إرث معماري شاهد على عراقة التأريخ الإيراني

الجمعة 8 نوفمبر 2024 - 09:57 بتوقيت مكة
إرث معماري شاهد على عراقة التأريخ الإيراني

أرك بم، كأنها أسطورة نبتت من أعماق الصحراء، تنهض من رمال لوت حاملةً بين حجارتها الطينية قصص الأبطال وحكايات الزمن، صرحٌ لم يرهبه الزمان ولا كسرت هيبته عواصف الحروب ولا النسيان.

الكوثر - ايران

هنا، حيث يصطدم الريح بالجدران العالية، تهمس الأحجار بحكايا عمرها قرون؛ قصصٌ غابرة سكنت شقوق الجدران، وأصوات حكماء سكنت أروقة الحصن، تنبض بمعانٍ أعمق من مجرد طين وتراب.

يقع أرك بم، أحد أعظم الصروح التاريخية الإيرانية، في قلب مدينة بم بمحافظة كرمان، جنوب شرقي إيران، ويمتد في عمق صحراء لوت. قبل أن يتعرض للدمار خلال زلزال 2003، كان يُعتبر أكبر مجمع طيني في العالم، وشهد على تاريخ طويل من التحولات الثقافية والهندسية التي جعلته صرحًا يتفرد بجماله وروعته.

تاريخ أرك بم ووظائفه الدفاعية

تأسس أرك بم كحصن قوي وملاذ آمن، ليكون مقرًا للحكام ومركزًا للتحصينات الدفاعية، وصُمم ليحمي السكان من الأخطار والهجمات. بُني الهيكل على تلة مرتفعة، محاطًا بأبراج المراقبة والجدران السميكة، مما جعل الاقتراب منه أمرًا شديد الصعوبة على الأعداء، وساهم في ترسيخ صموده لعقود من الزمن.

العبقرية المعمارية والتصميم الدفاعي الفريد

يتميز أرك بم بخصائص معمارية استثنائية تعكس عبقرية الحضارات الإيرانية القديمة؛ إذ يمتد على مساحة تقارب 180,000 متر مربع، ويجمع بين المعمار الطيني الفريد ونظام التهوية والملاقف الهوائية المبتكر الذي كان يهدف إلى مواجهة الحرارة الشديدة. تميزت الأبراج ذات الأشكال الهندسية بفتحات ذوزنقية سمحت بالحراسة من جميع الاتجاهات دون تعريض الحراس للخطر، كما أحاط بخندقه الدفاعي المائي ليزيد من قوة تحصينه.

الأجزاء المعمارية: القسم الحكومي والقسم السكني

أرك بم مقسم إلى قسمين رئيسيين:

القسم العلوي (الحكومي): يضم هذا القسم الأماكن المخصصة للحاكم، مثل القلعة العسكرية والثكنات وبيت الحاكم، إلى جانب أبراج مراقبة ومناطق تحصين ذات بنية متينة.

القسم السفلي (السكني): يحتوي هذا القسم على الأحياء السكنية والمساجد والأسواق، وكان بمثابة موطن للمواطنين ومساحة للأنشطة الاجتماعية والتعليمية والتجارية.

إقرأ أيضاً

 

النظام الهندسي للتهوية وتبريد الهواء

استطاع المهندسون القدماء في أرك بم استخدام تقنيات ذكية لتكييف الهواء، حيث استغلوا قوة الرياح عبر ملاقف تهوية تحرك الهواء البارد عبر المباني، بينما تمرّ عبر قنوات مائية تبردها، ما جعلها ملاذًا مريحًا من درجات الحرارة المرتفعة، وهو أسلوب سابق لعصره.

الزلزال وإعادة البناء

تعرض أرك بم لدمار واسع النطاق إثر زلزال عنيف ضرب مدينة بم في عام 2003، دمر حوالي 80% من البنية، مسببًا خسائر بشرية كبيرة. ومع ذلك، أطلقت السلطات مشروعات ضخمة لإعادة ترميمه، مستعينة بخبرات هندسية وأثرية، للحفاظ على إرث ثقافي يحكي تاريخ الأجيال.

أهمية أرك بم في التراث العالمي

تم إدراج أرك بم ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ويُعتبر اليوم شاهدًا حيًا على عبقرية العمارة الإيرانية وقدرتها على تحدي الزمن، إذ يقف هذا الصرح شامخًا، يمثل رمزًا للقوة والصمود وجمال التاريخ المعماري.

ختامًا، يظل أرك بم ليس مجرد حصن من الطين، بل هو لوحة معمارية تنبض بالتاريخ والثقافة، وتحمل في طياتها قصة حضارة أصيلة تتجدد عبر الأجيال، وتذكر العالم بروعة إبداع الإنسانية في بناء صروحها.

مزيد من الصور

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 8 نوفمبر 2024 - 09:50 بتوقيت مكة
المزيد