شاركوا هذا الخبر

الدولة المهدوية ...دولة السماء في الأرض

للتعرف على معالم وسمات الدولة المهدوية وما تمتاز به من خصائص ، لابد أن نرسم بعض التصورات والآمال المستقبلية عند الشيعة بناءً على الروايات الشريفة عن...

الدولة المهدوية ...دولة السماء في الأرض

مجتبى السادة

تمتاز الأطروحة المهدوية الإمامية بأنها ترسم نهاية سعيدة ومشرقة لتاريخ البشرية ، وأن المحطة الأخيرة التي سيصل لها الإنسان في مسيرته المستقبلية أفضل المراحل وأجمل المحطات ، عصر متألق بالسعادة والرفاهية والخير والعدل والقسط ، وانعدام الظلم والجور والحروب والقتل والفساد ، عصر تشرق به الأرض بنور ربها ، نظرة متفائلة إيجابية تحمل روح الأمل الكبير الذي لا يتوقف ولا ينطفئ ، نظرة تحث على الحيوية والنشاط وتدفع للتقدم والعمل ، نظرة متطابقة مع القرآن الكريم في وراثة الأرض .. بعكس النظريات والأطروحات الفلسفية الغربية التي تؤكد وتقول: (بأن الإنسان في تدهور ، وأن العالم في تأخر ، ويسير نحو الأسوأ ، وأن البشرية تحفر قبرها بنفسها.(1) ، نظرة كلها تشاؤم وإحباط ، نظرة سوداوية قاتمة لمستقبل البشرية.

للتعرف على معالم وسمات الدولة المهدوية وما تمتاز به من خصائص ، لابد أن نرسم بعض التصورات والآمال المستقبلية عند الشيعة بناءً على الروايات الشريفة عن دولة السماء في الأرض دولة آل محمد (ص):

1-الإسلامية: الهدف والغاية من بعثة الأنبياء والرسل هو نشر التوحيد والتعاليم الإلهية بين الأمم والشعوب ، والدين الإسلامي هو خلاصة كل الأديان السماوية وخاتمها ، فدستور الدولة المهدوية الأساس هو القرآن الكريم والسنة الشريفة والعمل على تطبيقهما وتنفيذ أحكامهما ، فالإسلام الصحيح كما جاء به الرسول (ص) في الدولة الفاضلة هو الدين والمعتقد والنظام والدستور ، نظرياً وعملياً وقولاً وفعلاً.

2-العالمية: حكومة الإمام (ع) تبسط هيمنتها وسيطرتها على جميع أنحاء العالم ، من خلال فتوحاته لكافة أركان الكرة الأرضية ، وأن تكون مقاليد المجتمع البشري بيد الصالحين ، ويشكل حكومة عالمية واحدة تسقط فيها الحواجز القومية ، وتتوحد فيها كل البشرية تحت ظل سيادة واحدة .. فالإمام الحجة (ع) الوارث الحقيقي للأرض وله الحاكمية المطلقة كما وعد الله سبحانه وتعالى الاستخلاف في الأرض.

3-العدالة: هو المعلم البارز في الدولة المهدوية ، وهو مدلول إيديولوجي وسياسي يرتبط بأهداف ومناهج وأولويات الدولة ، يطبق العدل والقسط في أنظمة الدولة وتترجم إلى أفعال وأعمال حقيقية ، ويزيل آثار الظلم والجور ، فتتحقق أحلام الإنسانية في حياة قائمة على العدل والمساواة ، ويتشكل المجتمع العادل كما دعت وطمحت له الشرائع السماوية.

4-الأمن والقضاء: في بداية تأسيس الدولة المهدوية ستشن عملية تطهير واسعة ، وإعلان حرب صريحة ضد الظلم والجور ، ويتم قلع جذور الفتن والحروب والجريمة من الأساس ، فيزول الخوف ويستتب الأمن ويستقر الاطمئنان في المجتمع البشري في ظل دولتة (ع) .. ويرجع الفضل في ذلك لإعطاء الأهمية والموقع الكبير للقضاء والمحاكم ، والذي سيكون الفصل فيها على أساس الحقائق والواقع وليس على أساس الأدلة التي تثبت الإدعاء القائم على الظن والظاهر ، فينتشر العدل ويستتب الأمن.

5- الازدهار الاقتصادي: يتنامى التقدم الاقتصادي وتطبق سياسة اقتصادية فاعلة ، وتدار الأسواق العالمية بكفاءة وفاعلية ، وتوزع الثروة المالية بشكل عادل ، وتستخرج الموارد الطبيعة بشكل يكفي الحاجة ، إضافة إلى ذلك فإن الدولة الفاضلة توفر الغذاء والسكن والتعليم والعلاج وتضمن للفرد مستقبل مريح في آخر العمر ، فتنعدم الحاجة لجمع المال والاستكثار منه .. فتنقلب القيم حينها ، فلا يعد للمال قيمة تذكر ، بل للتقوى والأخلاق (القلب السليم) ، فيعم الرخاء والرفاه الاقتصادي والمعيشي على كل البشرية ، إلى درجة أنه لا يجد الرجل موضعاً لصدقته.

6-التقدم العلمي والثقافي: ستكون هناك قفزة في تقدم الحياة الإنسانية على الأرض في جميع مرافقها ، فيتنامى البُعد المعنوي لدى المجتمع إلى جانب التقدم العلمي ، فيبرز التقدم الصناعي والتقني على أثر تكامل العقول في عصر الإمام (ع) ، فتتطور وسائل المعرفة والتعليم وتكتشف علوم جديدة (25 حرف كما عبرت عنه الروايات) ، فتحدث نهضة علمية وقفزة ثقافية هائلة ، ونقلة نوعية حضارية في مسيرة البشرية من ناحية العلم والمعرفة ، بحيث يصنع من العالم جنة حقيقية.

7-تكامل الصحة: في عهده الميمون ومع تقدم العلم وتكامل العقول ، يتم في البدء اكتشاف وتوفير العلاج الناجع لكل الأمراض (الجسدية والنفسية والروحية) ، وبعد أن تشع أنوار الولاية المهدوية في كل مكان وعلى جميع الأشخاص ، ستصل أبحاث الإنسانية في مجال الطب والعلاج إلى أعلى مراتبها ، فتكتشف طرق وأساليب جديدة ومبتكرة للشفاء ، فتزول الأمراض تدريجيا عن المجتمع ، وتمحى من قاموس اللغة في ذلك العصر كلمات مثل المرض والألم ، وينال الجميع السلامة والصحة الكاملة ، فيمتاز أبناء ذلك الزمان بطول العمر ، حتى يعمر للرجل ألف ولد.

8-الانفتاح على العوالم الأخرى: الرحلات الفضائية في عصرنا الحالي بداية الخطوات للانفتاح على عالم الفضاء والوجود ، وفي ذلك العصر المشرق سيضحكون على وسائلنا ومناهجنا الحالية (فاقصى ما وصلنا إليه سرعة الضوء) ، فعندها تصل الإنسانية إلى الكمال والحضارة الواقعية المطلقة ، عصر التكنولوجيا وتسخير السحاب في الفضاء ، والتعرف على أسباب السماوات ، والاستفادة من القدرات الكامنة وراء المادة ، عصر التطور المادي والمعنوي في أعلى مراتبه .. وتسنح الفرصة للبشرية الاتصال بسكان الكواكب البعيدة ، والانفتاح على عالم الموت وحياة البرزخ ، وتدخل البشرية في عصر ومرحلة جديدة لم تعرفها من قبل.

هذه السمات والمعالم هو الوجه المشرق في ظهوره (ع) ، وهذا ما ينتظر الإنسانية على يده المقدسة ، وهذه هي الرؤية الشيعية وأسس نظرتها المستقبلية المشرقة والواضحة للأجيال المسلمة وغيرها .. فالحديث عن الخطوط العريضة لدولة المهدي (عج) وعصره الميمون ، ومايكتنفه من تطور وأحداث ، سيجذب القلوب الطاهرة ويجعلها تنبض بشوق وحماس للوصول ولتحقق ذلك العصر المتألق.

الهوامش :

(1)ارجع الى الكتب التالية : كتاب الفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكاياما (نهاية التاريخ والانسان الاخير) وغيره من الكتب الغربية في هذا المجال .. كتاب: نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ لمرتضى مطهري ، وكتاب : النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ لإسعد قيدارة.

المصدر: كتاب رؤى مهدوية

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة