الكاتب والأديب المسيحي...الأستاذ سليمان كتاني...لماذا تحب عليا؟

الخميس 23 أغسطس 2018 - 09:24 بتوقيت مكة
الكاتب والأديب المسيحي...الأستاذ سليمان كتاني...لماذا تحب عليا؟

فإذا السيف في كفه وامض بكر، له حدان متساندان: حد على الترس وحد على القرطاس، في حلبة بيضاء ذات وجهين: وجه على الجهاد ووجه على السداد...

حملنا سؤال"لماذا تحب عليا؟" إلى الكاتب والأديب المسيحي الأستاذ سليمان كتاني صاحب كتاب "الإمام علي عليه السلام نبراس ومتراس" لنرى ما في قلبه من أسرار دفعته لمحبة الإمام علي عليه السلام فقال:
أحب علياً لأنه تحفة من تحف الفكر، سبق أجياله بأجيال عديدة، وحدة فكرية ندر وجوده في حياة الإنسان، الإمام علي عليه السلام، شخصية مثلى لو يتقيَّد بها أي عصر من العصور لكان أنجح عصر من عصور الإنسان، أحب علياً لأنه علي بالمعنى المطلق للكلمة، وما وقفت على سيرة رجل وأعجبتني مثلما وقفت على سيرة الإمام علي عليه السلام فأعجبني وامتلكني من جميع قواي، علي عليه السلام وحدة زمنية إنسانية ندر وجوده في حياة الإنسان. من ذلك المعدن الطيب كفكفت شخصية الإمام مستكملة كل مقوماتها... شخصية برز العقل فيها السيد المطلق، فإذا هي منه كما هي الديمة من الغمام، تستمطره فينهمر بها انسجاماً بانسجام. وهكذا بسط عليها لواءه كما أسلمت له قيادها، فامتصته وامتصها، قوة بقوة، ولونا بلون.. حتى لكأن الهيكل المتين كحبيكة الفولاذ، ما استجمعت أوصاله إلا ليكون قاعدة جبارة لقائد جبار.. فإذا السيف في كفه وامض بكر، له حدان متساندان: حد على الترس وحد على القرطاس، في حلبة بيضاء ذات وجهين: وجه على الجهاد ووجه على السداد.. ازدواجية في البطولات، لملمها التوحيد فانساقت إلى المضمار كانسياق الجوارف تلاحمت إليها الجداول. وجداول من المواهب تلبست المزايا والصفات كما تتلبس الأفانين أوراق الربيع، وتضافرت في تساجمها وتناسقها كحبال الشمس، وحدها المصدر، وكالمصهر، تتذاوب فيه المعادن. هكذا انصهرت في هذه الشخصية مجموعة المواهب ومجموعة الصفات ومجموعة المزايا، قيمة بقيمة، ووزنا بوزن، ومقدارا بمقدار.. فإذا هي يتزاوج بعضها من بعض كما تتزاوج الألوان في لوحة رسام.. وإذا المعطيات كالفيض، تجري كأنها في سباق، وتتساند كأنها أنداد.

فالعفة والصدق ريشتان ناعمتان كان لهما من القوة لديه ما كان لهما منها في زنديه: الترس والفرند. والزهد والجود.. جناحان رهيفان أفاء عليهما من ظله، فإذا هما بعين المدى يتباعدان ثم لديه يلتقيان.. فإذا الزهد في الدنيا جود بها، وإذا الجود بالزهد اكتماله. والتقوى والإيمان شعوران صميميان ومنبعان صافيان، غارا في جنانه واندفقا على لسانه، فإذا هما به على نصب الكعبة حسام، ومن ورعه قبلة للإسلام. والحق والعدالة صفتان متلازمتان، وقلادتان فريدتان، وحجتان لامعتان.. وشم بهما وجدانه، وحلى بهما بيانه، وسن عليهما سنانه. فإذا القيم بين الحق والعدل تتلمس في معتقده تراثها. والحب والإخلاص حبلان وثيقان ودفقتان سخيتان، ترابط بهما فؤاده ولسانه.. فإذا الأرض، بجماعاتها، تنشد الدف‏ء لتمرع. والحزم والعزم نتيجتان منبثقتان من صلابتين متكاتفتين: القوة والإرادة. كان لهما من عينيه انعكاس على ساعديه وثورة في منهجيه، فإذا الدين والدنيا في ناظريه قالبان يستكملان وحدة الوجود من حديه من كل تلك المقادير. مواهب وصفات شرّبت شخصية علي بن أبي طالب، فإذا هي في وجود الإنسان دعامة تتثبت بها قيمة الإنسان.

قلةٌ أولئك الرجال الذين هم على نسج علي بن أبي طالب.. تنهد بهم الحياة، موزعين على مفارق الأجيال كالمصابيح، تمتص حشاشاتها لتفنيها هديا على مسالك العابرين. وهم، على قلتهم، كالأعمدة، تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل، وترسو على كواهلها أثقال المداميد؛ لتومض من فوق مشارفها قبب المنائر. وإنهم في كل ذلك كالرواسي، تتقبل هوج الأعاصير وزمجرة السحب لتعكسها من مصافيها على السفوح خيرات رقيقة رفيقة عذبة المدافق.
هؤلاء هم في كل آن وزمان، في دنيا الإنسان، أقطابه ورواده. إنهم في حقول البحث والتنقيب مرامي حدوده، وفي كل خط ضارب في مهمة الوجود أقاصي مجالاته. وإنهم له على كل المفارق إشارات ترد سبله عن جوامحها، وفي كل تيهٍ ضوابط تلملم عن الشطط شوارده. وهم له في دجية الليل قبلة من فجر، وفوق كلاحة الرمس لملمة من عزاء. من بين هؤلاء القلة يبرز وجه علي بن أبي طالب في هالة من رسالة وفي ظل من نبوة، فاضتا عليه انسجاما واكتمالا كما احتواهما لونا وإطاراً. وهكذا توفرت السانحة لتخلق في أكلح ليل طالت دجيته على عصر من عصور الإنسان فيه من الجهل والظلم والحيف ما يصم ويذل.. رجلا تزاخرت فيه وفرة كريمة من المواهب والمزايا، لا يمكن أن يستوعبها إنسان دون أن تقذف به إلى مصاف العباقرة.

المصدر:مجلة بقية الله
 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 23 أغسطس 2018 - 09:24 بتوقيت مكة