قدس الأقداس

الخميس 14 ديسمبر 2017 - 09:34 بتوقيت مكة
قدس الأقداس

مقالات ـ الكوثر: هناك فرق بين رؤيتين تجسدتا في القدس في الماضي القريب، فمنهم من يرى ان القدس قضية يقتصر امرها بفلسطين، بل هي قضية فلسطينية بحتة.

هذه الرؤية في تحجيم قضية القدس أو التقليل من شأنها لم تحدث الا بعدما كان البعض قد ألبسها رداء عربيا وتحدث عنها كأنها قضية عربية تخص العرب دون غيرهم. ولا ضير البتة لو كان الهدف من ذلك ارتكاز العمل العربي على القضية تلك، لتكون الجهود كلها منصبة لمعالجتها وتطهيرها من دنس المعتدين، لكن سعيهم في تعريب القضية أدى الى ثني الآخرين وتقاعسهم عن التفكير بها وان يدلوا بدلوهم للمشاركة في انقاذ هذه البقعة المباركة.

ومن ذلك المنطلق تقلصت قضية القدس من حجمها وصغرت شيئا فشيئا ان لم نقل استصغرت، وتحولت من قضية عربية الى قضية فلسطينية ومنها الى قضية أصغر منها، فتصغيرها وتقزيمها دفع من تسول له نفسه بان يتوهم أن القدس لقمة سائغة يمكن التلاعب بها وابتلاعها.

لكنها في الطرف الآخر تبلورت رؤية أخرى تنطوي على تعظيم القضية وتضخيمها لترفع من شأنها وتوسع في مساحتها لتنحدر القدس من قطعة أرض فلسطينية أو عربية وتتحول إلى قضية اسلامية ليشارك العالم الاسلامي بأسره في همها وغمها ويجند كل طاقاته وعواطفه وامكانياته لها ولترتوي شجرة الزيتون المقدسة من مناهل اسلامية عذبة ويرى كل مسلم ومسلمة أن أمرها أمره وشأنها شأنه وتنبض لها قلوبهم من أقصى الشرق الى أقصى الغرب في تعظيم المسجد الأقصى باعتباره أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

ان هذه الرؤية لم تقف في حدها بل ذهبت الى أبعد منها لترى أن القدس قضية انسانية تهز مشاعر الانسان أينما كان، بصرف النظر عن دينه وقوميته وعقيدته. فهناك شعب تعرض للظلم والتشريد والتهجير وبلد محتل وأرض مستباحة يعيش اهلها في الشتات وقبله هي مهبط الأنبياء وبوابة العروج الى السماء تندرس بيد نظام غاصب لقيط وكيان متغطرس غير مشروع.

هذه الرؤية تجد ان القدس قضية عالمية لا تقبل التقزيم والتحجيم حتى تكون سهلة الابتلاع والابتياع ولا يستهان بها حتى تكون عرضة للاقتلاع.
وأما الْيَوْمَ وبعد نكبة القرار الجاحد لتهويدها، فنحن نستشعر بقوة غلبة وتفوق رؤية التعظيم على التحجيم، ونجد كل ضمير حي يحاكي هذا الامر ويتفاعل معه ويرى أن القدس أمرها عالمي كما كان يومها عالميا وانها ليست قضية فلسطينية بحتة فحسب بل هي عربية واسلامية وانسانية. كما أن مصيرها لا ينحصر بالحكومات فقط لكونها قضية دولية بل تمس وترتبط بوجدان الشعوب الحرة أيضا لكونها قضية عالمية وكما أن أمرها لا يقتصر على يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كما أعلنه المغفور له الامام الخميني رحمة الله عليه باعتباره من ليالي القدر المباركة بل انها تتجاوز وتطوي مسافات بعيدة لتختزل الزمان والمكان وتتحرر يوما ليس ببعيد.

د. علي رضا عنايتي
سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الكويت

* النهار

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الخميس 14 ديسمبر 2017 - 09:33 بتوقيت مكة