طهران أم واشنطن؟ من منهما بحاجة الى إحياء الاتفاق النووي؟

الأربعاء 3 فبراير 2021 - 09:46 بتوقيت مكة
طهران أم واشنطن؟ من منهما بحاجة الى إحياء الاتفاق النووي؟

مقالات-الكوثر: بعد مجيء جو بايدن الى السلطة في البيت الابيض، اطلق المسؤولون الاميركان تصريحات بأن مستعدين للعودة الى الاتفاق النووي مشترطين ان على ايران العودة الى التزاماتها بالاتفاق، ومن جانبها طهران ايضا اشترطت ان تنفذ واشنطن التزاماتها لكي تعود الى الاتفاق النووي، والسؤال هنا من منهما بحاجة اكثر الى احياء الاتفاق النووي؟

تحاول إدارة بايدن دفع ايران الى التنازل عن الفرص والامكانات النووية، في حين ان الاولى لا تملك من الناحية العملية اي أداة حقيقية لإجبار ايران على التنازل، أما في المقابل فإن طهران مستعدة لتحقيق طفرة كبرى في برنامجها النووي الامر الذي اثار مخاوف واشنطن.
لقد حملت هزيمة ترامب الذي كان يعزو السبب فيها الى جائحة كورونا التي ضربت بشكل مزدوج الاقتصاد الاميركي وشعبية ترامب، حملت هذه الهزيمة رسالة هامة تمثلت بهزيمة الضغط الاقصى على ايران، ومحاولة اقناعها بمفاوضات جديدة لتعديل الاتفاق النووي وصولا الى الشروط الاثني عشر التي وضعها وزير الخارجية الاميركي السابق، مايك بومبيو.
وفي الوقت الحاضر وبغض النظر عن اسباب خروج أميركا من الاتفاق النووي، فإن الحديث يدور الآن عن عودة أميركا الى الاتفاق، الحدث الذي يبدو ان كلا من طهران وواشنطن يعتبر الكرة الآن في ملعب الطرف الآخر ليبدأ بتنفيذ التزاماته.
فقد طالب وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن ايران باستئناف تنفيذ التزاماتها ضمن الاتفاق النووي، في حين ان طهران تتوقع ان يصدر بايدن بعض الاوامر التنفيذية لإعادة الظروف الا عام 2016 اي الى ما قبل تولي ترامب السلطة.
ولعل السؤال الأساسي هنا هو: من منهما اكثر رغبة لإحياء الاتفاق النووي؟
للإجابة على هذا السؤال، لابد من معرفة الفلسفة الاساسية للاتفاق النووي. والتي تمثلت في الحقيقة التغطية على الضعف الاستراتيجي الاميركي في مواجهة صعود المارد الصيني في الشرق والذي من شأنه ان يهدد الهيمنة الاميركية. فكانت أميركا بحاجة الى حلحلة سريعة للأزمات في منطقة الشرق الاوسط، لتتفرغ للصين. ففي بداية عام 2011 سحبت ادارة اوباما قرابة 50 الفا من قواتها، وبعد ذلك سعت لإجراء محادثات سرية مع طهران بوساطة سلطان عمان، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة. وقد أدت هذه المحادثات الى تفاهم بالشأن النووي في عام 2015 وبالتالي الى الاتفاق النووي وتعليق الحظر وفي المقابل قبول ايران بتنفيذ بعض القيود في برنامجها النووي.
ورغم ان ايران لم تكن راضية كثيرا لنتائج الاتفاق، ولكنه كان من شأنه ان يوفر فرصة للادارة المحتملة لهيلاري كلينتون لتركز اكثر على الصين، ولكن مجيء ترامب غير كل شيء.
كان ترامب وخلافا لادارة اوباما، يركز على الاولويات التجارية بدلا من القضايا الاستراتيجية، ولذلك كان ترامب يرغب بشدة في إحياء قطاع الطاقة الاحفورية باعتباره قطاعا استراتيجيا ويحظى بعدد كبير من الناخبين في الولايات ذات الاغلبية الجمهورية. لذلك عمل ترامب على زيادة الطاقة الانتاجية للنفط والغاز في اميركا بواقع 4 ملايين برميل، في مقابل دفع بعض الدول الى خفض الانتاج بما فيها ايران وفنزويلا وليبيا.
وبعد فترة قصيرة من توليه السلطة، انسحب ترامب من الاتفاق النووي وأعاد فرض الحظر على ايران في عدة مراحل من 2017 الى 2019، وأضاف مئات الاشخاص الحقيقيين والمعنويين الى قائمة الحظر. ولكن رغم الضغط الاقصى تمكنت ايران من المقاومة ولم تنهار خلافا للتحليل الشخصي لترامب، بل دخلت مرحلة جديدة من التحدي المباشر وصولا الى اشتباك من النوع الثقيل مع اميركا الذي تمثلت ذروته في استهداف قاعدة عين الاسد الاميركية بالصواريخ الايرانية في عام 2020.
وفضلا عن ذلك، وبعد ان التزمت ايران بالصبر لفترة عام واحد بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، بدأت بتقليص التزاماتها النووية في عدة خطوات، وكانت البداية برفع مخزونها الاحتياطي من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 بالمائة، وكذلك تطوير صناعة أجهزة الطرد المركزي وصولا الى الاجيال الحديثة الاكثر سرعة وانتاجية.
وكانت ذروة هذه الخطوات، رفع نسبة تخصيب اليورانيوم الى 20 بالمائة في منشأة فوردو، الامر الذي مثل طفرة قوية في نوعية البرنامج النووي الايراني. بعد ان صادق البرلمان الايراني على المبادرة الاستراتيجية لإنهاء الحظر.

* الحظر الذي لم يعد قادرا على الإضرار الجاد بإيران
والآن وفيما تبدأ ادارة بايدن عملها، فإن لدى ايران على الاقل اليد العليا في الموضوع النووي مقارنة بعهد ترامب، ولكن يبدو ان ادارة بايدن لا يمكنها غض الطرف بسهولة عن الحظر القاسي الذي فرضه ترامب على ايران.
ويبدو ان تصريحات بلينكن وسائر المسؤولين الاميركان من ان على ايران ان تستأنف تنفيذ التزاماتها النووية قبل عودة اميركا الى الاتفاق النووي، تشير الى ان ادارة بايدن بصدد جر ايران الى لعبة تفاوضية يكون مآلها اضطرار ايران الى قبول المفاوضات حول برنامجها الصاروخي ونفوذها الاقليمي. وقد يبدو هذا الفرض صحيحا في النظرة الاولى، ولكن في الطرف المقابل اصبح الموقف الاستراتيجي الايراني بشكل قد لا تستطيع واشنطن معه تحمل ردود فعل طهران.

* المجال الاقتصادي
ففي المجال الاقتصادي تمكنت ايران الى حد كبير من التغلب على الظروف المغلقة وغير المرنة خلال الاشهر الاخيرة. إذ تشير الاحصاءات المنتشرة الى زيادة صادرات النفط الايراني منذ تشرين الاول/اكتوبر الماضي الى كانون الثاني/يناير وصولا الى مليون برميل يوميا وهو غير مسبوق خلال السنوات الماضية. ما يعني ان موضوع تصفير صادرات ايران النفطية قد اصبح في خبر كان. كما ان هناك امكانية لزيادة حجم الصادرات وصولا الى 1.5 مليون برميل ومع صعود اسعار النفط ستكون طهران قد تحررت بالفعل من الامتيازات المؤقتة التي يلوح بها الاميركان مقابل وقف البرنامج النووي الايراني.

* المجال السياسي
وأما في المجال السياسي، فهناك ايضا اجماع داخلي لمواجهة الاطماع الاميركية؛ هذا الاجماع الذي يعتبر تركة تطرف ترامب ضد ايران، الامر الذي يساعدها في إدارة افضل لملفها النووي.

* المجال العسكري
وفي المجال العسكري، فقد أظهرت المناورات العديدة التي نفذتها ايران، مدى القدرات العسكرية المتطورة التي حققتها ايران بجهود خبرائها ومتخصصيها المحليين، وبذلك قلصت من احتمال الخيار العسكري ضدها؛ وبالطبع فإن الظروف العامة التي تعيشها أميركا لن تسمح لها مطلقا باعتماد هكذا خيارات على صعيد السياسة الخارجية.

* ايران تستعد لقفزات نووية كبرى
وفي الشأن النووي، فإن قادرة على مواصلة تقدمها؛ فوفقها للخطة الاستراتيجية التي صادق عليها مجلس الشورى الاسلامي، فإن هناك في الافق خطوات كبرى في المجال النووي. ومن بينها ان ايران تنصب حاليا ألف عدد من أجهزة الطرد المركزي في مجمع نطنز النووي، ويعني تشغيلها زيادة طاقة تخصيب اليورانيوم الى الضعف في ايران، حيث تم حتى الآن نصب نصف هذا العدد وتم اختبارها بنجاح.
ومن جهة اخرى، فإن هناك احتمال بأن توقف ايران التنفيذ الطوعي للبروتوكول الاضافي في غضون ثلاثة اسابيع او اقل، ونظرا الى ان جانبا هاما من معلومات الدول الغربية عن البرنامج النووي الايراني يعتمد على تنفيذ هذا البروتوكول، فسيترك ذلك اثرا عميقا جدا على الاطراف الغربية وخاصة الاميركان. وهنا فإن ايران تعد نفسها لزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم؛ وهو الاحتمال الذي تحدث عنه المسؤولون الايرانيين بصراحة مؤكدين انه لتلبية الاحتياجات الداخلية.
وبالتالي ليس معلوما الى اي مدى تريد ايران المضي في قدرات تخصيب اليورانيوم، ولكن الحقيقة هي ان اميركا لا تملك في الوقت الحاضر أداة مؤثرة لوقف ايران، لأن ترامب استنفد تقريبا كل ترسانة الحظر الاميركية ضد ايران.

* طهران لا تكترث بتصريحات المسؤولين الاميركان
من خلال التأمل في ما ذكرناه آنفا، فإن ايران ونظرا لظروفها الداخلية الراهنة ليست بحاجة الى إحياء سريع للاتفاق النووي. فالوضع الاقتصادي تم تثبيته الى حد ما، فضلا عن تأهب ايران لتحقيق قفزة في قدراتها النووية وهو ما يقلق الاميركان بشدة.
ان ايران ليست على عجلة لعودة أميركا الى الاتفاق النووي وما يهمها هو رفع الحظر، وفي هذا المسار فإنها لا تكترث بتصريحات المسؤولين الاميركان، بل إنها تنظر الى خطواتهم العملية.
 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 3 فبراير 2021 - 08:49 بتوقيت مكة