هكذا تأسس تنظيم القاعدة

الإثنين 12 مارس 2018 - 09:51 بتوقيت مكة
هكذا تأسس تنظيم القاعدة

مقالات - الكوثر: من المعلوم أن دوائر الإستخبارات في العالم تحبذ حشر أنفها في كل مسألة،بل هي أصلا تأسست للقيام بهذا الدور،ولعلنا لاحظنا أنه لم تمـر مرحلة ترتيبات لأي عمل سياسي أو عسكري في أي مكان من العالم إلا ويكون لأجهزة الإستخبارات دور كبير فيها،وفي أغلب الأحيان تتغذى أفكار مستشارو الدولة من معلومات أجهزة الاستخبارات وعليها يبنون تحليلاتهم ومشورتهم لصانع القرار في كيفية التعامل مع ما هو كائن أو ما يجب أن يكون بشأن المسائل المحلية والدولية ..

ومن هنا نختصر القول أن العمل المخابراتي والدبلوماسية الخارجية هما ذراعي السياسة العامة للدولة، ورغم التوازي في مساراتهما إلا أنهما يلتقيان في التضامن للحفاظ على استقرار الدولة ومواجهة الأخطار الخارجية الموجهة لها،فأجهزة الإستخبارات تتحسس مواطن الضعف في السياسة الداخلية وتستشعر الأخطار الخارجية الموجهة للدولة، أما الدبلوماسية الخارجية فهي اليد الطويلة للدولة التي تتحسس بها مواطن الضعف والتعامل معها وتمهد الأرضية أمام العمل الميداني لمخابراتها في الخارج  تحت ساتر التعاون الأمني وتبادل المعلومات،وأكثر الدول استخداماً لهذا الأسلوب خاصة في الوطن العربي والشرق الأوسط هما (الولايات المتحدة الأمريكية) و (بريطانيا) ، ولو استقرأنا أسباب التوترات في كثير من مناطق العالم وتاريخ نشأة التنظيمات الأصولية الإسلامية لوجدنا أن دوائر الإستخبارات الأمريكية أو البريطانية أو هما معاً كانا لهما دور مباشر أو غير مباشر في إنشائها أو دعمها  ابتداء من تنظيم الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي وجماعة الجهاد إلي تنظيم القـاعدة،علاوة على تجربتها  لـ الأصولية المسيحية في بولندا وبعض التنظيمات العلمانيـة في مناطق الشرق الأوسط ودول البلقان وآسيا الوسطى وغيرها .. لكن ما يهمنا الحديث عنه في هذا الصدد هو نشأة  الجبهة الإسلامية العالمية ودور بعض أجهزة الإستخبارات في ظهور الجماعات الأصولية تحت شعار ( الصحوة الإسلامية ) والتي من بينها كان  تنظيم القاعدة  الذي هو أساس تكوين تلك الجبهة وممولها المُعلن ومرجعاً لمنهجها .

في سنة 1993م اتسعت رقعة  تنظيم القاعدة أكثر وضم عدد من كوادر ( تنظيم الجهاد المصري ) من أبرزهم ( أيمن الظواهرى )[1]  والمكنى ( أبو الفرج ) والمكنى( أبو حفص ) وبعض عناصر التنظيمات الأخرى خاصة من ليبيا والجزائر واليمن والسعودية ، وتكونت ما يسمى ( الجبهة العالمية الإسلامية ) لمحاربة اليهود والنصارى هدفها محاربة المصالح الغربية أينما وجدت ، وأصبح تنظيم القاعدة جزء من هذه الجبهة، ويرى مؤسسوها أن الجهاد يجب أن يكون شاملا في جميع أنحاء الوطن العربي ، وقد ساهمت مجموعات من أتباع هذه الجبهة في محاربة الأمريكان أثناء تدخلهم في الصومال واستطاعت مفرزة منهم بقيادة شخص سعودي يدعى ( عبدالسلام العقيبي ) من أهالي نجد نصبت كمين لفرقة عسكرية أمريكية وقتلوا 21 جندي أمريكي ، وساهمت أيضاً في القتال إلي جانب الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن، والى جانب ذلك تأسست في تلك الجبهة فرقة أخرى باسم  ( طلائع الفتح ) تشكلت على شكل جماعات من مختلف الجنسيات العربية وخاصة من ليبيا وسوريا ومصر واليمن والسعودية وتم تدريب عناصرها تدريباً راقياً  على عمليات التفجير والاإغتيالات مهمتها تنفيذ عمليات لزعزعة الأمن  في تلك الأقطار مثل التفجير لبعض الأهداف واغتيالات مسئولين وعمليات سطو مسلح علي المعسكرات ومقرات السفارات والشركات الأجنبية وتنفيذ عمليات ضد السواح الأجانب، وقد تم تنفيذ العديد من تلك العمليات في ليبيا  نذكر منها على سبيل المثال: السطو المسلح  على بعض المعسكرات في إجدابيا وطرابلس وسبها وبنغازي وسرقة أسلحة منها، والسطو على مقرات شركات أجنبية في طرابلس وبنغازي ، وعمليات قتل لسواح أجانب في الجبل الأخضر وبنغازي والهيشة ، ومهاجمة مقر القنصلية المصرية في بنغازي وتنفيذ عمليات اغتيال لقيادات وضباط في الأمن وعمليات تفجير بعض المرافق العامة في طرابلس وبنغازي ، وزادت خطورة المنتمين للتنظيم أكثر عندما تم ترحيل عناصره من أفغانستان إلى السودان في بداية عام 1994م باعتبار أن السودان تشترك مع ليبيا في حدود برية صحراوية صعبة التضاريس تصعب السيطرة عليها ، حيث كثرت عمليات تسلل عناصر التنظيم وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وأغلب العمليات الخطيرة التي نفذها أعضاء تنظيم القاعدة في ليبيا كانت بعد تواجدهم في السودان نذكر منها علي سبيل المثال محاولة اغتيال القذافي ببراك الشاطئ في شهر 8/1994 والمحاولة الثانية في ذكرى معركة محروقة في شهر 12/1995 والمحاولة الثالثة في شهر 11/1996 ، والسطو على معسكر الحنية بإجدابيا في شهر 6/1994 والسطو على معسكر التسليح بسبها في شهر 5/1996  والسطو على معهد تدريب الشرطة ببنغازي عام 1998م .

في النصف الأخير من سنة 1979م عندما اجتاحت القوات السوفيتية أفغانستان وصل ( أسامة بن لاذن ) إلى دولة باكستان لإقامة شبكات لإيصال الإمدادات والمقاتلين العرب إلى أفغانستان لمحاربة القوات السوفيتية الغازية، وهناك تقابل مع ( عبد الله عزام )[2] وهو أردني فلسطيني الأصل ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين رافضا لمنظمة التحرير الفلسطينية متهما قادتها بأن سياساتهم شيوعية كافرة ويناضل من أجل إقامة دولة إسلامية في فلسطين، فأعجب  أسامة بن لاذن بـ عبدالله عزام  الذي كان يحمل في جرابه العديد من العناوين  لمقاتلين عرب ، وأشتكى عبدالله عزام من قلة الإمكانيات المادية لإيصال الإمدادات والسلاح للمقاتلين في أفغانستان والنقص في تمويل عائلات المقاتلين، فأبدى أسامة استعداده للتكفل بذلك وعاد مسرعاً إلى السعودية، وعرض الأمر على صديقه الأمير (تركي بن فيصل بن عبدالعزيز)[3] مدير المخابرات السعودية فتحصل منه على الضوء الأخضر فأخذ يطوف العديد من الدول العربية لجمع المقاتلين والتبرعات ، وفي سنوات قليلة أصبح نجماً ساطعاً تنهال عليه التبرعات من كل جانب وخاصة من ملوك وأمراء وكبار تجار دول الخليج الفارسي ، وبذلك أصبح أسامة بن لاذن الممول الرئيسي لحركة المقاومة الأفغانية ، وفي نفس الاتجاه ونظراً للحرب الخفية التي كانت قائمة في ذلك الوقت بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي كانت الإدارة الأمريكية تزود المقاومة الأفغانية بصواريخ ستنغر وأسلحة أخرى متطورة جداً .

نتيجة الجهود التي قام بها أسامة بن لاذن في جمع المتطوعين وأشرطة الكاسيت المحتواة لدروس وخطب  عبدالله عزام عن الجهاد في أفغانستان وما يسميه بكرامات المجاهدين التي كانت ترسل ويتم تداولها بين الشباب في مختلف الأقطار العربية، استقطبت الحرب الأفغانية ضد الروس أعداد كبيرة من الشباب العربي وأُقيمت لهم معسكرات استضافة وتدريب في منطقة بيشاور الباكستانية الواقعة على الحدود وضمت شباب عرب من مختلف الجنسيات، وكانت البداية بمعسكران وهما ( معسكر صدى ـ معسكر الصديق ) خُصصت لتدريب المتطوعين على الأسلحة الخفيفة ولفترات بسيطة .

وفي سنة 1989م أُنشـيء معسكر للتدريبات المتقدمة سُمي ( معسكر الفاروق ) وفيه يتدرب المتطوعين لمدة ثلاثة أشهر ليتحول خلالها المتطوع إلى عسكري مقاتل ، وخلال تلك السنة قُتل عبد الله عزام مع إبنيه بمدينة بيشاور في ظروف لا زالت غامضة ، ومن داخل هذا المعسكر ظهرت فكرة إنشاء تنظيم يضم كل العرب على اختلاف جنسياتهم تحت اسم ( تنظيـم القاعـدة ) بزعامة أسامة بن لادن هدفه المُعلن هو نُصرة القتال الشرعي في أي مكان في العالم بالنفس والمال وقد انضم عدد كبير من الشباب العربي المتواجدين على الساحة الأفغانية لهذا التنظيم .

 

من هو أسامة بن لادن:

 

هو أسامة محمد بن لادن من مواليد الرياض سنة 1957م ينحدر أصله من محافظة حضرموت باليمن، والدته فلسطينية الأصل وهي الزوجة الحادية عشرة لوالده ، وكان أسامة الإبن المقرب جداً لوالده من بين إخوته الإثنان وخمسون ، كان والده مقاولا ناجحاً ، جاء بعائلته إلى السعودية مع قيام النظام الملكي فيها عام 1932م ، ونظراً لنشاطه المتميز فقد بادر ببناء قصر خاص للملك عبد العزيز آل سعود في مدينة جده ، فأصبح مقربا من الملك عبدالعزيز وعلى اتصال مباشر به ، وبذلك تحصل على العديد من العقود وبدأت ثروته تتحسن وصار في مقدمة الأثرياء السعوديين ، كان والده محافظاً فحرص على تربية أبنائه على الطريقة الوهابية التي كانت تعتمد على العمل بالفهم المتشدد والظاهر للأحكام الشرعية والمخالف لجمهور المسلمين في العالم، ومول حلقات النقاش التي تخصص لأمور  الدين ، وفي هذا المناخ نشأ  أسامة  ثم التحق بعد ذلك بجامعة جدة ودرس العلوم الاقتصادية ، وعندما بلغ سن الثالثة والعشرون تعرف على الأمير (تركي بن عبد العزيز) مسئول جهاز المخابرات السعودي فاتحدت قناعاتهما في رفض ما  أسمياه بالإنحطاط العربي وتأخر الأمة الإسلامية ، فأعجب  أسامة  بالأمير تركي الذي لم تفسده ثروة آل سعود  أما الأمير تركي  فقد رأى في أسامة  قوة خفية يمكن أن تنفع في يوم  مـا .

 

العـلاقة بيـن

أسامة بن لاذن والأمير تركي بن عبدالعزيز

 

لا شك أن بداية العلاقة بين الشخصين في بدايتها كانت علاقة عائلية بحكم العلاقة بين والديهما ، لكن ما انتهت إليه هذه العلاقة  بينهما يوضح لنا أن كل منهما كانت له مصلحه في الآخر، فـ أسامة بن لاذن لم يرى في الأمير تركي بن عبدالعزيز غيرته على العروبة والإسلام كما يدعي بل رأى فيه غطاء ورخصة مؤقتة لتفادي السؤال والملاحقة الأمنية كرئيس لجهاز المخابرات لتحقيق أحلامه ، أما الأمير تركي بن عبدالعزيز فكانت رؤيته واضحة وصريحة في أسامة بن لاذن عندما قال عنه أنه قوة خفية تنفع في يوم ما ، وبالتالي تعامله معه كان كمسئول جهاز مخابرات قبل أن يكون صديق ، وقد تحققت رؤية الأمير تركي بن عبد العزيز عندما طرح عليه أسامة بن لاذن فكرة مناصرة المقاتلين الأفغان ولم يكن ذلك الطرح مفاجأة له ، وبالتالي أبدى له ترحيبه بالفكرة منذ البداية ودون نقاش ، والسبب أن رئيس جهاز المخابرات السعودي له تنسيق سابق في هذا الشأن مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، حيث كشفت التقارير الصحفية نقلا عن دبلوماسي عربي عمل سفيراً لبلاده في الباكستان خلال فترة الحرب الأفغانية أن الشيخ ( عمر عبد الرحمن )[4] الذي وصفه بمفتي تنظيم الجهاد وأحد باباوات العرب الأفغان كان على علاقة وطيدة بوكالة المخابرات الأمريكية وساعدها في تجنيد المتطوعين العرب للقتال ضد الروس في أفغانستان في مطلع الثمانينات، حيث رأت تلك الوكالة العمل بنصيحة ( زيغنيو بريجنسكى )[5] بولندي الأصل مستشار الأمن القومى في إدارة كارتر أن استخدام الأصولية الإسلامية في أفغانستان سيحقق لها نفس المكاسب التي  حققتها لها الأصولية المسيحية في بولندا ضد الشيوعية، وبموجب تلك النصيحة تم التنسيق والتضامن بين الدبلوماسية الأمريكية ومحطات وكالة المخابرات المركزية في الشرق الأوسط والمغرب العربي، وتم استقطاب وتجنيد آلاف المتطوعين وعشرات الوعاظ العرب من أبرزهم ( عبدالله عزام ـ عمر عبدالرحمن) وخصصت لتلك الخطة ميزانية تربو على بليوني دولار كمصروفات أنفقت على تلك الجماعات خلال الفترة ما بين سنة 1982م ـ 1992م أي أن  الدعم الأمريكي لتلك الجماعات انتهى بخروج الروس من أفغانستان ، وبالتالي فإن الدبلوماسية والمخابرات السعودية كانت في مقدمة المنسقين مع الدبلوماسية الأمريكية المتضامنة مع محطات وكالة مخابراتها في منطقة الشرق الأوسط،فـ أسامة بن لاذن كانت توجهاته معروفة ومرصودة تحركاته وأستثمره رئيس المخابرات السعودي كورقة جيدة للمساهمة به في التنسيق مع الأمريكان في مواجهة الروس في أفغانستان، ولذلك أعطاه الضوء الأخضر للبدء في برنامجه الذي طرحه عليه وبكل تأكيد أن ذلك كان بشروط اشترطها تركي بن عبد العزيز ووافق عليها أسامة بن لاذن .

أما التغيرات التي طرأت فيما بعد على سلوك بن لاذن وأدت في نهايتها إلى سحب الجنسية السعودية منه  فإن ذلك كانت له معطيات أخرى وفي مقدمتها حبه للزعامة والنجومية ،خاصة وأنه وجد نفسه في وضع يحقق له أحلامه  ولم يكن يتصوره ، فعلاوة على الأموال التي ورثها عن والده والتي تقدر بأكثر من 250 مليون دولار كانت تتدفق عليه أموال أخرى من التبرعات ومن ميزانية المخابرات الأمريكية المخصصة لدعم ما يسمي بالأصوليين في أفغانستان فأنشأ  ما أسماه ( المؤسسة الإسلامية للإنقاذ ) وفتح الطرق في جبال أفغانستان وأنشأ المطارات لإستقبال الطائرات الصغيرة التي كانت تنقل القادة الأفغان والقادة الإسلاميين العرب وأنشأ مركز قيادة عسكرية وأنفاق في الجبال وتحت الأرض ومستشفيات لمعالجة المقاتلين وشبكات اتصال استعداداً للحرب القادمة خاصة تلك الموجهة ضد الأنظمة العربية التي وصفها  بـ ( الكافرة ) وفي نفس الوقت كان يصعد في مساهماته المالية في شركات النقل البرى والبحري الخليجية ، وعندما خسر السوفييت المعركة وخرجوا من أفغانستان رجع أسامة بن لاذن إلى الرياض ، فأستقبله الأمير تركي بن عبد العزيز الذي كان يعي جيداً القيمة الكبيرة له ليس لشركاته التي  كانت موزعة بين لندن ودبلن وأمستردام فقط  ولكن لآلاف المقاتلين العرب الذين يعملون تحت إمرته فنصحه بالمحافظة على قواته في بيشاور ومواصلة الإشراف علي معسكرات التدريب وتكوين جيش قوي بإمكانه أن يضرب في أي زمان ومكان ، وهذه النصيحة طبعاً  ليست من الأمير تركي بن عبد العزيز بل لابد أنها كانت من وحي المخابرات الأمريكية الممولة لتلك المعسكرات .

لكن يبدو أن أسامة بن لاذن قد استشعر من تلك النصائح أنها كانت شبه الأوامر، وحيث أنه عاد للرياض بنشوة الإنتصار برحيل السوفييت وله أتباع من المقاتلين يعدون بالآلاف ومن الأموال وعائدات مشاريعه التجارية ما يضاهي ميزانية دولة ويحقق طموحاته فلم يعد بإمكانه استقبال أوامر من أحد ، فدب الخلاف بينه وبين الأمير تركي بن عبد العزيز وعاد إلى أفغانستان،وأثناء الغزو العراقي للكويت في أغسطس سنة 1990م واستنجاد السعودية بقوات أمريكية استغل الظروف ووصف الحكومة السعودية بالخيانة، ومن هنا اتسعت دائرة خلافه مع الأمير تركي وزادت الهوة أكثر عندما قطعت أمريكا مساعداتها للأصوليين، فمول منشورات معادية للحكومة السعودية وناصب العداء للأمريكان وكانت بدايته تفجير معسكر القوات الأمريكية في منطقة الخبر بالسعودية فسحبت منه الجنسية السعودية عام 1994م،ثم توالت بعدها مواجهته مع الأمريكان في تفجير سفاراتها في نيروبى ودار السلام وبعض العمليات الأخرى .

 

العـلاقة بيـن

 أسامة بن لاذن وعبدالله عزام

 

لم تأتى رياح التنسيق مع ما يسمى بالجماعات الأصولية بما تشتهيه سفن المخابرات الأمريكية،فقد تكبدت بعض الإنتكاسات غير المعلنة مثل اغتيال رئيس مكتب محطتها في بيروت ( وليام بالكي ) ووفاة منسق محطات الشرق الأوسط ( كابسي ) الذي مات حسرة على أقرب مساعديه، لكن هوس الإدارة الريغانية المحموم لإحتواء ما أسماه بالخطر الشيوعي في أفغانستان دفعها لمواصلة العمل الإستخباراتي في خط موازي للعمل الدبلوماسي الأمريكي في المنطقة، وتشكل في الخارجية الأمريكية مكتب ترأسه ( بيتر سيبستيان ) السفير الأمريكي السابق في تونس،ومن ذلك المكتب تم تأمين غطاء سري لعميلها ( عمر عبدالرحمن ) الذي خرج من مصر بقدرة قادر وسافر إلي بيشاور ومنها إلي طهران ثم الخرطوم وأخيراً استقر به المقام في نيوجرسي بأمريكا وتحول ( عبد الله عزام ) إلى همزة وصل بين الأفغان العرب ومعسكرات التدريب الأمريكية في بيشاور ونسج خيوط علاقات مع ( رباني[6] ـ سياف[7] ـ حكمتيار[8]) وحاول مصالحتهم مع ( أحمد شاه مسعود ) ومن هنا تتضح العلاقة بين أسامه بن لاذن وعبد الله عزام في حلقات متسلسلة  وتوضح لنا أن اللقاء الذي تم بينهما في بيشاور عام 1979م الذي أشرنا إليه في المقدمة لم يكن صدفة بل كان مرتبــاً له بين المخابرات الأمريكية والمخابرات السعودية في إطار التنسيق الأمريكي الشرق أوسطي لمحاربة الشيوعية السوفيتية في أفغانستان .

فالمخابرات الأمريكية احتفظت بعميلها  (عمر عبد الرحمن) خوفاً عليه من المخابرات المصرية لأنه كان وقتها متهما بالضلوع في مقتل الرئيس المصري أنور السادات وأسندت مهمته في بيشاور إلي عميلها الآخر  عبدالله عزام، والمخابرات السعودية دفعت بـ  أسامة بن لاذن  للتنسيق به مع الأمريكان والتقيا في بيشاور،وربما أعتقد الشخصان وغيرهما  ممن لا يعرفون تفاصيل اللعبة أن لقائهما كان صدفة وأن التنسيق الذي قاما به أملاه واجب الجهاد وظروف الغيرة على الإسلام، أما مسألة اتهام عمر عبد الرحمن من طرف المخابرات الأمريكية ومحاكمته في حادث تفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك فلا نستبعد أنها لعبة إستخباراتية ضد عميل إنتهت صلاحيته وليست لدينا معلومات عنها .

 

تنظيـم القاعـدة

 

بعد إنشاء معسكر الفاروق في منطقة بيشاور سنة 1989م وانتسب إليه عدد كبير من المتطوعين العرب من مختلف الجنسيات واغتيل ( عبدالله عزام ) يبدوا أن أسامة بن لاذن أراد أن يختبر شعبيته فأعلن عزمه إنشاء تنظيم مستقل فأنشأ تنظيم تحت اسم ( قاعدة الأنصار ) هدفه المعلن هو نصرة أي قتال شرعي في أي مكان في العالم ودعى المتطوعين العرب للإنظمام إليه فأنظم إليه أغلب المتواجدين هناك وأصبح  المعسكر خاصاً بالمنتمين لتنظيم القاعدة ، وكان الإنظمام إليه مشروط بأن يكون الراغب في الإنتماء ( مزكي من شخص سبقه في الانتماء موثوقاً فيه وأن يكون منضبط ومتفوق في التدريبات العسكرية ) وأختار عدد من الأشخاص الناشطين  كمدربين من جنسيات مختلفة أغلبهم كانوا من الليبيين والمصريين والسعوديين، وفي نفس الوقت  كان أسامة بن لاذن حريصاً على ربط الصلة مع الأشخاص الآخرين الذين لم ينتموا لتنظيم القاعدة وكونوا تنظيمات خاصة بهم،فكان يمولهم ويقدم لهم ما يحتاجون من مساعدات،وبعد ازدياد أتباعه من العرب وجنسيات أخرى آسيوية وأوربية وأمريكية فتح معسكرات أخرى ثلاثة منها في منطقة خوست وواحد في  منطقة قندهار وأصبحت هناك تخصصات في التدريب منها ما هو مخصص للمتفجرات وعمليات التفجير والإغتيالات ومنها ما هو مخصص للأسلحة الخفيفة والتثقيف وأخرى للأسلحة الثقيلة وحرب العصابات.

—————————————————————————————————————

تعريف الشخصيات المذكورة:

[1] أيمن الظواهري: مواليد 19يونيو 1951م هو زعيم تنظيم القاعدة خلفاً لأسامة بن لادن بعد ما كان ثاني أبرز قياديي منظمة القاعدة العسكرية التي تصنفها معظم دول العالم كمنظمة ارهابية من بعد أسامة بن لادن، وزعيم تنظيم الجهاد الإسلامي العسكري المحظور في مصر،عمل كجراح (تخصص جراحة عامة) وساعد في تأسيس جماعة الجهاد المصرية ويعتقد بعض الخبراء أنه من العناصر الأساسية وراء هجمات 11سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة وكان اسم الظواهري ثانياً ما بعد بن لادن في قائمة تضم 22 من أهم الإرهابيين المطلوبين للولايات المتحدة ما بعد عام 2001. 

[2] عبدالله عزام: هو شخصية إخوانية من قادة المقاتلين في أفغانستان ضد الإتحاد السوفييتي يوصف بأنه رائد الجهاد الأفغاني ومن أعلام جماعة الإخوان المسلمين ولد في جنين بفلسطين ولقد أنهى دراسته الإبتدائية والثانوية في قريته ثم واصل تعليمه بكلية “خضورية الزراعية” ونال منها الدبلوم بدرجة “امتياز” ثم عمل في سلك التعليم، وواصل طلبه للعلم الشرعي حتى انتسب إلى كلية الشريعة في جامعة دمشق ونال منها شهادة الليسانس في الشريعة عام 1966م وبعد احتلال الضفة الغربية عام 1967م عاد إلى  فلسطين وانتسب إلى الأزهر فحصل على شهادة الماجستير في أصول الفقه عام 1969م بتقدير “جيد جداً ” وعاد سنة 1970م إلى الأردن ليعمل مدرساً في كلية الشريعة بعمان، وبعث من قبل الكلية إلى الأزهر للحصول على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه حيث حصل عليها سنة 1973م وفي سنة 1979م صدر بحقه قرار الحاكم العسكري الأردني بفصلهِ من عملهِ في الكلية، فانتقل إلى السعودية للتدريس في  جامعة الملك عبدالعزيز بجدة ولقد أعير سنة 1980م إلى الجامعة الاسلامية الدولية باسلام أباد للتدريس حسب طلبه ليكون قريباً من الجهاد الأفغاني، وبعد انتهاء مدة الإعارة رفضت جامعة الملك عبدالعزيز تجديد العقد، فقدم عزام استقالته وتعاقد مع الرابطة عام 1985م بدأ عزام في العمل الجهادي مع المجاهدين الأفغان عام 1981م، وقد قام عام1983م بتأسيس “مكتب الخدمات” ثم قد قدم استقالته من الجامعة الإسلامية بإسلام آباد، وتفرغ للعمل الجهادي وحث الامة. وفي 23نوفمبر1989م وبينما كان عزام في طريقه إلى مسجد”سبع الليل” في بيشاور لإلقاء خطبة الجمعة مرت سيارته من فوق لغم أرضي فقتل ويعتبر عبدالله عزام أحد مؤسسي تنظيم القاعدة.

[3] تركي بن عبدالعزيز: مولود في 15فبراير من عام 1945م بمدينة مكة المكرمة، أمير من العائلة المالكة ال سعود وابن الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية من زوجته عفت الثنيان آل سعودكان سابقاً رئيس الاستخبارات العامة السعودية بمرتبة وزير بين عامي 1977م – 2001م وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود أصبح سفيرا للملكة السعودية في بريطانياحتى عام 2005م ثم عين في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود سفيرا في أمريكا حتى أعفي من منصبه في 29 يناير عام 2007 وعين بدلا عنه الديبلوماسي السعودي عادل بن أحمد الجبير.

[4] عمر عبدالرحمن: عالم أزهري مصري وهو الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية له مجموعة من المؤلفات كان معارضا سياسيا لنظام الحكم في مصر، اعتقل في أمريكا و قضي فيها عقوبة السجن المؤبد بتهمة التآمر، في قضية تفجيرات نيوورك سنة 1993م وقد نفى التهم ورفض الإعتراف بها، توفي بتاريخ 18فبراير 2017م في سجون الولايات المتحدة الأمريكية.

[5] زيغنيو بريجنسكى: مفكر استراتيجي ومستشار للأمن القومي لدى الرئيس الأميركي جيمي كارتر بين عامي 1977م و 1981م كما عمل مستشاراً في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وأستاذاً (بروفسوراً) لمادة السياسة الخارجية الأميركية في كلية بول نيتز للدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكينز في واشنطن كان زبيغنيو بريجينسكي من الشخصيات القليلة بين خبراء السياسة الخارجية الأمريكية التي حذرت إدارة بوش صراحة من غزو العراق وينقل عنه في فبراير2003 وقبل حرب العراق بأسابيع قوله إنه إذا قررت الولايات المتحدة المضي قدما في خططها الخاصة بالعراق، فسوف تجد نفسها بمفردها لتتحمل تكلفة تبعات الحرب، فضلاً عن ازدياد مشاعر العداء والكراهية الناتجة عن تلك الحربو في كتابه الجديد “فرصة ثانية” يوجه سهام نقده اللاذعة إلى السياسة الخارجية الأمريكية في عهد كل من جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن، ويعتقد أن الولايات المتحدة خلال حكم هؤلاء الثلاثة قد فرطت وأهدرت فرصتها الأولى لقيادة العالم عندما سنحت هذه الفرصة مع انتهاء الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي ورغم ضياع الفرصة الأولى في ظل أداء ضعيف يفتقر للرؤية الاستراتيجية لدى كل من الرؤساء الثلاثة، فإن بريجينسكي يرى أن الولايات المتحدة ما تزال لديها فرصة ثانية ويؤكد بريجينسكي على أهمية الشهور العشرين القادمة في حسم اضطلاع الولايات المتحدة بقيادة العالم محذراً من أن ازدياد سوء الوضع في العراق أو توسيع دائرة الحرب في الشرق الأوسط بمهاجمة إيران ربما يؤديان إلى أن تذكر كتب التاريخ أن عمر الولايات المتحدة كقائدة للعالم كان قصيراً جداً.

[6] برهان الدين رباني:  هو ثاني رئيس لدولة المجاهدين في كابل بعد سقوط الحكم الشيوعي فيها في أبريل 1992م أخرج من كابل في  26سبتمبر1996م على يد حركة طالبان ظل ينتقل في ولايات الشمال التابعة له وهو يعتبر أحد أبرز الزعماء المعارضين لطالبان.

[7] عبد رب الرسول سياف: رئيس الاتحاد الإسلامي الأفغاني، من مواليد مدينة بغمان بولاية كابولسنة 1994م كانت التسمية الأولى لسياف هي عبد الرسول وهو اسم ينتشر بين الأفغان، لكنه عندما درس في مصر عدل اسمه إلى عبد رب الرسول سياف حصل سياف على درجة الماجستير في الحديث الشريف من جامعة الأزهر، بعد أن كان قد تخرج من كلية الشريعة من جامعة كابول أيام حكم الملك ظاهر شاه انضم سياف إلى الحركة الإسلامية مبكرا تعرف على فكر جماعة الإخوان المسلمين ثم صار بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان وكان يتحدث اللغة العربية بطلاقة احتفظ بتنظيم الاتحاد الإسلامي بعد أن كان هذا الاسم يشمل جميع تنظيمات الجهاد التي دخلت في اتحاد عام سنة 1983م ثم ما لبث أن انفض ليخلفه بعد ذلك اتحاد آخر لكنه ظل هشا إلى أن دخل المجاهدون إلى كابول بعد سقوط الحكومة الشيوعية سنة 1992م شارك سياف في الحرب الأهلية بعد دخول قوات المجاهدين إلى كابول مرغما حيث اضطر ولعدة سنوات لخوض معارك مع حزب وحدت الشيعي خاصة في غرب العاصمة كابول ثم انضم إلى صفوف تحالف الشمال عندما سيطرت حركة طالبان على أغلب مناطق أفغانستان وبعد سقوط طالبان عاد سياف إلى منطقته بغمان قرب كابول وظل يشارك بفعالية في الحراك السياسي الأفغاني وكان له دور بارز في تذليل الخلافات بين الفرقاء في اجتماعات اللوياجيرغا التي انبثق عنها الدستور الأفغاني في بداية عام 2004م يقول سياف إنه لايسعى إلى أي منصب حكومي تنفيذي، ولهذا حرص على الترشح للبرلمان الأفغاني وصار نائبا فيه، لكنه فشل في الحصول على منصب رئيس البرلمان، فكان المنصب من نصيب يونس قانوني.

[8] قلب الدين حكمتيار: زعيم الحزب الإسلامي الأفغانيولد فی ولاية قندوز في أفغانستان وهو أحد قادة المجاهدین في فترة الغزو السوفيتي ومن معارضي احامد كرازي ومن معارضي الاحتلال الأمریکي والغربي والتواجد في أفغانستان وقف ضد أحمد شاه مسعود (أسد بانشير) وتحالف مع أسامة بن لادن وطالبان الى أن تمكنوا من اغتياله.

المصدر: مركز السلام والتنمية

31102

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 12 مارس 2018 - 09:41 بتوقيت مكة