتضيه الواجب في ذلك الوقت، ضمن ما تملكه من قدرات وإمكانات.
وأوضح أن معركة “أولي البأس” تمثل انتقالاً نوعياً إلى مرحلة جديدة في أساليب العمل والمستوى القيادي وتفاعل الجمهور، مؤكداً أن فائض القوة الذي راكمته المقاومة منذ عام 2006 وحتى 2023 كان الركيزة الأساسية في تحقيق الردع أمام الاحتلال الإسرائيلي.
وكشف الشيخ قاسم أن التكتيك اليوم اختلف، وأن أدوات الصراع وأساليب العرض تطورت، مع حفاظ المقاومة على فائض القوة القادر على مواجهة التحديات، مشدداً على أن قرار الإسناد خلال المعركة كان موفقاً، ولو أعيدت الظروف لاتُّخذ نفس القرار مجدداً.
المجاهدون قدموا نموذجاً أسطورياً واستمرارية
وأكد الشيخ نعيم قاسم، أنّ المجاهدين الذين تصدوا للعدوان وكانوا على الخطوط الأمامية هم أكثر من استشهاديين؛ فقد قاتلوا حتى آخر رمق وقدّموا مثالاً غير مسبوق في التضحية والثبات. وأشار إلى أن مئات المقاومين الأسطوريين تمكنوا من إيقاف تقدم أكثر من 75 ألف جندي إسرائيلي، مبيناً أن شهادة السيد حسن نصر الله منحت المجاهدين زخماً إضافياً عزز من صمودهم الأسطوري ورسّخ روح الفداء والإقدام في صفوفهم.
وأوضح الشيخ قاسم أن المجاهدين رسموا معركة “أولي البأس” التي ستظل نموذجاً متجدداً إلى يوم القيامة، حيث كان لوجودهم وصمودهم الدور الحاسم في منع الاحتلال الإسرائيلي من الوصول إلى نهر الليطاني أو التوغل نحو بيروت وتحقيق أهدافه العسكرية في لبنان.
وأضاف أن قوة “الرضوان” تشكّل جزءاً لا يتجزأ من قوة المقاومة وقد واجهت ذات الخسائر والتضحيات، لكنها تواصل أداء دورها الحيوي ضمن منظومة الصمود والمقاومة الشاملة.
وفي معرض حديثه عن معاني التعافي، شدد الشيخ قاسم على أن الحشود المليونية التي ظهرت في تشييع القادة الشهداء والكشافة التي تربي الأجيال الجديدة هي صورة حية لإرادة الجمهور وصناعة مستقبل المقاومة في لبنان، مؤكداً أن حضور المقاومة مستمر ومتكامل، والأساس في بقائها هو الإيمان والإرادة، أما باقي العناصر التنظيمية فهي مكملات تعزز هذا الطريق.
وفي رسالة مباشرة وجّهها الشيخ قاسم إلى المجاهدين، قال: “أنتم الذين أعطيتمونا الزخم والدفع للأمام، وأنا جزء منكم وأتمنى أن أكون بينكم جندياً على خط المواجهة وفي قلب الميدان”.
لا عزّة للمنطقة إلا بالمقاومة
كما شدد الشيخ نعيم قاسم، على أن الشعب هو الرقم واحد في معركة المقاومة، وقيمته تفوق قيمة القادة والمقاومين أنفسهم، مشيراً إلى أن أبناء المجتمع المقاوم لا يُقدّرون بثمن، فهم من يجعلون المسيرة أكثر قوة وصلابة. وقال موجهاً كلامه للناس: “بكم تصبح المسيرة أقوى، وأنتم جزء لا يتجزأ من المقاومة ومن انتصاراتها”.
وأكد الشيخ قاسم على أن حزب الله لا يُبادر إلى الحرب، بل يتخذ موقف الدفاع المشروع في مواجهة عدو يسعى إلى إبادة الشعب واحتلال الأرض، موضحاً أنه إذا لم يتم التصدي للكيان الإسرائيلي، فإنه سيواصل التوسع والسيطرة وقد يقضي على مستقبل الأجيال القادمة. وأضاف: “لسنا من يقود شعبنا نحو خيارات سيئة، بل نحو خيارات عظيمة تحفظ الكرامة وتؤسس لمستقبل أفضل”.
وأكد أيضاً أن لا عزّة في المنطقة إلا بالمقاومة، وأن خلل ميزان القوى الحالي هو مرحلة لا يمكن فصلها عن مراحل المواجهة والصمود السابقة، مشدداً على أن خيار المقاومة هو الخيار الحتمي للدفاع عن الأرض والإنسان وضمان الكرامة الوطنية للأجيال القادمة.
علاقتنا بالرئيس نبيه بري متينة والتنسيق على أعلى المستويات
أكد الأمين العام لحزب الله، أن العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري تتميز بمتانة استثنائية، موضحاً أن التنسيق بين الطرفين كان دائماً في أعلى درجاته، خاصة خلال فترة العدوان، حيث جرى التشاور المستمر حول تطورات الميدان والمواقف المقاومة.
وأشار الشيخ قاسم إلى أن الحزب يضع الرئيس بري بشكل دائم في صورة التطورات كافة المرتبطة بالعمل المقاوم، فيما يقوم الرئيس بري بمتابعة القضايا والتنسيق من جانبه بلا انقطاع، ما عزز التكامل والتفاهم في أصعب الظروف.
ولفت إلى أنه بعد مرور سنة على الاتفاق الأخير، لا يزال التنسيق بين الحزب والرئيس بري في أوج قوته، الأمر الذي وصفه بأنه “محل حسد من الآخرين”، مشدداً على توافق وجهات النظر، والتقاطعات في الحرص على الطائفة والوطن والمقاومة، مضيفاً: “قواعدنا واحدة ونحن نحمل نفس المبادئ العامة، وهذا يفرض علينا مواصلة العمل المشترك بروح واحدة من أجل حماية لبنان ومصالحه الوطنية”.
المقاومة قرار لا رجعة فيه
وشدّد الأمين العام لحزب الله على أن المقاومة خيار لا يمكن التخلي عنه في مواجهة العدوان، مهما بلغ مستوى التعافي أو قوة الإمكانات. وقال: “نحن نقول أمام العالم كله إننا سنبقى مقاومة حتى لو لم يتبقَ لنا سوى الأظافر أو عصا، ولن نتوقف”. وأكد أن حزب الله جاهز للدفاع، لا للمبادرة بمعركة أو شنّ هجوم، مضيفاً: “لا قرار لدينا ببدء قتال، ولكن إذا فرضت علينا معركة فلن ندع الكيان الإسرائيلي يمر وسنقاتله حتى الرمق الأخير، وهذا قرار راسخ مهما كانت الظروف”.
وأوضح الشيخ قاسم أن الحزب في موقع الدفاع ولن يتخلى عن هذا الدور، وسيستمر في المقاومة مهما كان مستوى القدرات المتاحة، مشدداً: “من يمتلك الإرادة ويتوكل على الله لا تنقطع به السبل وسيجد دائماً طريق الاستمرارية”.
وأشار إلى أن من يعتدي ويقود لبنان للخيارات الصعبة هم إسرائيل وأمريكا، مضيفاً: “لسنا من افتعل الأزمة أو دفع نحو الخيارات الخطيرة، بل هم من يعتدون ويحرضون، وقد ارتضينا في حزب الله أن نلتزم بما هو أنبل وأشرف موقف حين وافقنا على الاتفاق مع الدولة اللبنانية وتزمنا به عشرة أشهر دون أي ضربة، رغبة في إراحة البلد ومنع الذرائع، لكن العدو بقي بدون أن يتوقف”.
وأكد الشيخ قاسم أن المقاومة في لبنان هي مقاومة وطنية لجميع اللبنانيين، داعياً الجميع للخروج من منطق التقسيم. كما اكد على استمرار التحقيقات في القضايا المختلفة، وأن الحزب سيعلن تفاصيلها أمام الناس حين تنتهي، مشدداً على أن العمل سيستمر بغضّ النظر عن التحديات، متمنياً أن تتوسع الإمكانات وتنفتح السبل أمام المقاومة الوطنية.
الردع يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها
وأكد الشيخ نعيم قاسم، أن استمرار الأميركي والإسرائيلي في التصعيد، يهدف إلى الضغط السياسي لأخذ مكاسب لم تتحقق بالحرب. وأوضح أن القدرات الردعية المتوفرة اليوم قد لا تمنع اندلاع الحرب، لكنها تحول دون تحقيق إسرائيل لأهدافها المرجوة مهما بلغ حجم المواجهة: “إذا فكرت إسرائيل بشن حرب كبيرة أو ضخمة فلن تحقق شيئًا، وليعلموا ذلك مسبقًا”.
وأضاف الشيخ قاسم أن احتمال اندلاع الحرب موجود ولكنه غير مؤكد، ويتوقف على حسابات وموازين القوى في الميدان، ناصحًا قادة الاحتلال بضرورة الالتزام بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، مؤكداً أن تطبيق الاتفاق يصب في صالح جميع الأطراف. وقال: “إن لم تطبقوا الاتفاق فلن تحصلوا على نتيجة، ونحن سنبقى على جهوزية لمقاومة أي عدوان محتمل”.
وشدد على أن البيئة الشعبية المقاومة تدرك أن الثبات والصمود هو السبيل نحو مستقبل أفضل للأجيال القادمة، مستشهداً بمعركة “أولي البأس” التي فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه خلالها، مؤكداً أن أي إنجاز جديد له مستحيل بعد هذا الاتفاق.
وفي سياق حديثه عن غزة، نوه الشيخ قاسم إلى أن "إسرائيل" لم تحقق أهدافها واضطرت بعد عامين إلى التراجع، مجددًا التأكيد أن الكيان الإسرائيلي غير قادر على تحقيق أهدافه في لبنان: “عليها أن تكتفي بما حصل وإلا فنحن جاهزون للدفاع”.
وأوضح الشيخ قاسم أن حزب الله سلَّم الأمانة للدولة اللبنانية بعد الاتفاق، وأصبحت الدولة اليوم مسؤولة عن الدفاع وبسط السيادة الوطنية ومنع العدوان. وأكد التزام الحزب بتطبيق الاتفاق، قائلاً: “لو قمنا بالردّ الآن سيُصوّر الأمر كخرق للاتفاق وسنعطي إسرائيل ذريعة”.
ودعا الدولة اللبنانية للقيام بواجباتها الوطنية، قائلاً: “مرّ عشرة أشهر من الاتفاق ولم تتحرك الدولة، يجب أن تضغط وتصرخ وتتحمل مسؤوليتها، فهذه تجربة علنية أمام الجميع”. وأكد أن التزام الحزب باتفاقاته يعكس جدوى الاتفاقية، مشدداً أن على الجميع استخلاص الدروس من هذا النموذج من الالتزام، ولا يستبعد قاسم تغير الظروف وأن تبحث الدولة اللبنانية يوماً ما في صيغة تفاهم جديدة مع المقاومة حول آليات الرد على الكيان الصهيوني.