القدس المحتلة عبر التاريخ

الإثنين 23 إبريل 2018 - 18:21 بتوقيت مكة
القدس المحتلة عبر التاريخ

يرجع تاريخ مدينة القدس إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، وهي بذلك تعد واحدة من أقدم مدن العالم. وتدل الأسماء الكثيرة التي أطلقت عليها على عمق هذا التاريخ. وقد أطلقت عليها الشعوب والأمم التي استوطنتها أسماء مختلفة، فالكنعانيون الذين هاجروا إليها في الألف الثالثة قبل الميلاد أسموها "أورساليم" وتعني مدينة السلام أو مدينة الإله ساليم.

واشتقت من هذه التسمية كلمة "أورشليم" التي تنطق بالعبرية "يروشاليم" ومعناها البيت المقدس. ثم عرفت في العصر اليوناني باسم إيلياء ومعناه بيت الله. ومن أهم الأعمال التي قام بها الكنعانيون في القدس شق نفق لتأمين وصول المياه إلى داخل المدينة من نبع جيحون الذي يقع في وادي قدرون والذي يعرف اليوم بعين سلوان.

سكان القدس الأصليين

سكنت قبيلة اليبوسيين -أحد البطون الكنعانية العربية- المدينة حوالي عام 2500 ق.م فأطلقوا عليها اسم يبوس. وقد نشأت مدينة القدس في العصر الحجري النحاسي  4500 ق.م كقرية تحولت في  العهد الكنعاني (العصر البرونزي) حوالي 3000 ق.م الى مدينة. قامت على السفح الشرقي لجبل الظهور وتوسعت خلال العهد الكنعاني باتجاه الشمال .موقعها محصن جغرافيا  حيث أنها محاطة بعدد من الوديان من جهة الشرق وادي قدرون ( النار) والجهة الجنوبية وادي الربابة وزيد في تحصين المدينة بفضل السور المزدوج الذي كان يحيط المدينة في تلك الفترة .وكانت مدينة منيعة خاصة وان نبع جيحون يقع داخل أسوار المدينة ويمدها بما تحتاج من المياه.

رغم معرفة الكنعانيين بالكتابة ألا انه لا توجد الكثير من الوثائق والكتابات التي تعود إلى ذلك العصر لتساعدنا في فهم طبيعة الحياة في تلك الفترة في القدس ألا انه من خلال الكتابات القليلة  مثل تمثال اللعنات الذي وجد في مصر في القرن الثامن عشر قبل الميلاد ولوح رقم 277 الذي وجد ضمن كتابات تل  العمارنة  بالإضافة إلى البقايا الأثرية التي وجدت على السفح الشرقي لجبل الظهور ( منطقة وادي حلوة اليوم ) نستطيع تكوين صورة عن المدينة .

كانت مدينة القدس يسودها النظام الدول المدينة أي أن المدينة دولة مستقلة بحد ذاتها لها حاكمها وجيشها وكانت تسمى مدينة اورسالم (أور معناها مدينة ،سالم  يحمل معنى سلام وهو اسم اله الغروب عند الكنعانيين) وهو أقدم اسم معروف للمدينة كما سميت المدينة مدينة يبوس نسبة إلى القبيلة الكنعانية التي أسستها. وأقدم حاكم معروف لمدينة القدس هو عبدو حيبا الذي ورد اسمه في كتابات تل العمارنة  حيث كان يطلب النجدة من الفراعنة ضد قبائل العبيروا الذين كانوا يهاجمون المدينة ومعنى كلمة العبيرو هو قطاع الطرق والخارجين على القانون وليس العبرانيون كما يحاول بعض المؤرخين اليهود تضليل القراء.

كانت المدينة مدينة متطورة بالنسبة إلى عصرها فهي تحتوي على بيوت مربعة  مبنية من الحجر على نظام السلاسل بسبب الطبيعة الجغرافية للموقع قسمت البيوت  إلى غرف احتوى بعضها على (مراحيض كرسي) واحتوت على أماكن للاستحمام  وعثر في البيوت على العديد من الأختام التي تحمل الأسماء الكنعانية وعثر على نفقين ماء وأبراج تحصينية للإنفاق وسور مزدوج للمدينة وعلى قمة المدينة كان مبنى كبير يعتقد انه القلعة .

استمر تواجد الكنعانيين في مدينة القدس خلال العصر الحديدي ولم يحدث تغير جذري في المدينة.

رسمة تاريخية للقدس

العصر الآشوري

في العام 701 ق.م تعرضت القدس إلى الغزو من قبل الأشوريون بقيادة سنحريب ألا أنهم فشلوا في احتلال المدينة حيث تفشى الطاعون بين جنود الأشوريون بالإضافة إلى حدوث تمرد في بلادهم الأمر الذي اضطرهم إلى الانسحاب .

تعرضت القدس إلى عدة حملات أخرى على يد نبوخذ نصر كان أخرها عام 587 ق.م حيث هدم أجزاء من المدينة وسبى الحكام كما كان يفعل في كل مدينة يقوم باحتلالها .

العصر السلوقي

في العام 333 ق.م وصل إلى البلاد الاسكندر المقدوني ودخل مدينة القدس بشكل سلمي . أعطى الاسكندر المقدوني الحرية في الديانة.  ألا أن هذه الحرية لم تستمر طويلا حيث توفي الاسكندر المقدوني وقسمت مملكته بين قواده الأربعة يهمنا منهم بطليموس وسلوقس الذين دار صراع طويل بينهم كانت فلسطين مسرحا لمعظم أحداثه .

في البداية كانت القدس تابعة للبطالسة 315-198 ق.م خلال هذه الفترة القصيرة عاشت مدينة القدس بشكل هادئ وتم أعادة بناء الأسوار وزاد عدد السكان في المدينة .

تعاون اليهود الموجودين في القدس مع السلوقين ضد البطالسه حتى انتقلت القدس ليد السلوقين ليبدآ عهد جديد في المدينة, حيث حاول السلوقيون فرض الديانة اليونانية على جميع السكان بما فيهم اليهود حيث كان يهتمون بدمج الشرق مع الغرب وفرض الحضارة اليونانية على الشرق.

 ازدادت حدة هذه الإجراءات خلال حكم انتوخيوس الرابع وقد تعاون معه بعض اليهود في ذلك مقابل مبالغ مالية وقد اتبع عدد  من اليهود وسكان المدينة العادات اليونانية بكاملها بينما رفض البعض الأخر ذلك.

 انتهى عهد السلوقيين بالثورة المكابية ( الحشمونائية ) نسبة الى  يهودا المكابي بن يوحنا قائد الثورة التي بدئت في منطقة السهل الساحلي عام 168 ق.م وانتهت عام 164 ق.م .

كان نتاج الثورة أقامة دولة على ثلث فلسطين وسيطر على الثلثين الآخرين الأنباط. اعترف السلوقين بحكم المكابين وتميزت هذه الفترة بنوع من الاستقلالية السياسية والإدارية مع نوع من التبعية للسلوقيين.

الحكم اليهودي (977 – 586 ق.م)

دام حكم اليهود للقدس 73 عاماً طوال تاريخها الذي امتد لأكثر من خمسة آلاف سنة. فقد استطاع داود السيطرة على المدينة في عام 977 أو 1000 ق.م وسماها مدينة داود وشيد بها قصراً وعدة حصون ودام حكمه 40 عاماً. ثم خلفه من بعده ولده سليمان الذي حكمها 33 عاماً.

وبعد وفاة سليمان انقسمت الدولة في عهد ابنه رحبعام وأصبحت المدينة تسمى "أورشليم" وهو اسم مشتق من الاسم العربي الكنعاني شاليم أو ساليم الذي أشارت التوراة إلى أنه حاكم عربي يبوسي كان صديقاً لإبراهيم. (سفر التكوين- 14: 18-20، والرسالة إلى العبرانيين في الإنجيل 6:20،7:1-5).

القدس مع السور القديم

العصر البابلي (586 – 537 ق.م)

احتل الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني مدينة القدس بعد أن هزم آخر ملوك اليهود صدقيا بن يوشيا عام 586 ق.م، ونقل من بقي فيها من اليهود أسرى إلى بابل بمن فيهم الملك صدقيا نفسه.

العصر الفارسي (537 - 333 ق.م)

سمح الملك الفارسي كورش عام 538 ق.م لمن أراد من أسرى اليهود في بابل بالعودة إلى القدس.

 العصر اليوناني (333 – 63 ق.م)

استولى الإسكندر الأكبر على فلسطين بما فيها القدس عام 333 ق.م، وبعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون والبطالمة في حكم المدينة، واستولى عليها في العام نفسه بطليموس وضمها مع فلسطين إلى مملكته في مصر عام 323 ق.م. ثم في عام 198 ق.م أصبحت تابعة للسلوقيين في سوريا بعد أن ضمها سيلوكس نيكاتور، وتأثر السكان في تلك الفترة بالحضارة الإغريقية.

القدس تحت الحكم الروماني (63 ق.م – 636م)

استولى قائد الجيش الروماني بومبيجي Pompeji على القدس عام 63 ق.م وضمها إلى الإمبراطوية الرومانية. وشهد الحكم الروماني للقدس والذي استمر حتى عام 636م حوادث كثيرة، ففي الفترة من 66 إلى 70م قام اليهود في القدس بأعمال شغب وعصيان مدني قمعها الحاكم الروماني تيطس بالقوة فأحرق المدينة وأسر كثيراً من اليهود، وعادت الأمور إلى طبيعتها في ظل الاحتلال الروماني للمدينة المقدسة. ثم عاود اليهود التمرد وإعلان العصيان مرتين في عامي 115 و132م وتمكنوا بالفعل من السيطرة على المدينة، إلا أن الإمبراطور الروماني هدريان تعامل معهما بعنف وأسفر ذلك عن تدمير القدس للمرة الثانية، وأخرج اليهود المقيمين فيها ولم يُبق إلا المسيحيين، ثم أمر بتغيير اسم المدينة إلى "إيلياء" واشترط ألا يسكنها يهودي.

كنيسة القيامة

نقل الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة، وأعلن المسيحية ديانة رسمية للدولة فكانت نقطة تحول بالنسبة للمسيحيين في القدس حيث بنيت كنيسة القيامة عام 326م.

الإسراء والمعراج (621م/ 10هـ)

في عام 621 تقريباً شهدت القدس زيارة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم صعد إلى السماوات العلى.

القدس في العهود الإسلامية

العصر الإسلامي الأول (636 إلى 1072م)

سجلت مصادر تاريخية دخول الخلفية عمر بن الخطاب القدس بعد ان انتصر جيشه بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح، واشترط البطريرك صفرونيوس أن يتسلم عمر المدينة بنفسه فكتب معهم "العهدة العمرية" وهي وثيقة منحتهم الحرية الدينية مقابل الجزية. ونصت الوثيقة ألا يساكنهم أحد من يهود.

واتخذت المدينة منذ ذلك الحين طابعها الإسلامي واهتم بها الأمويون (661 - 750م) والعباسيون (750 - 878م). ومن أهم الآثار الإسلامية في تلك الفترة مسجد قبة الصخرة الذي بناه عبد الملك بن مروان  في الفترة من 682 - 691م، وأعيد بناء المسجد الأقصى عام 709م، وشهدت المدينة بعد ذلك عدم استقرار بسبب الصراعات العسكرية التي نشبت بين العباسيين والفاطميين والقرامطة، وخضعت القدس لحكم السلاجقة عام 1071م.

القدس إبان الحملات الصليبية

سقطت القدس في أيدي الصليبيين عام 1099م بعد خمسة قرون من الحكم الإسلامي نتيجة صراعات على السلطة بين السلاجقة والفاطميين وبين السلاجقة أنفسهم. وقتل الصليبيون فور دخولهم القدس قرابة 70 ألفاً من المسلمين وانتهكوا المقدسات الإسلامية. وقامت في القدس منذ ذلك التاريخ مملكة لاتينية تحكم من قبل ملك كاثوليكي فرض الشعائر الكاثوليكية على المسيحيين الأرثوذكس مما أثار غضبهم.

وقام صلاح الدين الأيوبي باسترداد القدس من الصليبيين عام 1187م بعد معركة حطين.

ولكن الصليبيين نجحوا في السيطرة على المدينة بعد وفاة صلاح الدين في عهد الملك فريدريك ملك صقلية، وظلت بأيدي الصليبيين 11 عاماً إلى أن استردها نهائياً الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244م.

عصر المغول والمماليك

وتعرضت المدينة للغزو المغولي عام 1243/1244م، لكن المماليك هزموهم بقيادة سيف الدين قطز والظاهر بيبرس في معركة عين جالوت عام 1259م، وضمت فلسطين بما فيها القدس إلى المماليك الذين حكموا مصر والشام بعد الدولة الأيوبية حتى عام 1517م.

العثمانيون

دخلت جيوش العثمانيين فلسطين بقيادة السلطان سليم الأول بعد معركة مرج دابق (1615 - 1616م) وأصبحت القدس مدينة تابعة للإمبراطورية العثمانية. وقد أعاد السلطان سليمان القانوني بناء أسوار المدينة وقبة الصخرة. وفي الفترة من عام 1831 - 1840م أصبحت فلسطين جزءًا من الدولة المصرية التي أقامها محمد علي ثم عادت إلى الحكم العثماني مرة أخرى. وأنشأت الدولة العثمانية عام 1880 متصرفية القدس، وأزيل الحائط القديم للمدينة عام 1898 لتسهيل دخول القيصر الألماني وليام الثاني وحاشيته أثناء زيارته للقدس. وظلت المدينة تحت الحكم العثماني حتى الحرب العالمية الأولى التي هزم فيها الأتراك العثمانيون وأخرجوا من فلسطين.

القدس في العهد العثماني

الاحتلال البريطاني (1917 - 1948م)

سقطت القدس بيد الجيش البريطاني في 8 - 9/12/1917 بعد البيان الذي أذاعه الجنرال البريطاني اللنبي، ومنحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وأصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني (1920 - 1948). ومنذ ذلك الحين دخلت المدينة في عهد جديد كان من أبرز سماته زيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها خاصة بعد وعد بلفور عام 1917.

وعد بلفور المشؤوم

وعد بلفور 1917

وهو الاسم الشائع المطلق على الرسالة التي أرسلها وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد اليهودي ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

كانت الحركة الصهيونية وقتذاك تنشط في بريطانيا كواحدة من جماعات الضغط السياسي. ويوضح يوجين روغان أن بريطانيا باتت تنظر إلى الصهاينة كشريك محتمل لتبرير إعادة التفاوض مع الفرنسيين بشأن اتفاقية سايكس بيكو.

ويشير إلى أن البريطانيين لو طالبوا بفلسطين لهم سيخلق هذا مشكلة دبلوماسية مع الفرنسيين، ولكن لو قالوا لهم "نريد فلسطين ليس لمصلحتنا بل خدمة لفكرة تاريخية تقضي بعودة اليهود إلى وطنهم المذكور في الكتاب المقدس، فسيكون مبررا لتعديل الاتفاقية".

حافظت القدس على هويتها الإسلامية بعد وعد بلفور

مشروع تدويل القدس

أحيلت قضية القدس إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فأصدرت الهيئة الدولية قرارها في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 بتدويل القدس.

إنهاء الانتداب البريطاني

في عام 1948 أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين وسحب قواتها، فاستغلت العصابات الصهيونية حالة الفراغ السياسي والعسكري وأعلنت قيام الدولة الإسرائيلية. وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول 1948 أعلن ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة، في حين خضعت القدس الشرقية للسيادة الأردنية حتى هزيمة يونيو/ حزيران 1967 التي أسفرت عن ضم القدس بأكملها لسلطة الاحتلال الإسرائيلي.

 

المصادر:

- موقع الجزيرة

- مصطفى مراد دباغ، بلادنا فلسطين.

- القدس.. قصة مدينة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، ط1، ص 24 والعسلي، الموسوعة الفلسطينية، المجلد...، ص 813.

- التغيرات الجغرافية والديمغرافية، مركز دراسات المستقبل، جامعة أسيوط، 1996، ص 833.

- التكوين التاريخي لفلسطين، التقرير الأسبوعي "قضايا دولية"، العدد 261، 2/1/1995.

- موقع منظمة التحرير الفلسطينية على الإنترنت.

- الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثالث، القدس.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 23 إبريل 2018 - 18:16 بتوقيت مكة
المزيد