الكوثر - ايران
الدراسة والأسفار
درس سعدي في المدرسة النظامية ببغداد، إحدى أهم مراكز العلم في عصره، حيث تعمّق في الفقه، والأدب، والتصوف، والفلسفة. ثم بدأ رحلات طويلة استمرت لثلاثين عامًا تقريبًا، جال خلالها بلادًا كثيرة مثل الحجاز، والشام، وآسيا الصغرى، والهند، ما أتاح له الاطلاع على ثقافات متعددة وتجارب إنسانية غنية.
العودة إلى شيراز وكتابة أعظم أعماله
بعد أسفاره الطويلة، عاد سعدي إلى شيراز، وهناك كتب أشهر مؤلفاته:
بوستان (حديقة الورد) – 1257 :
ديوان شعري نُظم بالكامل في بحر واحد (المتقارب)، يتناول فيه مواضيع أخلاقية وروحية مثل العدل، الإحسان، الزهد، الشجاعة، والتواضع. يبدأ الكتاب بمدح الله والنبي محمد ﷺ، ثم يتفرع إلى عشرة أبواب لكل منها موضوع أخلاقي معين.
جلستان (البستان) – 1258 :
مزيج من النثر المسجوع والشعر، يحتوي على قصص قصيرة، أمثال، وحكم، بأسلوب بسيط لكنه عميق. يُعدّ هذا الكتاب من روائع الأدب الفارسي والعالمي لما يحمله من عبر إنسانية خالدة. جمع فيه بين التجربة الحياتية، والتأمل الفلسفي، والسخرية الهادفة.
اقرأ ايضاً
فلسفة سعدي وأسلوبه
امتاز سعدي بأسلوبه الموجز، العميق، والسلس في آنٍ واحد. يجمع بين الحس الأدبي الرفيع والبصيرة الأخلاقية. لم يكن مجرد شاعر، بل كان معلّمًا للنفوس، يُرشد القارئ إلى مكارم الأخلاق دون وعظ مباشر. ركّز على الرحمة، والحكمة، والعدالة، وكان يرى الإنسان كائنًا واحدًا مهما اختلفت جنسيته أو دينه.
أشهر أقواله:
"بنی آدم اعضای یکدیگرند
که در آفرينش ز یک گوهرند
چو عضوى به درد آورد روزگار
دگر عضوها را نماند قرار"
وترجمتها:
"بنو آدم أعضاء جسدٍ واحد
خلقوا من نفسٍ ومن جوهرٍ واحد
إذا أصاب الدهر عضواً بأذى
تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى"
تأثيره العالمي
أعمال سعدي تُدرّس حتى اليوم في المدارس الإيرانية، وقد تُرجمت إلى عشرات اللغات. اقتبس منه كتّاب غربيون كبار مثل غوته، وأشاد به مفكرون كبار بوصفه ضمير الإنسانية. وفي مقر الأمم المتحدة بنيويورك، نُقش بيته الشهير عن "بني آدم" على إحدى اللوحات تكريماً لرسالته العالمية.