شخصية الحاكم وصفاته في كلام الإمام الرضا(ع)...فهل من حاكم يتعظ؟

السبت 21 يوليو 2018 - 08:04 بتوقيت مكة
شخصية الحاكم وصفاته في كلام الإمام الرضا(ع)...فهل من حاكم يتعظ؟

أردنا في هذا المقال أن نلتقط بعض اللّقطات من حياته ومن سيرته، مما يمكن أن نستوحي منه بعض الخطوط الأخلاقيَّة أو بعض الإضاءات السّلوكيَّة الّتي يمكن أن تتحوّل إلى خطٍّ عامّ في حياتنا الخاصَّة...

نعيش في هذه الايام ذكرى ولادة الإمام الثّامن من أئمّة أهل البيت(ع)، عليّ بن موسى الرّضا(ع)، ونحن بحاجةٍ إلى أن نتمثَّل هذه الرّموز المقدَّسة الّتي توحي إلينا بكلِّ ما يملأ عقولنا بالفكر، وقلوبنا بالخير، وحركتنا بالإصلاح، لأنّهم انطلقوا في خطِّ الرِّسالة، ولأنّهم الأمناء عليها وحرَّاسها في كلّ السّاحات التي يمكن أن ينحرف فيها الخطّ، أو ترتبك فيها الأمور، أو تتعقَّد فيها القضايا.

أردنا في هذا المقال أن نلتقط بعض اللّقطات من حياته ومن سيرته، مما يمكن أن نستوحي منه بعض الخطوط الأخلاقيَّة أو بعض الإضاءات السّلوكيَّة الّتي يمكن أن تتحوّل إلى خطٍّ عامّ في حياتنا الخاصَّة، لأننا نعتقد أنَّ قيمة ارتباطنا بالأئمَّة(ع)، وبالأنبياء(ع) من قبلهم، وبكلّ التّاريخ، هي أن لا نستغرق في الذّات، ولكن أن نستغرق في الرّسالة التي كانت عظمة الذّات أنها جسّدتها في كلّ فكرها، وفي كلّ عاطفتها، وفي كلّ حركتها في الواقع.

من المواضيع المهمة التي تناولها الإمام الرضا في كلامه موضوع شخصية الحاكم و كيف يجب أن يكون و ما هي الصفات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها .

فهناك قصة للإمام الرضا(ع) مع الصوفية، والتصوّف في عمقه يعطي معنًى روحياً إيجابياً، ولكنّ مشكلة بعض المتصوّفة والمتزهّدة والذين يعيشون في داخل الزّوايا الفكرية الضيقة، أنهم يحدّدون المسألة الروحية بالشكليات التي قد تخدع الناس، وقد يستغلون ذلك ليتقدموا بهذه الشكليات التي تسقط القضايا الكبرى، فالكثير من الناس يرون أنَّ الزهد هو أن تلبس لباساً بالياً، وأن لا تأكل طعاماً جيّداً، وأن تظهر بمظهر الإنسان الّذي لا يملك أيّ وضع مترف في الحياة.

إنَّ الإمام الرِّضا(ع) عندما قبل ولاية العهد، وجاء النَّاس بالتَّهنئة له، دخل عليه قوم من الصوفيَّة، وعبّروا له عن تطلّعاتهم في مستقبل أمره عندما يحكم، وكأنهم يريدون أن يضعوا له خطوط الطّريقة الّتي لا بدَّ من أن يستعملها في تحقيق حكمه. فكيف واجههم؟ قال (الآبي) في نثر الدرّ: "دخل على الرّضا بخراسان قوم من الصوفيَّة، فقالوا له: إنَّ أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاّه الله من الأمر، فرآكم أهل البيت أولى بأن تؤموا النّاس، ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى النّاس بالنّاس، فرأى أن يردَّ هذا الأمر إليك، والأمّة تحتاج إلى من يأكل الجشب، ويلبس الخشن، ويركب الحمار، ويعود المريض. قال: وكان الرّضا متّكئاً، فاستوى جالساً، ثم قال: كان يوسف(ع) نبيّاً يلبس أقبية الدّيباج المزوّرة بالذّهب، ويجلس على متّكئات آل فرعون ويحكم، إنّما يُراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق، إذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز"، أي أنّكم تنظرون إلى شخصيّة الحاكم في أن يظهر للنّاس بشكل الزهّاد، ولا تنظرون إلى عدله وصدقه وإلى إنجازه لوعده، حتى لو أكل ولبس طيِّباً ولكن من حلال، "إنّ الله لم يحرِّم لبوساً ولا مطعماً وتلا: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}(الأعراف/32)(1)

عندما ندرس هذه القصّة دراسةً موضوعيّة، فإنّنا نجد أنها توحي لأبناء الأمّة بأنَّ عليهم أن يدرسوا الحاكم من خلال شؤون الحكم، وذلك أنَّ الكثير من الناس قد يستغلون عواطف الأمّة وانفعالاتها ومشاعرها السطحيّة، ليبرزوا إلى النّاس كما لو كانوا من الطيّبين الزّاهدين وما إلى ذلك، لذلك إذا اختزنت الأمّة في ارتباطها بالحاكم وفي التزامها به قيمَ الحكم والمسؤوليّة، فعند ذلك من الصعب أن يخدعها شخص، لأنّ الإنسان قد يخدع النّاس في أكله وشربه ولبسه، وفي بعض سطحيّات حركته وممارساته، ولكنّه لا يستطيع أن يخدع النّاس في القضايا الأساسيّة الحقيقيّة، وهذه مسألة تتّصل بالوعي السياسي والاجتماعي والدّيني أيضاً.. وخلاصة الفكرة هي أن نرتبط بعمق القضايا لا بسطحها.

الهوامش:

1-بحار الأنوار، ج 49، ص 276

المصدر: موقع بينات بتصرف

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 21 يوليو 2018 - 08:04 بتوقيت مكة
المزيد