فقه الحجّ عند الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)... كل ما تريد معرفته عن الحج

الخميس 5 يوليو 2018 - 17:40 بتوقيت مكة
فقه الحجّ عند الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)... كل ما تريد معرفته عن الحج

اسلاميات_الكوثر:ما كادت الفضائل تجتمع في إنسان اجتماعها في علي بن أبي طالب(عليه السلام) وما كادت فضائله تبرز بروز علمه وفقهه وإحاطته بالأحكام والسنن والقضايا . ويكفيه منقبة في ذلك أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال في حقّه : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»(1) . فهو المفسِّر الأوّل والمتكلِّم الأوّل والفقيه الأوّل في الإسلام

رغم ما أبداه الزمان له من جفاء ومؤامرات وخيانة أدّت إلى إسدال الستار على الكثير من علومه وعطائه الثرّ للإسلام والإنسانية ، إلى الحدّ الذي يتقطّع معه المنصف ألماً وهو يرى صحيحي البخاري ومسلم في احتفاء تامّ بأسماء الضعفاء والنكرات في الموازين الصحيحة للدين والفقه بعيداً عن ضوضاء السياسة وصخبها ، أمثال أبي هريرة وعكرمة وكعب الأحبار بينما لم يرَ في أسانيدهما اسم علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلاّ بنحو عفو الخاطر ، وعروض العارض الطارئ .

ومقتضى إمامته الفكرية على المسلمين الرجوع إليه فيما يعترض حياتهم من مشكلات فكرية ومطالب دينية ، ومن جملتها المطالب الفقهية .

والدراسة التي بين أيدينا محاولة لتسليط الضوء على ما وصل إلينا من تراث الإمام (عليه السلام) الفقهي في كتاب الحجّ من أبوابه المختلفة ، نأمل أن تكون موفّقة في تحقيق ما نتوخّاه من أغراض تتّصل بتخليد تراث الإمام الفقهي من جهة ، وتسليط أضواء علوية على فقه الحجّ من جهة ثانية.

ومصدر روايات وأحاديث هذه الدراسة يتمثّل بشكل أساس في :

1 ـ ما ورد في وسائل الشيعة للحرّ العاملي من أخبار وروايات نُسبت إلى الإمام علي(عليه السلام) وعالجت جوانب الحجّ المختلفة .

2 ـ ما جمعه الدكتور محمد روّاس قلعه چي في كتابه «موسوعة فقه علي بن أبي طالب» من أخبار وروايات عن الإمام علي(عليه السلام) في أبواب الحجّ المختلفة ، من مصادر الحديث والفقه والتفسير المختلفة لدى مذاهب الجمهور .

والمصدر الأوّل هو الأساس ، والمصدر الثاني جيء به لغرض المقارنة والإضافة المناسبة لموضوع البحث . وقد قسّمنا هذه الدراسة إلى أبواب بحسب الأبواب الفقهية المتعارفة في كتاب الحجّ قدر الإمكان بعد حذف الأبواب التي لم يرد فيها أثر عن الإمام علي(عليه السلام) .

 

أوّلا ـ مقدّمات الحجّ

وتشمل الأحكام الفقهية التمهيدية لفريضة الحجّ ، ممّا له علاقة بمرحلة ما قبل الاحرام ، وقد وردت عن الإمام علي(عليه السلام) آثار فقهية عن هذه المرحلة نوردها في النقاط التالية :

1 ـ في وجوب الحج وفضيلته وأركانه

المعروف من شريعة الإسلام أنّ الحجّ هو من أعظم شعائر الإسلام ، وأنّ من سوّف الحجّ حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً ، هذا لمن كان مستطيعاً كما في المروي عن النبي(صلى الله عليه وآله)(2) .

وقد وردت في هذا المعنى آثار عديدة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) منها ما قاله ضمن خطبة له : «ألا ترون أنّ الله اختبر الأوّلين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار ما تضرّ ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع . . . . ثمّ أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه . .»(3) .

وقال(عليه السلام) في خطبة أخرى : «فرض عليكم حجّ بيته الذي جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته ، وإذعانهم لعزّته . . . فرض حجّه وأوجب حقّه وكتب عليكم وفادته . . .»(4) ، وكان(عليه السلام) يخاطب أبناءه بقوله : «انظروا بيت ربّكم فلا يخلونّ منكم فلا تناضروا»(5) كلّ هذا في الحجّ الواجب .

أمّا في فضيلة الحجّ واستحبابه فقد ورد عنه(عليه السلام) في خبر روي في العلل وعيون الأخبار والخصال بسند ينتهي إلى الإمام الرضا(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين(عليه السلام) : كم حجّ آدم من حجّة؟

فقال له : سبعمائة حجّة ماشياً على قدميه ، وأوّل حجّة حجّها كان معه الصرد يدلّه على الماء وخرج معه من الجنّة . . وسأله عن أوّل من حجّ من أهل السماء فقال : جبرئيل(عليه السلام)(6) .

وروي عنه(عليه السلام) أنّه قال : «ضمنت لستّة الجنّة ، وعدّ منهم من خرج حاجّاً فمات»(7) .

وكيف كان ففضيلة الحجّ ممّا لا تحتاج إلى بيان ، وإنّما وقع البحث في تحديد النوع الأفضل ، فذهب مشهور السنّة إلى أفضلية الإفراد ، وذهبت الإمامية إلى أفضلية التمتّع . قال في الجواهر : «لا خلاف أيضاً في أفضلية التمتّع على قسميه لمن كان الحجّ مندوباً بالنسبة إليه لعدم استطاعته أو لحصول حجّة الإسلام منه . والنصوص مستفيضة فيه أو متواترة بل هو من قطعيات مذهب الشيعة ، بل في بعضها عن الصادق(عليه السلام) : لو حججت ألفي عام ما قدمتها إلاّ متمتّعاً»(8) .

وقد سُئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن ذلك فأجاب(عليه السلام) : «إنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول لكلّ شهر عمرة ، تمتّع فهو والله أفضل . .»(9) ، خلافاً لما ترويه المصادر السنيّة عنه من أنّه ، كان يقول : «أفرد الحج فإنّه أفضل»(10) .

2 ـ النية

من المعلوم في شريعة الإسلام أنّ النيّة شرط في كلّ عبادة ، والحجّ من جملة العبادات التي لا تتمّ إلاّ بالنيّة ، وهذا ممّا لا إشكال فيه ، ولا شكّ يعتريه ، إنّما وقع البحث بين الفقهاء في الجهة التي تنعقد لها النيّة ، هل هي نيّة الاحرام أم نيّة الخروج إلى مكّة أم نية النوع من تمتع أو إفراد أو قران ، أم الجمع بين النية للنوع والنية لكلّ فعل من أفعاله؟

وجوه متعدّدة ذكرها الفقهاء ، وأوردها صاحب الجواهر عنهم ، ثمّ اختار منها القول بأنّ النية هي نية النوع(11) .

وفي موسوعة فقه علي بن أبي طالب أورد نصّاً عن الإمام(عليه السلام) نقله عن مسند زيد استفاد منه فقهاء السنّة أنّ النية تكون للنوع ، وهو قوله(عليه السلام) «من شاء ممّن لم يحجّ يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، ومن شاء قرنهما جميعاً ، ومن شاء أفرد»(12) .

ولكن تخصيص الكلام بمن لم يحجّ يفيد أنّ الإمام(عليه السلام) بصدد أمر آخر غير النية ، فإنّ النية ثابتة في العبادة الواجبة والمستحبّة ، فيمن حجّ سابقاً وأراد حجّة جديدة مستحبّة ومن لم يحجّ وأراد الصرورة .

3 ـ يجب الحجّ على المرأة ولو لم يكن معها محرم

نقل عبدالله بن جعفر في قرب الاسناد ، بإسناده عن الحسين بن علوان عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه نقل عن أبيه الباقر(عليه السلام) : «أنّ عليّاً كان يقول لا بأس أن

تحجّ المرأة الصرورة مع قوم صالحين إذا لم يكن لها محرم ولا زوج»(13) . فيكفي

في الوجوب عليها غلبة ظنّها بالسلامة على نفسها لصدق الاستطاعة عليها إذا

كانت مأمونة وكان معها في الرفقة ثقات ، كما قال في الجواهر(14) ، ومفهوم كلام

علي(عليه السلام) وسائر الروايات في المقام أنّ الوجوب يرتفع إذا غلب عليها الخوف من

الطريق .

4 ـ حجّ الصبي والمملوك

المعروف من الفقه أنّ الحجّ لا يجب على الصبي والمملوك ، ولو حجّ أحدهما لم يجزه ذلك عن حجّة الإسلام عند حصول البلوغ بالنسبة إلى الصبي وتحقّق العتق بالنسبة إلى المملوك ، وفي ذلك روايات كثيرة عن الأئمّة(عليهم السلام) منها ما عن الإمام الصادق(عليه السلام) «الصبي إذا حُجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يكبر ، والعبد إذا حُجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق»(15) .

ولم يستدلّ فقهاء الإمامية في هذا الباب بحديث عن الإمام علي(عليه السلام) ، غير أنّ فقهاء السنّة أوردوا عنه حديثاً يقول فيه : «إذا حجّ الصبي أجزأه ما دام صبياً ، فإذا بلغ فعليه حجّة الإسلام ، وإذا حجّ العبد أجزأه ما دام عبداً ، فإذا عتق فعليه حجّة الإسلام»(16) .

5 ـ حجّ القران

ينقسم الحجّ إلى تمتّع وافراد وقران ، الأوّل فرض البعيد عن مكة ، والثاني والثالث فرض أهل مكة ، ولم يرد في مصادر الحديث والفقه الإمامي عن علي(عليه السلام)في هذا الباب شيء ، بينما ذكرت المصادر السنّية أنّ أبا نصر السلمي قال : «أهللت بالحجّ فأدركت عليّاً فقلت : أهللت بالحجّ أفأستطيع أن أضمّ إليه عمرة؟ قال : لا لو كنت أهللت بالعمرة ثمّ أردت أن تضمّ إليها الحجّ ضممته ، فإذا بدأت بالحجّ فلا تضمّ إليه عمرة ، قال : فما أصنع إذا أردت؟ قال : صب عليك ادواة من ماء ثمّ تحرم بهما جميعاً فتطوف لهما طوافين»(17) .

ورووا أيضاً «أنّ المقداد دخل على عليّ بن أبي طالب بالسقيا وهو يسقي بكرات له دقيقاً وخبطاً فقال : هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحجّ والعمرة ، فخرج علي وعلى يديه أثر الدقيق والخبط حتّى دخل على عثمان فقال : أنت تنهى عن أن يقرن بين الحجّ والعمرة؟ فقال عثمان : ذلك رأيي . فخرج علي مغضباً وهو يقول : لبّيك اللّهم لبّيك بحجّ وعمرة معاً»(18) .

وروى ابن أبي شيبة عن مروان بن الحكم قال : «كنّا نسير مع عثمان فسمع

رجلا يلبّي بهما جميعاً فقال عثمان : من هذا؟ قالوا : عليّ ، فأتاه عثمان فقال له : ألم تعلم أنّي نهيت عن هذا؟ فقال : بلى ولكن لم أكن لأدع فعل رسول الله بقولك»(19) . واضطربت رواياتهم عنه في كيفيته ففي رواية عنه(عليه السلام) أنّ القارن يطوف طوافاً واحداً وسعياً واحداً ، وفي أخرى أنّه يطوف طوافين ويسعى سعياً واحداً(20) .

والمعروف في الفقه الإمامي أنّ القران يتمّ بسعي واحد وطوافين(21) . ونقلوا عنه(عليه السلام) أنّه قال : «من شاء أن يجمع بين الحجّ والعمرة فليسق هديه معه»(22) .

6 ـ النيابة وأحكامها

وفي باب النيابة في الحجّ وردت عن الإمام علي(عليه السلام) روايات في نقطتين :

أولاهما ـ في استنابة الموسر في الحج إذا منعه مرض أو كبر أو عدوّ . فقد ورد أنّه(عليه السلام) رآى شيخاً لم يحجّ قط ولم يطق الحج في كبره ، فأمره أن يجهز رجلا فيحجّ عنه(23) .

وردّ صاحب الجواهر دلالة هذا الحديث وأمثاله على الوجوب ، خلافاً لما في الحدائق من دلالته على ذلك .

ونقلت المصادر السنّية هذا المضمون عن الإمام عليّ ، حيث روي عنه قوله(عليه السلام) : «الشيخ الفاني الذي لا يستطيع أن يحجّ يجهّز رجلا على نفقته فيحجّ عنه»(24) . وروي عنه أيضاً أنّه لم يكن يرى بأساً أن يحجّ الرجل عن الرجل ولم يحجّ قط(25) . وهو الموافق للفقه الإمامي فيما إذا كان النائب مستكملا لشرائط الوجوب في ذلك العام(26) .

وثانيتهما ـ في وجوب أن يأتي النائب بما شرط عليه من تمتّع أو قران أو افراد فقد وردت في ذلك رواية نقلها صاحب الوسائل عن التهذيب والاستبصار عن الحسن بن محبوب عن عليّ(عليه السلام) «في رجل أعطى رجلا دراهم يحجّ بها حجّة بها حجّة مفردة قال : ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ لا يخالف صاحب الدراهم»(27) .

ولم يعلم الإمام المسؤول في هذه الرواية لوضوح أنّ الحسن بن محبوب لا يروي عن الإمام عليّ(عليه السلام) ، ففيها إرسال في أكثر من واسطة إذا كان المقصود بعليّ هو أمير المؤمنين(عليه السلام) وكانت الرواية منقولة عن الإمام الكاظم(عليه السلام) أو الإمام الرضا(عليه السلام)اللذين عاصرهما الحسن بن محبوب وروى عنهما ، ويحتمل أن يكون الإمام المقصود هو علي بن موسى الرضا(عليه السلام) الذي عرف الحسن بروايته عنه ، ولأجل تردّد الرواية بين هذين الاحتمالين ، فقد اعتبرها الشيخ الطوسي في التهذيب موقوفة غير مسندة إلى أحد من الأئمّة(28) . واعتبرها صاحب الجواهر مضمرة لم يُعرف الإمام المسؤول فيها(29) ، ولكن اشتهار التعبير عن الإمام علي(عليه السلام)في لسان الروايات بما هو وارد في هذه الرواية ، واشتهار التعبير عن أسميائه من الأئمّة بالكنى أو بالألقاب أو بالاسم الثنائي أو الثلاثي بنحو جعل التعبير بالاسم المفرد وكأنّه من خواص الروايات عن الإمام علي(عليه السلام) يجعل احتمال كونها عنه قوياً ، فتكون مرسلة حينئذ .

7 ـ مَنْ نذر الحجّ ماشياً

المعروف في مسألة من نذر الحج ماشياً وجوب ذلك عليه ، وادُّعي الإجماع على ذلك ، وكتفريع على ذلك ظهرت مسألة حكم مواضع العبور التي يضطرّ الحاج إلى ركوب السفينة فيها ، ونحوها ، وقد روي عن الباقر(عليه السلام) عن آبائه : أنّ عليّاً سئل عن ذلك فقال : «فليقم في المعبر قائماً حتّى يجوز»(30) .

8 ـ المواقيت

لم تورد مصادر الحديث والفقه الإمامي شيئاً مأثوراً عن الإمام علي(عليه السلام) في باب المواقيت ، بينما ذكرت بعض المصادر السنّية خبراً عنه(عليه السلام) يقول فيه : «ميقات من حجّ من المدينة أو اعتمر ذو الحليفة ، فمن شاء استمتع بثيابه وأهله حتّى يبلغ ذو الحليفة ، وميقات من حجّ أو اعتمر من أهل العراق العقيق ، فمن شاء استمتع بثيابه وأهله حتّى يبلغ العقيق ، وميقات من حجّ أو اعتمر من أهل الشام الجحفة ، فمن شاء استمتع بثيابه وأهله حتّى يبلغ الجحفة ، وميقات من حجّ أو اعتمر من أهل اليمن يلملم فمن شاء استمتع بثيابه وأهله حتّى يبلغ يلملم . وميقات من حجّ من أهل نجد واعتمر قرن المنازل ، وميقات من كان دون المواقيت من أهله»(31) . وهذه المواقيت مطابقة لما عليه الفقه الإمامي سوى تفاوت طفيف(32) .

9 ـ حكم الإحرام قبل الميقات

الميقات هو النقطة التي يجب عندها ارتداء ثوبي الإحرام ، أمّا إذا كان الحاج قد أحرم قبل الميقات فما هو حكمه؟

المعروف في الفقه السني جواز ذلك وكونه من تمام الحج ، ورووا في ذلك روايات عن الإمام علي(عليه السلام) أنّه يفسّر قوله تعالى : [ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِِ ]بأنّ : «إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك» ، وإنّ رجلا أتى عمر فقال : إنّي ركبت السفن والخيل والإبل فمن أين أحرم؟ فقال : ائتِ علياً فاسأله ، فسأل عليّاً فقال له : «من حيث بدأت أن تنشئها من بلادك» ، وأنّه(عليه السلام) أحرم من المدينة المنوّرة(33) . .

غير أنّ الفقه الإمامي قائم على عكس ذلك تماماً ، وهو أنّ الإحرام لا ينعقد قبل الميقات وأنّه غير جائز(34) ، وفي ذلك روايات عديدة عن أئمّة أهل البيت ، منها رواية عن الإمام الباقر وروايتان عن الإمام الصادق(عليه السلام) في نقض ما يرويه أهل السنّة عن الإمام علي(عليه السلام) وفيها جميعاً الاستغراب من ذلك ، وأنّ الأمر لو كان كما يقولون لما ترك الرسول(صلى الله عليه وآله) فضيلة ذلك ولأحرم من المدينة، مع أنّه قد أحرم من ذي الحليفة(35).

 

ثانياً ـ محرمات الاحرام وجزاء مخالفاتها

أمّا في باب محرّمات الاحرام فقد وردت عنه(عليه السلام) الآثار التالية من مصادر الفريقين :

1 ـ عدم جواز صيد البر على المحرم وحرمة أكله على المحرم والمحل

فقد ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال : «مرّ علي(عليه السلام) على قوم يأكلون جراداً فقال : سبحان الله وأنتم محرمون؟ فقالوا : إنّما هو من صيد البحر ، فقال لهم : إرموه في الماء إذن»(36) .

ومقتضى شبهتهم في ذلك أنّه يكون حلالا; لأنّ صيد البحر قد نصّ القرآن على حلّيته قال تعالى : [ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ]فقال الإمام(عليه السلام) لهم في مقام دحض شبهتهم : ارموه في الماء ، أي لو كان بحرياً لعاش في الماء .

ونقل في الجواهر عن المنتهى والتذكرة للعلاّمة أنّ كونه من صيد البر قول أكثر علمائنا وأكثر علماء العامّة أيضاً ، وعن المسالك أنّه لا خلاف فيه عندنا ، خلافاً لأبي سعيد الخدري والشافعي وأحمد في رواية(37) .

وجمع صاحب موسوعة فقه علي بن أبي طالب آثاراً عنه في هذا الباب وردت في المصادر السنية فكتب يقول :

يحرم على المحرم قتل الصيد ، والإشارة إليه ، والدلالة عليه ، واتباعه ، وأكله . قال علي : «لا يقتل المحرم الصيد ولا يشير إليه ولا يدلّ عليه ولا يتبعه»(38) فإن فعل شيئاً من ذلك فقتله هو أو قتله الحلال فالمحرم ضامن لذلك(39) .

ولا يحل للمحرم أكل لحم الصيد سواء أصاده الحلال أو المحرم وسواء أصيد للمحرم أو لم يُصَدْ لَه(40) .

فقد كان الحارث بن نوفل خليفة عثمان على مكة ، فلمّا قدم عثمان مكة استقبل بقديد ، فاصطاد أهل الماء حجلا ، فطبخ وقدم إلى عثمان وأصحابه ، فأمسكوا ، فقال عثمان : صيد لم نصده ولم نأمر بصيده ، اصطاده قوم حل ، فأطعمونا ، فما بأس به ، فبعث إلى علي فجاءه ، فذكر له ، فغضب علي وقال : «أنشد الله رجلا شهد رسول الله حين أُتي بقائمة حمار وحش ، فقال رسول الله : إنّا قوم حُرُم فأطعموه أهل الحل ، فشهد اثنا عشر رجلا من أصحاب رسول الله ، ثمّ قال عليّ : أنشد الله رجلا شهد رسول الله حين أتي ببيض النعام ، فقال رسول الله : إنّا قوم حرم فأطعموه أهل الحل» ، فشهد دونهم من العدّة ـ من الاثني عشر ـ قال : فثنى عثمان وركه من الطعام ، فدخل رحله وأكل الطعام أهل الماء(41) . وروى عبد الرزاق أنّ عليّاً كره الصيد وهو محرم وتلا هذه الآية [ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً](42) .

ويعتبر قتل الضبع غير العادي صيداً يوجب الجزاء ، أما إذا عدا على المحرم فقتله المحرم فلا شيء فيه ، قال علي : «إذا عدا الضبع على المحرم فليقتله ، فإن قتله قبل أن يعدو عليه فعليه شاة مسنة»(43) .

ويحلّ للمحرم قتل الحية السوداء والأفعى ، والعقرب ، والكلب العقور ، ويحلّ له أن يقتل من عدا عليه من الحيوان(44) ، ويحلّ له قتل الغراب(45) ويحلّ له أن يقرد بعيره(46) (47) .

وقال في الجواهر : إنّ المحرم إذا ذبح صيده البرّي كان ميتة حراماً على المحل والمحرم ، كما صرّح به الشيخ والحلّي والقاضي ويحيى بن سعيد والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم . . . بل في النهاية والمبسوط والتهذيب والوسيلة والجواهر على ما حكي عن بعضها أنّه كالميتة ، بل في الأخير الإجماع عليه أيضاً ثمّ استدلّ على ذلك بخبرين عن الإمام علي(عليه السلام) في هذا المورد وهما : «خبر وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي(عليه السلام) : إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحرام والحلال ، وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أم حرام ، وخبر إسحاق عن جعفر(عليه السلام) أيضاً : إنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول : إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم(48) .

2 ـ جواز الإدهان قبل الإحرام

المعروف في فقه الحج حرمة الادهان على الحاج بعد الاحرام ، وكذا يحرم عليه ذلك قبل الاحرام إذا كان للطيب ريح تبقى إلى بعد الإحرام(49) ويجوز له ذلك قبل الإحرام إذا لم يكن للطيب رائحة تبقى بعد الاحرام ، وعلى ذلك يحمل الخبر

الوارد عن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه : كان عليّ(عليه السلام) في هذا الباب يقول : «لا يدهن المحرم ولا يتطيّب ، فإن أصابه شقاق دهنه ممّا يأكل ، وإن اشتكى عينه اكتحل بالصبر ، وليس بالزعفران»(50) .

3 ـ جواز الاحرام بثوب مصبوغ بالمشق

اشتهر بين الفقهاء القول بكراهة الاحرام بالثياب المصبوغة سوى ما استثني من ذلك بدليل . وممّا ورد الدليل باستثنائه الثياب المصبوغة بالمشق ، وهو طين أحمر كانوا يصبغون به الثياب ، فقد ورد عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) : «كان علي(عليه السلام)محرماً ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان فمرّ به عمر بن الخطّاب فقال : يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان؟

فقال(عليه السلام) : ما نريد أحداً يعلّمنا السنّة إنّما هما ثوبان صبغا بالمشق»(51) .

وأورد صاحب موسوعة فقه علي بن أبي طالب مضمون هذا الخبر وأخباراً أخرى تحت عنوان «ما يحرم على المحرم من اللباس» فكتب يقول :

ويباح للرجل لبس المورد من الثياب إذا لم يكن تورده بزعفران أو ورس أو عصفر(52) ، فعن محمد بن علي بن الحسين قال : رأى عمر بن الخطّاب على عبدالله ابن جعفر ثوبين مضرّجين وهو محرم ، فقال : ما هذا؟

فقال علي بن أبي طالب : «ما أخال أحداً يعلّمنا السنّة» ، فسكت عمر(53) .

ولا يجوز للمحرم أن يغطّي رأسه ، قال عليّ : «إحرام الرجل في رأسه(54) ، أما المرأة فإنّها تلبس ما شاءت من الثياب غير ما صبغ بطيب ، وتلبس الخفين والسراويل والجبة(55) ولكنّها لا تتنقب ـ أي لا تتلثّم ـ فإن أرادت أن تستر وجهها فلتسدل الثوب عليه سدلا . فقد روى ابن أبي شيبة بسنده عن علي أنّه كان ينهى النساء عن النقاب وهن حرم ، ولكن يسدلن الثوب على وجوههن سدلا(56) ، كما نهاهن عن لبس القفازين(57) ، ويباح للمحرم لبس الخاتم ، فعن إسماعيل بن عبدالملك قال : رأيت على علي خاتماً وهو محرم»(58) (59) .

كما أورد أخباراً عنه(عليه السلام) وردت في المصادر السنية في أبواب حرمة النكاح على المحرم ، وحرمة فصل شيء من جسده ، وإباحة الحجامة له فكتب يقول :

4 ـ النكاح ودواعيه

ولا يجوز للمحرم النكاح فإن فعل ردّ نكاحه ، قال علي كرّم الله وجهه : «المحرم لا ينكح ولا ينكح ، فإن نكح فنكاحه باطل» ومن رواية أنّه قال : «من تزوّج وهو محرم نزعنا منه امرأته»(60) فإن وطئ زوجته فسد حجّه . فقد سئل عليّ عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج فقال : «ينفذان ، يمضيان لوجههما حتّى يقضيا حجّهما ، ثمّ عليهما حجّ قابل والهدي ، وإذا أهلاّ بالحج من عام قابل تفرّقا حتّى يقضيا حجّهما(61) .

وكما يحرم الجماع في الحج يحرم دواعيه كالقبلة ونحوها ، ولكنّها لا تفسد الحج قال علي : «إذا قبّل المحرم امرأته فعليه دم(62) .

5 ـ فصل شيء من أعضاء جسده

كالسن والظفر والشعر . قال علي : «لا ينزع المحرم سنه ولا ظفره إلاّ أن يؤذياه»(63) .

وخرج حسين بن علي مع عثمان في سفره إلى مكّة فمرض في الطريق ، فمر به عبدالله بن جعفر وهو مريض بالسقيا ، فأقام عليه عبدالله بن جعفر ، حتّى إذا خاف فوات الحج خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة ، فقدما عليه ، ثمّ إنّ حسيناً أشار إلى رأسه ، فأمر علي برأسه فحلق ، ثمّ نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيراً(64) .

ويباح للمحرم : غسل بدنه ورأسه(65) ، وتباح له الحجامة ، قال علي كرّم الله وجهه : «يحتجم المحرم إن شاء»(66(67) .

هذا ما ورد عنه(عليه السلام) في باب محرّمات الإحرام ، أمّا في جزاء مخالفة هذه المحرّمات فقد وردت عنه جملة أخرى من الآثار هي :

1 ـ حرمةوضمان صيد طير على فرع شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحلّ .

فقد روي أنّه(عليه السلام) سُئل عن ذلك فأجاب(عليه السلام) : «عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم(68) .

2 ـ في قتل الحمامة شاة

قال في الجواهر : «في قتلها شاة على المحرم في الحل على المشهور بين الأصحاب بل في التذكرة ومحكي الخلاف والمنتهى الإجماع عليه ، بل في الأوّل أيضاً ، وبه قال علي(عليه السلام) وعمر وعثمان وابن عمر . .»(69) ولم أجد له خبراً يدلّ عليه في الوسائل ، ولعلّ صاحب الجواهر نقله عن مصادر العامّة كما سيأتي .

3 ـ في قتل القطاة حمل

ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال : «وجدنا في كتاب علي(عليه السلام) في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن وأكل الشجر» ومثله خبر آخر عن الإمام الباقر(عليه السلام)(70) ، وعلى ذلك فتوى الفقهاء(71) .

4 ـ حكم المحرم والمحلّ إذا قتلا صيداً

ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه يقول : «كان علي(عليه السلام) يقول في محرم ومحلّ قتلا صيداً فقال : على المحرم الفداء كاملا وعلى المحلّ نصف الفداء»(72) وفي المسألة خلاف بين الفقهاء(73) .

5 ـ في كسر بيض النعام

وفي هذه المسألة صورتان ، صورة ما إذا كان في البيض فرخ يتحرّك ، وفيها ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) «أنّ في كتاب عليّ(عليه السلام) في بيض القطا بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الابل»(74) لكلّ بيضه . وصورة ما إذا كُسرت البيضة قبل أن يتحرّك فيها الفرخ ، أو مع عدم وجود فرخ فيها أصلا ، وفيها ورد أيضاً عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه : «قضى فيها أمير المؤمنين(عليه السلام)أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الاناث فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة»(75) . وجرت على ذلك كلمة الفقهاء في الصورتين(76) .

6 ـ لو جرح صيداً ولم يعلم حاله

لو جرح المحرم صيداً ومضى عنه ولم يعلم حاله بعد أن جرحه لزمه الفداء الكامل ، وردت في ذلك رواية عن الإمام الباقر عن آبائه عن علي(عليهم السلام) «في المحرم يصيب الصيد فيدميه ثمّ يرسله قال : عليه جزاؤه(77) 

7 ـ لو اضطرّ المحرم إلى أكل صيد أو ميتة

ما حكم المحرم إذا اضطرّ إلى تناول الصيد أو ميتة كانت عنده؟ ورد عن الإمام علي(عليه السلام) خبر في ذلك يقول فيه : «إذا اضطرّ المحرم إلى الصيد والميتة فليأكل الميتة التي أحلّ الله له»(78) ، وهذه الرواية مخالفة لما استقرّ عليه المذهب الإمامي من اختيار الصيد مع التمكّن من الفداء ، فإن لم يمكنه الفداء اجتنب الصيد وأكل من الميتة ، ونقل صاحب الجواهر ادّعاء السيّد المرتضى الإجماع عليه ، كما احتمل صاحب الجواهر أن يكون مورد الرواية ما إذا لم يكن واجداً للصيد وإن اضطرّ إليه(79) .

أمّا ما أوردته المصادر السنّية من آثار فقهية عن الإمام علي(عليه السلام) في جزاء مخالفات الإحرام فقد جمع صاحب موسوعة فقه علي بن أبي طالب(عليه السلام) ما نصّه :

«لقد قضى علي في النعامة ببدنة ـ جمل ـ(80) وفي بيضها جنين ناقة ، فعن ابن عبّاس قال : قضى علي بن أبي طالب في بيض النعامة يصيبها المحرم : ترسل الفحل على إبلك ، فإذا تبيّن لقاحها سميت عدد ما أصبت من البيض فقلت : هذا هدي ، ثمّ ليس عليك ضمان ما فسد ، قال ابن عبّاس : فعجب معاوية من قضاء علي ، قال ابن عبّاس : لم يعجب معاوية من عجب ، ما هو إلاّ ما يباع به البيض في السوق فيتصدّق به(81)» .

وفي سنن البيهقي أنّ هذا القضاء كان ممّا قضى به عليّ في حياة رسول الله ، فانطلق الرجل إلى نبي الله فأخبره بما قال علي ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : «قد قال علي ما تسمف ولكن هلم إلى الرخصة، عليك في كلّ بيضة صيام يوم أو إطعام مسكين(82).

وقضى في الضبع يصيده المحرم دون أن يعدو عليه بكبش وإن عدا عليه فلا شيء فيه(83) .

وفي الظبي شاة(84) .

وفي حمام الحرم يحكم به ذوا عدل منكم ، قال : شاة(85) .

وفي كلّ بيضتين من بيوض الحمام درهم(86) .

جزاء حلق الشعر : قال علي فيمن يصيبه أذى من رأسه فحلق : «يصوم ثلاثة أيام ، وإن شاء أطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، وإن شاء نسك ذبح شاة»(87) ، ويفعل ذلك أين شاء ، وفي الحرم أو في غيره .

أما ذبحُ عليّ بدنة بالسقيا عندما حلق شعر ابنه حسين فهو تطوّع منه رضي الله عنه(88) .

جزاء الوطء : قال علي في الرجل يقع على امرأته ـ وهو محرم ـ : «على كلّ واحد منهما بدنة»(89) ، وعليه الحج من قابل .

جزاء القبلة واللمس بشهوة : قال علي : «إذا قبّل المحرم امرأته فعليه دم»(90) ، أي شاة .

ولا يجوز لمن ذبح هدياً جزاءً أن يأكل شيئاً منه ، قال علي : «لا يأكل من النذر ولا من جزاء الصيد ولا ممّا جعل للمساكين»(91(92) .

 

ثالثاً ـ أفعال الحجّ

الواجب في الحجّ من الأفعال اثنا عشر : الاحرام ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، ونزول منى ، والرمي ، والذبح ، والحلق بها أو التقصير ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، وطواف النساء ، وركعتاه&l

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 5 يوليو 2018 - 17:38 بتوقيت مكة
المزيد