هل بقي نهج الإمام الخميني(قده)؟

الأحد 3 يونيو 2018 - 09:25 بتوقيت مكة
هل بقي نهج الإمام الخميني(قده)؟

الثورة في نهج الإمام ليست مجرّد حركة شعبية للقضاء على الظلم الملكي، بل هي مسيرة إيمانيّة تمهّد لثورة الإمام المهدي العالميّة. وطالما أنّ الاعتقاد بالإمام المهدي باقٍ، فنهج الإمام باق...

السيّد عباس نورالدين

و نحن على أعتاب ذكرى رحيل مفجر الثورة الإسلامية الإمام  روح الله الموسوي الخميني ، يواجهنا هذا السؤال: هل بقي نهج الإمام ؟

في الحقيقة إنّ أحد أعظم منجزات الثّورة الإسلامية التي جرت في إيران وامتدّت عبر العالم: ابتكار وترويج مفهوم جديد هو مفهوم النهج. والنهج ـ أو نهج الإمام الخميني بالخصوص ـ اصطلاحٌ شاع مع انطلاقة تلك الثورة، ثمّ نمى وتكامل حتى وصل إلى أوجه في غمرة الجدل الثوريّ بين الأجنحة والتيّارات التي شاركت في الثورة أو سعت ليكون لها نصيبٌ منها.
وتكمن عظمة هذا المفهوم، بعد رسوخه في ذلك الوسط، في دوره الرائع على صعيد توحيد صفوف الثوّار وتوجيه سفينة الثّورة، في أشدّ العواصف وأعتى الأمواج التي واجهتها أثناء إبحارها نحو شاطئ الانتصارات وتثبيت الإنجازات.
لقد أضحى هذا المفهوم، بما احتواه من عناصر فكريّة وقيميّة واسعة، المرجع الأوّل في غمرة الجدال والنزاعات وفي لُجّة الحيرة والاضطرابات؛ فزوّد الثوار والعاملين بدليلٍ هادٍ للملاحة، يجمع كلمتهم وينير دروبهم، ويمنحهم البصيرة والرؤية العميقة والبعيدة للأمور.
النهج عبارة عن مجموعة من الأصول والمبادئ، التي تفسّر حركة شخصيّة ما في تعاملها مع المتناقضات والمتعارضات وفي مواجهتها للملابسات والمدلهمّات. وحين تتمكّن هذه الأصول من الحفاظ على قوّتها وثباتها مع اختلاف الظّروف، ولا تُبتلى بالتناقض الذاتي، ولا تعجز عن تفسير أي موقف أو قضية، فهذا يدلّ على قوّة النهج الذي تشكّله وتشير إلى عظمته وعلوّه.
أمّا العنصر الآخر في قوّة النهج فيكمن في ديمومته وقدرته على مواكبة التحدّيات والاستحقاقات المستقبليّة، حتّى بعد وفاة صاحبه وانتقاله من هذا العالم. وقد أثبت نهج الإمام هذه القدرة، بحيث لم نجد حادثة مصيريّة أو قضيّة واجهتها الثورة في مسيرتها، إلّا وقد كان للإمام فيها أصلٌ أو مبدأ بيّنه.
هكذا، وبعد أربعين سنة من انتصار الثورة الإسلامية، ما زلنا نجد في كلمات الإمام ومواقفه وتعاليمه، ما يمكن أن يعيننا على فهم الوقائع والتعامل مع التحديّات ومواجهة الفتن والاختبارات. وما زلنا نجد في نهجه الكثير ممّا يجب أن نعمل على تحقيقه. فكأنّ هذا النهج قد أصبح خطّة استراتيجيّة ترسم للثورة مسار الوصول إلى الهدف النهائيّ. وهو الهدف الأعلى الذي يمكن لأي مجتمع أن يحقّقه.
إنّ لظهور مصطلح النهج ورسوخه في الوسط الثوريّ، قصّة ملهمة مليئة بالعبر والدروس؛ وهي تحكي عن تجربة اجتماعية غاية في الرقيّ والعمق. ولعلّ الكثير من الباحثين حول الثورة الإسلامية، ما زالوا يتطلّعون إلى الكشف عن هذه القصّة.
لقد كان لانبعاث شخصيّة قياديّة بمستوى الإمام الخميني قصّة مذهلة أخرى، حيّرت أعتى العقول والأدمغة. فكل من درس واطّلع على البيئة التي ترعرع فيها الإمام وشكّلت شخصيّته العلمية، لا يكاد يجد تفسيرًا واضحًا لكيفيّة وصول هذا الفقيه اللامع إلى هذا المستوى من الكفاءة والقدرة القيادية العالمية.
لقد كانت البيئة العلمية والاجتماعية السائدة في ذلك الزمن (ولعلّها ما زالت إلى حدٍّ ما) بعيدة كل البعد عن كل ما يرتبط بقيادة المجتمع وإدارته أو ما يتّصل بمستقبله واستراتيجيّاته. ومع ذلك وجدنا شخصية فائقة القدرة تنبعث من وسط هذا الركام التاريخي لتقدّم للعالم أرقى وأذكى وأعمق المستويات القيادية التي يمكن أن يعرفها.
ثمّ كانت المفاجأة التالية وهي تمكّن محبّي الإمام وأتباعه من اجتراح مفهوم النهج من حركته وأفكاره بسرعة قياسيّة، كانت ولا شك السرّ الأكبر في صيانة الثورة ومنجزاتها.
ولأنّ الثورة انطلقت لتستمر حتى تحقيق أهدافها الكاملة، ولأنّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لم يظهر لحدّ الآن، فهذه الثورة مستمرّة بالنسبة لعددٍ كبيرٍ من المؤمنين بهذه القضية الإسلامية الكبرى؛ وعلى رأس هؤلاء خليفة الإمام نفسه، الذي يراه هؤلاء قائدًا للثورة اليوم.
يمكن القول بأنّ هذه القضية قد كانت من أبرز ما ميّز نهج الإمام على مدى السنين. فبقاء الروح الثوريّة يدلّ على التمسّك بهذا النهج، وخفوتها يدل على الابتعاد والانحراف عنه.
الثورة في نهج الإمام ليست مجرّد حركة شعبية للقضاء على الظلم الملكي، بل هي مسيرة إيمانيّة تمهّد لثورة الإمام المهدي العالميّة. وطالما أنّ الاعتقاد بالإمام المهدي باقٍ، فنهج الإمام باق؛ وطالما أنّ هذا الاعتقاد يتكامل ويتعمّق ويتّسع، فنهج الإمام دائم ومستمر.
إنّ جميع الأصول التي أشار إليها قائد الثورة الإسلامية ـ وهو يشرح نهج الإمام ويدفع عنه شوائب التحريف ـ هي بمنزلة التفاصيل والتفريعات لهذه العقيدة الثورية، التي تؤمن بالدور المحوريّ للشعوب في المقاومة والصمود والتغيير والإصلاح. وكلّما اتّضحت هذه الأصول وسطعت، ترسّخت الجذور وثبُتت. أمّا الاختلاف حول الأصول والمبادئ فهو يشي بوجود هزال أو آفة في فهمنا للجذر الأوّل والأصل الأكبر لنهج الإمام الخميني.
لقد انطلق الإمام من اعتقاده العميق الناصع بقضيّة الإمام المهدي، واستطاع أن يزيل عنها العديد من التصوّرات الخاطئة والهزيلة؛ فقدّمها، ولأوّل مرّة، كقضية اجتماعية يجب أن نعيشها ونمارسها في كل تفاصيل حياتنا.
وهكذا أخرج الإمام العنصر الأقوى في نجاح الحركة الثورية من القمقم، وجعله شعار حياة الأمّة وأساس إقامة الحكومة وبناء المجتمع. فلو أردنا أن نضخّ في أي مجتمع يريد الحياة روحَ الثورة والتحرّك والنهوض والتقدّم، فلن نجد ما هو أفضل وأقوى وأفعل من الثقافة المهدويّة التي كان الإمام بسيرته ونهجه وفكره وسعيه أفضل مصداق لها.

المصدر: مركز باء للدراسات

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 3 يونيو 2018 - 09:25 بتوقيت مكة