المؤمنون بالغيب هم المفلحون بلا ريب!

الثلاثاء 9 يناير 2018 - 11:02 بتوقيت مكة
المؤمنون بالغيب هم المفلحون بلا ريب!

إن الإيمان بالغيب من الخصائص المميزة للإنسان عن غيره من الكائنات. ذلك أن الحيوان يشترك مع الإنسان في إدراك المحسوس، أما الغيب فإن الإنسان وحده المؤهل للإيمان بخلاف الحيوان. لذا كان الإيمان بالغيب ركيزة أساسية من ركائز الإيمان في الديانات السماوية كلها.

 الغيب في القرآن الكريم:
يجد الباحث لدى مراجعته لكتب اللغة أن الغيب يطلق على كل ما غاب عن الحواس وكان مستورا ومحجوبا عنها.
وقد ورد في العديد من الآيات القرآنية ضد الشهود والحضور، وقد تكرر استعمال لفظ "الغيب" وبعض مشتقاته في القرآن الكريم أربعا وخمسين مرة بالمعنى المذكور، ومن تلك الآيات قوله تعالى: ﴿...عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير﴾
) الأنعام:73(، ومن الملاحظ أن أول صفة وردت في القرآن الكريم تصف المتقين هي الإيمان بالغيب ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين* الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون﴾( البقرة:2-3)، ولعل السبب في ذلك أن الإيمان بالغيب هو أصل كل اعتقاد وأساس كل عمل. عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام: "الذين يؤمنون بالغيب يعني ما غاب عن حواسهم من الأمور التي يلزمهم الإيمان بها كالبعث والنشور والحساب والجنة والنار وتوحيد الله تعالى وسائر ما لا يعرف بالمشاهدة وإنما يعرف بدلائل قد نصبها الله تعالى دلائل عليها(" (السبزواري- عبد الأعلى- مواهب الرحمن، ج1 ص89.
أهمية الإيمان بالغيب:
إن الإيمان بالغيب من الخصائص المميزة للإنسان عن غيره من الكائنات. ذلك أن الحيوان يشترك مع الإنسان في إدراك المحسوس، أما الغيب فإن الإنسان وحده المؤهل للإيمان بخلاف الحيوان. لذا كان الإيمان بالغيب ركيزة أساسية من ركائز الإيمان في الديانات السماوية كلها. فقد جاءت الشرائع بكثير من الأمور الغيبية التي لا سبيل للإنسان إلى العلم بها، أويصعب عليه اكتشافها ومعرفتها إلا بطريق الوحي الثابت في الكتاب والسنة كالحديث عن صفات الله تعالى وأفعاله وعن السماوات السبع وما فيهن وعن الملائكة والنبيين والجنة والنار والشياطين والجن وغير ذلك من الحقائق الإيمانية الغيبية.

الغيب والقوانين الطبيعية
لا بد من التوقف عند نقطة هامة وهي أن الدين عندما يركز على مسألة الإيمان بالغيب ووجود جانب روحي يرعى الإنسان، لا يلغي مبدأ أساسيا في الحياة وهو أن هذه الحياة تخضع في مظاهرها لقوانين طبيعية أودعها الله تعالى في الكون، ولذلك تدعو الآيات الكريمة والروايات الشريفة إلى التماس الأسباب الطبيعية المؤدية إلى النتائج المرجوة، كالسعي لتحصيل لرزق، والتداوي لرفع الأمراض، ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾( النجم:29)، وهو في الوقت الذي يؤكد فيه أن النصر من عنده تعالى، يكلف الإنسان بتجهيز أسبابه الطبيعية ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾( الأنفال:60)نعم إنما تؤدي الأسباب الطبيعية دورها بإذن الله تعالى، فهو الرزاق وهو الشافي...، فلا بد من التوكل عليه لتحصيل النتائج المرجوة.
بين الإيمان القلبي والإدراك العقلي

قال تعالى: ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون﴾( الحجرات:15).
قد يدرك العقل حقيقة معينة من خلال الاستدلال، ولكن يمكن أن يبقى هذا الإدراك مجرد مسألة علمية يظهرها الإنسان ويتحدث بمضمونها عندما تدعوالحاجة، وهذا المستوى من الإدراك غير كاف، وعلينا أن نحوله إلى إيمان حقيقي من خلال الإذعان والاطمئنان القلبي والنفسي، وهذا ما يولد الإيمان الحقيقي، ويصبح الإنسان فيه مطمئنا بعيدا عن الشك والريب كما تعبر الآية الكريمة، فالمؤمن من آمن قلبه وتيقن. وطالما لم يبلغ اليقين فإن نقطة الجهل والشك قائمة.
يقول الإمام الخميني قدس سره في كلام له حول درجات الإيمان:
"
ثمة فرق كبير بين الإيمان القلبي والإدراك العقلي، فكثير من الأمور التي يدركها الإنسان بعقله ويبرهن عليها قد لا تبلغ درجة الإيمان القلبي وكماله المتمثل في الاطمئنان، وذلك عندما لا يذعن القلب بما أدركه العقل".
( روح الله- الإمام الخميني، سر الصلاة، ص41)

مراتب اليقين
إن اليقين يشبه النور، وهو على مراتب، فكما النور على درجات فكذلك اليقين. والقرآن الكريم يذكر ثلاث مراتب لليقين: علم اليقين، عين اليقين، حق اليقين.
قال تعالى: ﴿ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر* كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون * كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين * ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾
( التكاثر:1-8).
﴿وأما إن كان من المكذبين الضالين *فنزل من حميم * وتصلية جحيم * إن هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم﴾
) الواقعة:92-96).
والمراد بعلم اليقين قبول ما ظهر من الحق، وهو يملأ النفس رضا وقناعة بعد اضطراب الشك فيها.
أما عين اليقين؛ فهو الغنى بالاستدراك عن الاستدلال، وعن الخبر بالعيان، وخرق الشهود حجاب العلم. فهو شهود الأشياء ـ كما هي ـ بالكشف ولا مدخل فيه للنقل والاستدلال ـ كما في علم اليقين، فإنه يحصل بهما؛ بخلاف عين اليقين ـ فإنه لا يحصل إلا بالكشف.
وأما حق اليقين؛ وهو إسفار صبح الكشف، ثم الخلاص من كلفة اليقين، ثم الفناء في حق اليقين.
والفرق بينها ينكشف بالمثال: فعلم اليقين بالنار – مثلا - هو مشاهدة آثارها كالدخان، وعين اليقين بها معاينة ورؤية نفس النار، وحق اليقين بها هو الاحتراق فيها.

علاقة المتقين بالله
إن هؤلاء المحبين إنما سرى حب الله في عروقهم لأنهم لا يرون محبوبا مستحقا للحب سواه ولا محبوب في الحقيقة غيره وذلك لأسباب ثلاثة:

السبب الأول: حب الذات:
وهو أمر فطري فلا نجد إنسانا إلا محبا لذاته وهو بالتالي محب لمن أوجد هذه الذات وهو الله جل شأنه فهو موجدها من العدم إلى الوجود ومن الظلمة إلى النور وهو قوام كل ذات موجودة والمنعم عليها بسائر النعم، وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه".
(المجلسي- محمد باقر- بحار الأنوار- ج17 ص14)
السبب الثاني: حب الكمال والجمال:
وهذا أمر فطري فالإنسان بفطرته يميل نحوالكمال والجمال ولا يوجد جمال خالص وكمال مطلق إلا لله عز اسمه فهما منحصران فيه، وكل كامل سواه فكماله فرع لكماله، وكل جميل مقتبس جماله منه تعالى، وما دام الله هو الكمال المحض والجمال الخالص فهو أحق أن يكون محبوبا وحري بأن يكون معشوقا.
السبب الثالث: طلب العزة والقوة:
إن كل فعل يراد به غير الله سبحانه وتعالى فالغاية المطلوبة منه إما عزة في المطلوب يطمع فيها أوقوة يخاف منها، والعارفون بالله المحبون له لديهم يقين بأن ذلك كله بيد الله تعالى لا بيد غيره إذ يقول تعالى ﴿فإن العزة لله جميعا﴾( النساء:129)، ويقول سبحانه: ﴿أن القوة لله جميعا﴾
( البقرة:165).
فمن خلال هذه الأسباب وأمثالها انغرست أشجار محبة الله في أفئدتهم وسرت في عروقهم فانقطعوا عن كل شيء سوى الله، وانطبع هذا العلم والإدراك على أفعالهم وتصرفاتهم فكلها إلهية ملكوتية فلا يخطون خطوة إلا للتقرب إلى الله تعالى ولا يرجون ولا يخافون إلا الله ولا يرضون ولا يغضبون إلا لله وفي الله، وبذلك تستقيم أخلاقهم بصورة طبيعية. وكما في خطبة المتقين: "عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم".

الشوق إلى الجنة والإشفاق من النار
"لولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب".
فالمتقون شأنهم شأن سيدهم أمير المؤمنين وسيد المتقين الذي قال: "والله لوكشف لي الغطاء ما ازددت يقينا".
هذا اليقين باليوم الآخر وثوابه وعقابه لا بد أن يكون له أثره في السلوك والعمل لذا يقول الإمام علي عليه السلام:"لا تجعلوا علمكم جهلا ويقينكم شكا إذا علمتم فاعملوا وإذا تيقنتم فأقدموا".(نهج البلاغة، قصار الحكم، 247)
لذا، فإن من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات،ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات، ومن زهد في الدنيا استهان بالمصيبات، ومن‏ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.

المصدر: almaaref.org

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الثلاثاء 9 يناير 2018 - 11:02 بتوقيت مكة