الدولة المهدوية ...دولة السماء في الأرض

الثلاثاء 29 مايو 2018 - 09:28 بتوقيت مكة
الدولة المهدوية ...دولة السماء في الأرض

للتعرف على معالم وسمات الدولة المهدوية وما تمتاز به من خصائص ، لابد أن نرسم بعض التصورات والآمال المستقبلية عند الشيعة بناءً على الروايات الشريفة عن...

مجتبى السادة

تمتاز الأطروحة المهدوية الإمامية بأنها ترسم نهاية سعيدة ومشرقة لتاريخ البشرية ، وأن المحطة الأخيرة التي سيصل لها الإنسان في مسيرته المستقبلية أفضل المراحل وأجمل المحطات ، عصر متألق بالسعادة والرفاهية والخير والعدل والقسط ، وانعدام الظلم والجور والحروب والقتل والفساد ، عصر تشرق به الأرض بنور ربها ، نظرة متفائلة إيجابية تحمل روح الأمل الكبير الذي لا يتوقف ولا ينطفئ ، نظرة تحث على الحيوية والنشاط وتدفع للتقدم والعمل ، نظرة متطابقة مع القرآن الكريم في وراثة الأرض .. بعكس النظريات والأطروحات الفلسفية الغربية التي تؤكد وتقول: (بأن الإنسان في تدهور ، وأن العالم في تأخر ، ويسير نحو الأسوأ ، وأن البشرية تحفر قبرها بنفسها.(1) ، نظرة كلها تشاؤم وإحباط ، نظرة سوداوية قاتمة لمستقبل البشرية.

للتعرف على معالم وسمات الدولة المهدوية وما تمتاز به من خصائص ، لابد أن نرسم بعض التصورات والآمال المستقبلية عند الشيعة بناءً على الروايات الشريفة عن دولة السماء في الأرض دولة آل محمد (ص):

1-الإسلامية: الهدف والغاية من بعثة الأنبياء والرسل هو نشر التوحيد والتعاليم الإلهية بين الأمم والشعوب ، والدين الإسلامي هو خلاصة كل الأديان السماوية وخاتمها ، فدستور الدولة المهدوية الأساس هو القرآن الكريم والسنة الشريفة والعمل على تطبيقهما وتنفيذ أحكامهما ، فالإسلام الصحيح كما جاء به الرسول (ص) في الدولة الفاضلة هو الدين والمعتقد والنظام والدستور ، نظرياً وعملياً وقولاً وفعلاً.

2-العالمية: حكومة الإمام (ع) تبسط هيمنتها وسيطرتها على جميع أنحاء العالم ، من خلال فتوحاته لكافة أركان الكرة الأرضية ، وأن تكون مقاليد المجتمع البشري بيد الصالحين ، ويشكل حكومة عالمية واحدة تسقط فيها الحواجز القومية ، وتتوحد فيها كل البشرية تحت ظل سيادة واحدة .. فالإمام الحجة (ع) الوارث الحقيقي للأرض وله الحاكمية المطلقة كما وعد الله سبحانه وتعالى الاستخلاف في الأرض.

3-العدالة: هو المعلم البارز في الدولة المهدوية ، وهو مدلول إيديولوجي وسياسي يرتبط بأهداف ومناهج وأولويات الدولة ، يطبق العدل والقسط في أنظمة الدولة وتترجم إلى أفعال وأعمال حقيقية ، ويزيل آثار الظلم والجور ، فتتحقق أحلام الإنسانية في حياة قائمة على العدل والمساواة ، ويتشكل المجتمع العادل كما دعت وطمحت له الشرائع السماوية.

4-الأمن والقضاء: في بداية تأسيس الدولة المهدوية ستشن عملية تطهير واسعة ، وإعلان حرب صريحة ضد الظلم والجور ، ويتم قلع جذور الفتن والحروب والجريمة من الأساس ، فيزول الخوف ويستتب الأمن ويستقر الاطمئنان في المجتمع البشري في ظل دولتة (ع) .. ويرجع الفضل في ذلك لإعطاء الأهمية والموقع الكبير للقضاء والمحاكم ، والذي سيكون الفصل فيها على أساس الحقائق والواقع وليس على أساس الأدلة التي تثبت الإدعاء القائم على الظن والظاهر ، فينتشر العدل ويستتب الأمن.

5- الازدهار الاقتصادي: يتنامى التقدم الاقتصادي وتطبق سياسة اقتصادية فاعلة ، وتدار الأسواق العالمية بكفاءة وفاعلية ، وتوزع الثروة المالية بشكل عادل ، وتستخرج الموارد الطبيعة بشكل يكفي الحاجة ، إضافة إلى ذلك فإن الدولة الفاضلة توفر الغذاء والسكن والتعليم والعلاج وتضمن للفرد مستقبل مريح في آخر العمر ، فتنعدم الحاجة لجمع المال والاستكثار منه .. فتنقلب القيم حينها ، فلا يعد للمال قيمة تذكر ، بل للتقوى والأخلاق (القلب السليم) ، فيعم الرخاء والرفاه الاقتصادي والمعيشي على كل البشرية ، إلى درجة أنه لا يجد الرجل موضعاً لصدقته.

6-التقدم العلمي والثقافي: ستكون هناك قفزة في تقدم الحياة الإنسانية على الأرض في جميع مرافقها ، فيتنامى البُعد المعنوي لدى المجتمع إلى جانب التقدم العلمي ، فيبرز التقدم الصناعي والتقني على أثر تكامل العقول في عصر الإمام (ع) ، فتتطور وسائل المعرفة والتعليم وتكتشف علوم جديدة (25 حرف كما عبرت عنه الروايات) ، فتحدث نهضة علمية وقفزة ثقافية هائلة ، ونقلة نوعية حضارية في مسيرة البشرية من ناحية العلم والمعرفة ، بحيث يصنع من العالم جنة حقيقية.

7-تكامل الصحة: في عهده الميمون ومع تقدم العلم وتكامل العقول ، يتم في البدء اكتشاف وتوفير العلاج الناجع لكل الأمراض (الجسدية والنفسية والروحية) ، وبعد أن تشع أنوار الولاية المهدوية في كل مكان وعلى جميع الأشخاص ، ستصل أبحاث الإنسانية في مجال الطب والعلاج إلى أعلى مراتبها ، فتكتشف طرق وأساليب جديدة ومبتكرة للشفاء ، فتزول الأمراض تدريجيا عن المجتمع ، وتمحى من قاموس اللغة في ذلك العصر كلمات مثل المرض والألم ، وينال الجميع السلامة والصحة الكاملة ، فيمتاز أبناء ذلك الزمان بطول العمر ، حتى يعمر للرجل ألف ولد.

8-الانفتاح على العوالم الأخرى: الرحلات الفضائية في عصرنا الحالي بداية الخطوات للانفتاح على عالم الفضاء والوجود ، وفي ذلك العصر المشرق سيضحكون على وسائلنا ومناهجنا الحالية (فاقصى ما وصلنا إليه سرعة الضوء) ، فعندها تصل الإنسانية إلى الكمال والحضارة الواقعية المطلقة ، عصر التكنولوجيا وتسخير السحاب في الفضاء ، والتعرف على أسباب السماوات ، والاستفادة من القدرات الكامنة وراء المادة ، عصر التطور المادي والمعنوي في أعلى مراتبه .. وتسنح الفرصة للبشرية الاتصال بسكان الكواكب البعيدة ، والانفتاح على عالم الموت وحياة البرزخ ، وتدخل البشرية في عصر ومرحلة جديدة لم تعرفها من قبل.

هذه السمات والمعالم هو الوجه المشرق في ظهوره (ع) ، وهذا ما ينتظر الإنسانية على يده المقدسة ، وهذه هي الرؤية الشيعية وأسس نظرتها المستقبلية المشرقة والواضحة للأجيال المسلمة وغيرها .. فالحديث عن الخطوط العريضة لدولة المهدي (عج) وعصره الميمون ، ومايكتنفه من تطور وأحداث ، سيجذب القلوب الطاهرة ويجعلها تنبض بشوق وحماس للوصول ولتحقق ذلك العصر المتألق.

الهوامش :

(1)ارجع الى الكتب التالية : كتاب الفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكاياما (نهاية التاريخ والانسان الاخير) وغيره من الكتب الغربية في هذا المجال .. كتاب: نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ لمرتضى مطهري ، وكتاب : النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ لإسعد قيدارة.

المصدر: كتاب رؤى مهدوية

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 29 مايو 2018 - 09:28 بتوقيت مكة