مسؤولية الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.. على من تقع؟

الخميس 14 ديسمبر 2017 - 13:24 بتوقيت مكة
مسؤولية الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.. على من تقع؟

أيّها النّاس: إنّ معنى أن نكون مسلمين، هو أن نعمل على أن يطاع الله فلا يُعصى، وأن نتحرّك من أجل أن تكون الحياة رضى لله تعالى، وهذا ما يجب علينا أن نخطّط له؛ لأنّ مسؤوليّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ليست مسؤوليّة العلماء فحسب، ولكنّها مسؤوليّة المجتمع كلّه،

آية الله السيد محمد حسين فضل الله

دور السّلطة في إصلاح المجتمع
يقول الله تعالى في كتابه المجيد:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104].
لقد رسّخ الإسلام منهجاً اجتماعيّاً اعتبره فريضةً على النّاس، وهو أن يكون المجتمع كلّه مسؤولاً عن الانحرافات الّتي تحدث في داخله، سواء تمثّلت هذه الانحرافات في ترك الواجبات، أو في فعل المحرّمات؛ لأنّ ذلك هو السّبيل الأمثل لضبط الواقع الإنسانيّ الاجتماعيّ، وتوجيهه نحو الالتزام بما شرّعه الله سبحانه وتعالى، وبما أحبّه لعباده.

ولذلك، فإنّ الدّور الأكبر لفريضة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر يقع على عاتق السّلطة القانونيّة، في تطبيقها للحدود والتّعزيرات بحقّ من يرتكب المعاصي التي يبغضها الله تعالى، من دون فرقٍ بين كبيرٍ وصغيرٍ، ووجيهٍ وحقيرٍ، وهذا ما عبّر عنه النبيّ(ص) عندما قال: "إنما أُهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشّريف تركوه، وإذا سرق الضّعيف أقاموا عليه الحدّ. فأيمُ اللهِ، لو سرقتْ فاطمة بنت محمّد لقطعْتُ يدها". فالإسلام ليس فيه امتيازاتٌ لأحد، وهذا ما عبّر عنه الله تعالى على لسان نبيّه: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأنعام:15].
مسؤوليّة المجتمع
والله تعالى حمّل المسؤولية ـ أيضاً ـ للمجتمع كلّه، سواء كان ذلك في النّطاق العائليّ، أو في النّطاق الاجتماعيّ الواسع. فعلى الإنسان أن يأمر عائلته بالقيام بالمسؤوليّات التي فرضها الله تعالى، وهذا ما جاء في قوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشّعراء:214]، وقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}[طه:132]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التّحريم:6].
وهذا ما أرادت الآية الكريمة أن تؤكّده:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104]، وبذلك يتكامل الالتزام بالشّريعة الإسلاميّة في كلّ مجالاته، فهو سبب الفلاح في الدّنيا والآخرة، وقد ورد في الحديث: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". فالمطلوب من كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ، ومسلمٍ ومسلمةٍ، أن يبعد المنكر عن المجتمع، سواء بالوسائل العمليّة أو الكلاميّة أو المشاعر النّفسيّة.

أهميّة القوّة في ردع المنكر
وقد ورد في الحديث عن النبيّ(ص): "إنّ الله ليُبغضُ المؤمنَ الضّعيفَ الّذي لا دينَ له". فقيل: وما المؤمن الضّعيف الذي لا دين له؟ قال: "الّذي لا ينهى عن المنكر"، فالإنسان يُحاسَب على تركه النّهي عن المنكر كما يحاسب على فعله المنكر. وقد أراد النّبي(ص) من خلال هذا الحديث أن يؤكّد أنّ على المجتمع أن يملك القوّة التي يستطيع من خلالها أن يتصدّى للمنكر، ولا سيّما إذا كان المنكر كبيراً وخطيراً ومدمِّراً للمجتمع، كما نراه في ظلم المستكبرين، أو في بعض الآفات التي تدمِّر المجتمع، كأولئك الّذين يأكلون أموال النّاس بالباطل، أو الّذين يتعاملون ببيع الخمور والمخدّرات والأعراض، والاعتداء على النّاس وما إلى ذلك...

فضل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
وورد عن أمير المؤمنين(ع): "ما أعمال البرّ كلّها والجهادُ في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، إلا كنفثةٍ في بحرٍ لجيّ". فكأنّه يعتبر أنّ قضيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر هي التي تصون المجتمع من السّقوط، والاهتزاز والانحراف عن الخطّ المستقيم، حتى إنّ الإمام(ع) فضّلها على كلّ أعمال الخير، وحتى على الجهاد الّذي يحفظ المجتمع ويجعله قادراً على مواجهة المستكبرين الّذين يعتدون على النّاس كلّهم.

وفي الحديث عن الإمام الحسين(ع) أنّه قال: "اعتبروا أيّها النّاس بما وعظ الله به أولياءه... وقال:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر}[التّوبة:71] ـ فالله جعل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من صفات المؤمنين الّذين لا بدّ لهم من التّضافر والتعاضد في سبيل تحقيقه ـ فبدأ اللهُ بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فريضةً منه ـ فهو واجبٌ وليس مستحبّاً ـ لعلمه بأنّها إذا أُدّيت وأُقيمت استقامت الفرائضُ كلُّها، هيِّنها وصعبها ـ لأنّ النّاس إذا تركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فإنّ الفرائض الأخرى سوف تهتزّ وتسقط، بينما إذا أمر النّاسُ بالمعروف ونهوا عن المنكر، فإنّ الفرائض تستقيم، والأمّة، حينها، ستستقيم وتعيش في عزّةٍ وحرّيةٍ وكرامة ـ وذلك أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام، مع ردّ المظالم ومخالفة الظّالم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذِ الصّدقات من مواضعها ووضعها في حقّه".

نتائج ترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
وقد حدّثنا الله تعالى في آيةٍ أخرى عن نتائج ترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وعن كيفيّة استحقاق بني إسرائيل اللّعن على ذلك: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المائدة:78-79].
وجاء في الحديث عن عليّ(ع): "إنّ الله لم يلعن القرنَ الماضي بين أيديهم إلا لتركهم الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؛ فلعن الله السّفهاء لركوب المعاصي، والحكماء لترك المناهي".

وعن رسول الله(ص) وهو يخاطب أمّته: "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر" ـ بل واجهتم المسألة بطريقة اللامبالاة ـ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: "نعم، وشرّ من ذلك؛ كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف" ـ لأنّنا إذا تركنا الأمر بالمعروف، أصبح المعروف بعيداً عن المجتمع، وأصبح المنكر منتشراًَ فيه، فقد يرى النّاس عند ذلك المنكر شيئاً عادياً أو صحيحاً، فيسيرون فيه، كما نرى بعض النّاس الذين يأمرون بناتهم أو زوجاتهم بترك الحجاب مثلاً ـ فقيل له: يا رسول الله، ويكون ذلك؟ قال: "نعم، وشرّ من ذلك؛ كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً ـ بحيث تبدّلت الذهنيّة والمفاهيم ـ والمنكر معروفاً". وهذا ما نلاحظه في الواقع الّذي نعيشه في مجتمعاتنا الإسلاميّة، فنرى أنّ الذين يمارسون الجريمة، سواء سرقة السيارات أو الاتجار بالمخدّرات أو التجارة بالأعراض، أو جريمة الارتباط بالظّالمين، يعتبرونها أمراً فيه ذكاء وحنكة، بل ومدعاة للفخر أحياناً. إنّنا عندما نرى المجتمع يتحرّك من أجل الحصول على المال ولو بطريق الباطل، نشعر بهذه الخطورة في الواقع الذي تحدّث عنه النبي(ص).

المسؤوليّة الشّاملة لإصلاح المجتمع
أيّها النّاس: إنّ معنى أن نكون مسلمين، هو أن نعمل على أن يطاع الله فلا يُعصى، وأن نتحرّك من أجل أن تكون الحياة رضى لله تعالى، وهذا ما يجب علينا أن نخطّط له؛ لأنّ مسؤوليّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ليست مسؤوليّة العلماء فحسب، ولكنّها مسؤوليّة المجتمع كلّه، وذلك في كلّ موقعٍ من المواقع الصّغيرة والكبيرة، حتى نستطيع أن نجعل مجتمعنا مجتمعاً مسلماً منفتحاً على الإسلام وعلى طاعة الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التّوبة:105].

المصدر: موقع بينات

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 14 ديسمبر 2017 - 13:00 بتوقيت مكة